ابنٌ جديد بدون متاعب
غالباً ما يكون زوج الابنة بمثابة الابن ولكن إذا أحسن الأهل الاختيار ...
من الرائع أن يرزقكِ الله بابن بدون تعب، أي بالنسبة للمرأة بدون حمل ولا ولادة ولا سهر وتربية وغيره من مسئوليات أساسية تقوم بها الأم تِجاه الابن الذي أنجبته.
هذا الابن الذي أقصده هو زوج الابنة وهو يكون في منزلة الابن ولكن إذا أحسنَّا الاختيار.
الاختيار أولًا:
لا يهمني الزواج بقدر ما يهمني الاستمرار في الزواج، لذلك فإن على أسرة البنت مسئولية كبيرة تجاه ابنتها، فهي تختار لها وترتضي لها زوجًا ستكمل معه باقي حياتها، وستعيش معه أكثر مما عاشت في بيت أسرتها.
ولذلك على الأسرة أن "تُحسِن اختياره لابنتها فلا ترضاه إلا من أصحاب الدين والخلق والسمعة العطرة، كما حض على ذلك رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «(رواه الترمذي) » . ولا يستهويها في خطيب ابنتها المظهر الأنيق أو المركز الرفيع الكثير فحسب، لأنها تدرك أنها ستضم بتزويجه ابنتها ولدًا إلى أولادها تستأمنه على عرض ابنتها وحياتها وسعادتها، ولا يصون هذا كله ولا يرعاه إلا رجل ذو خلق ودين وشرف ومروءة وقيم" (شخصية المرأة المسلمة د/ محمد علي الهاشمي، ص[233]).
ومن هنا أؤكد أن أول وأهم أسباب المشاكل الزوجية ترجع إلى سوء الاختيار، ولأهمية هذا الموضوع تجد الإسلام يؤكد على حسن اختيار شريك الحياة ورفيق العمر، واعتبر حسن الاختيار من عوامل تحقيق إسلامية الحياة الزوجية، ومن تباشير الوفاق والمودة بين الزوجين، إذًا "الاختيار الصحيح الذي سياجه الدين والخلق والأصل الكريم، عاصم من قواصم المشاكل الزوجية؛ لأن الدين وقواعده الربانية هي القاعدة السليمة لحل أي خلاف بعد نشوئه واجتنابه قبل وقوعه، ولا أمان لمن لا إيمان له" (حتى يبقى الحب د/ محمد محمد بدري، ص[503]).
مُتغيَّر آخر في حياة الزوجين:
إن دخول الأبناء في مرحلة جديدة من حياتهم وأنهم أصبحوا على مشارف الزواج هذا يعتبر متغيرًا جديدًا في حياة الزوجين، فبهذا الحدث تصبح الزوجة حماة والزوج حمى، وهذا له شكل علاقة مختلف عن باقي العلاقات الاجتماعية الموجودة بالفعل في حياتهم، وأيضًا هناك أسرة الشاب الجديد المتقدم للزواج، ويترتب على هذا مواعيد للزيارات، وضيافة واستقبال الضيوف الجدد، والمجاملات في الأعياد والمناسبات، وغير ذلك من توابع هذه العلاقة الجيدة، وهذه كلها متغيرات في حياة الزوجين، ولا ننس دور الزوجين في إعداد ابنتهم لهذا الحدث الهام السعيد.
الانطباع الأول يدوم:
إذا تقدّم شاب للابنة وجاء إلى البيت في أول زيارة له، فعلى الزوجين رؤية هذا الشاب والاستماع لحديثه وتبادل الحوار معه، ومن الزيارة الأولى ستعرف الأسرة والابنة إن كان هذا الشاب يناسبها أم لا.
إن الانطباعات الأولى لها "تأثير قوي فنحن نقيم الفرص المتاحة في كل مقابلة جديدة، بالإضافة إلى تقييمنا الفطري للشخص الجديد الذي نقابله، فنحن لا نستطيع أن ننكر أهمية المظهر والشكل عندما نقابل شخصًا ما لأول مرة، فأناقتك تساهم في تشكيل انطباع إيجابي عند بدئك في إقامة العلاقة، ولكن كيف تجعل الناس يتعاملون معك بدفء؟ وكيف تظهر الجوانب الإيجابية في شخصيتك المميزة؟" (كيف تجعل الناس تحبك, نيكولاس بوثمان، ص[47]).
بعد الجلسة الأولى:
بعد الانطباع الأولي الذي تكونه الأسرة ومن بينها الابنة طبعًا التي ستتزوج من الشاب المتقدم، يأتي دور السؤال عنه في مكان عمله، والمسجد الذي يصلي فيه، والشارع الذي يسكن فيه، وأقاربه وأصدقائه، وكل أو بعض ممن يخالطه وقريب منه يعرف خلقه وطباعه الشخصية وصفاته الواضحة.
أقول هذا لأنني سمعتُ مشاكل كثيرة، موجزها أن الأهل والابنة اكتشفوا بعد الزواج معلومات سيئة عن الشاب وأيضًا عن أهله، مما يُهدِّد هذا الزواج في بدايته.
مثال على ذلك: بعد ثلاثة شهور من الزواج، اتصلت بي شابة تقول: إنها تريد الطلاق لأن زوجها يضربها ولا يصرف عليها وهو بخيل جدًّا، وينتظر زيارة أهلها التي يحضرون فيها الأكل واللحوم ?خزين المنزل، وهذا التصرف منه يؤلمها كثيرًا.
وبديهي أن أسألها كيف لم تعرفوا عنه هذه الصفات من قبل؟ ولماذا لم تسألوا عليه جيدًا؟ ولماذا تسرّعتم في الزواج قبل التعرف عليه والتأكد من أخلاقه وصفاته هو وأسرته؟
مقياس عمر بن الخطاب في معرفة الرجال:
فعند أبي القاسم البغوي بإسناد حسن والخطيب في الكفاية وغيرهم عن خرشة بن أبحر قال: "شَهِدَ عند عمر بن الخطاب رجل شهادة؛ فقال له: لستُ أعرفك ولا يضرك أن لا أعرفك فأتِ بمن يعرفك. فقال رجلٌ من القوم: أنا أعرفه. فقال بأي شيء تعرفه؟ قال: بالعدالة والفضل. قال: فهو جارك الأدنى الذي تعرف ليله ونهاره ومدخله ومخرجه؟ قال: لا. قال: فعاملك في الدينار والدرهم اللذين يستدل بهما على الورع؟ قال: لا. قال: فرفيقك في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق؟ قال: لا. قال: لستَ تعرفه. ثم قال للرجل: ائت بمن يعرفك".
ورواه ابن أبي الدنيا في الصمت بلفظ: "أن عمر رأى رجلًا يُثني على رجل، فقال: أسافرت معه؟ قال: لا. قال أخالطته؟ قال: لا. قال: والله الذي لا إله إلا هو ما تعرفه".
وروى الدينوري في المجالسة عن عبد الله العمري قال: "قال رجل لعمر: إن فلانًا رجل صدق. فقال له: هل سافرت معه؟ قال: لا. قال: فهل كانت بينك وبينه معاملة؟ قال: لا. قال فهل ائتمنتَه على شيء؟ قال: لا. قال: فأنت الذي لا علم لك به أُراك رأيتَه يرفع رأسه ويخفضه في المسجد." اهـ.
ولا يُعارضه "إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان"، لقد فهم عمر رضى الله عنه الفهم الصحيح للإسلام، فهم أن الإسلام ليس مُجرّد شعائر تعبدية يؤديها الإنسان بمعزل عن الحياة، وأنه عندما يحافظ على الصلاة وباقي العبادات المفروضة فإن هذا لابد أن يفيض على الجوارح والسلوك والأعمال، فـ (الإيمان هو ما وقر في القلب وصدقه العمل).
"وهناك ثلاث منظومات تقيس نجاح الإنسان وتوازنه في الحياة وهي:
1- منظومة الإيمان:
وتربية النفس على المعاني الإيمانية الراقية، والتي تسمو بالروح وتهذب الأخلاق وتربط الإنسان بخالقه في كل أحواله، وتنمي في داخل الفرد روح البذل والعطاء والتضحية من أجل الأهداف السامية، وتزرع فيه الضمير الداخلي الذي يدفعه دائمًا للالتزام بالقوانين والأعراف المجتمعية الصحيحة، حتى في ظل غياب الرقابة القانونية.
2- منظومة القِيَم والأخلاق:
وبها ينصلح حال أفراد المجتمع، بحيث يقترب أو يكاد يقترب من النموذج الذي غير وجه التاريخ من قبل، وهذه القيم هي قيم النهضة مثل: العدل والشورى والمساواة والجدية وحب العمل.
3- منظومة الفاعلية:
والتي تتمثل في الإنتاجية والقدرة على النمو والتطور المادي من خلال تحقيق أقصى إنتاج ممكن، باستخدام الموارد المتاحة أفضل استخدام، ولا يتم ذلك كله إلا عبر بناء الفرد المنتج" (من هنا نبدأ مشروع الإصلاح الاجتماعي، هشام مصطفى عبد العزيز، ص[79]).
كيف تنظر الأم إلى من سيكون زوج ابنتها؟
هل تنظر إليه على أنه ابن جديد انضم إلى باقي أبنائها؟
هل تنظر إليه على أنه أخ أصغر؟
هل تنظر إليه على أنه صديق إذا كان يتسم بالحكمة ورجاحة العقل؟
هل تنظر إليه على أنه من خطف ابنتها وحرمها من فلذة كبدها؟
إن الحماة المسلمة العاقلة تنظر إلى صهرها نظرتها إلى ابنها، وكما أنها تريد لابنها أن يكون من أحسن الناس تريد أن يكون صهرها من أحسن الناس أيضًا.
ماذا بعد:
- على الزوجين حسن اختيار زوج الابنة، ولتنظر أين تضع كريمتك.
- اختر على أساس الدين والخلق، فإنه من زوج ابنته من فاسق فقد قطع رحمها.
- اسألوا عن المتقدِّم للزواج كثيرًا قبل الموافقة عليه.
- ولا تنسوا أن اللقاء الأول والانطباع الأول يدوم.
- اعتبري زوج ابنتكِ مثل ابنكِ.
أم عبد الرحمن محمد يوسف
- التصنيف: