د. العبدة: النظام السوري منهار من الداخل واحتمال سقوطه في أي وقت.. من المهم أن لا ينجرّ السنة في العراق لحرب أهلية
لدى زيارته مدينة الرياض كان لـ(المسلم) لقاء مع الكاتب والمفكر السوري البارز د. (محمد العبدة) الذي تحدث عن المرحلة الحالية من الثورة السورية، ورأيه في المبادرة التي قدمها الشيخ معاذ الخطيب، إضافة إلى مشاهداته للثورة السنية في العراق.
لدى زيارته مدينة الرياض كان لـ(المسلم) لقاء مع الكاتب والمفكر السوري البارز د. (محمد العبدة) الذي تحدث عن المرحلة الحالية من الثورة السورية، ورأيه في المبادرة التي قدمها الشيخ معاذ الخطيب، إضافة إلى مشاهداته للثورة السنية في العراق.
- هل ترون أن الحرب السورية دخلت حالة حرب الاستنزاف الطويلة التي تستهدف إطاحة النظام السوري بنظام النقاط وليس بالضربة القاضية؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..
بداية لا بد من الإشادة بهذه الثورة العظيمة، لأنها ثورة ليست فقط ضد ظلم وإنما ضد مشروع كبير مشروع صفوي باطني ضد أهل السنة، فمن المعروف أن هذا النظام مدعوم من قبل إيران مالاً وسلاحاً، حتى سكاناً وأفراداً، ومن روسيا كذلك والصين والثورة ليس عندها من الأسلحة المتقدمة التي تستطيع أن تخمد وتسكت نيران هذا العدو مثلاً، فطبيعي أن تطول الثورة ولا تستطيع أن تسقط النظام بسرعة، وإلا إذا كان معها أسلحة متقدمة أعتقد أنه منذ زمن كان سقط النظام، لكن حقيقة فيه انتصارات هنا وهناك..
أخذ مقرات مثلاً وحواجز، استيلاء على ذخائر وأسلحة، كل يوم فيه انتصارات، صحيح ما نقول دخلت في مرحلة النقاط لكن ممكن أن تطول، وممكن بإذن الله يسقط النظام فجأة -ربما- لكن هي هكذا الوضع لأنه ليست هناك مساعدة ومعاونة من قِبل القريب ولا البعيد، وأعني بذلك لا توجد مساعدة في قضية السلاح النوعي وإلا هناك مساعدات طبعاً من بعض الدول العربية ومن الشعوب العربية والإسلامية.
- يتردد الآن أن نظام بشار ماضٍ في التمهيد لدولة علوية بعد يأسه من استمرار حكمه لسوريا، هل تتفقون مع هذا؟
ما من شك أن الطائفة أو زعماء الطائفة قد يفكرون في هذا الموضوع، وهذا المشروع قد يكون أصلاً موجود قديماً عندهم، أي ربما يحلمون بهذا أو يفكرون في هذا، لكن على ما أظن أن هذا المشروع غير قابل للنجاح ولا يستطيعون عليه الآن والعلم عند الله، لكن أن يفكروا فيه، أكيد هناك تفكير فيه خاصة وأن تركيزهم على مدينة حمص بالذات هذا أحد الأدلة على تفكيرهم في هذا المشروع، لذا أعتقد أن المشروع لا يستطيع أن يقوم فليس له مؤهلات النجاح.
- كيف تقرؤون مبادرة الشيخ معاذ الخطيب؟
أرى أن معاذ الخطيب أخطأ للأسباب التالية:
أولاً: المبادرة هي مبادرة شخصية وهو رئيس ائتلاف، والمفروض أن أي شيء سياسي يصدر عن الائتلاف، فعندما يكون رجل مسؤول، ليس هناك شيء شخصي.
ثانياً: المبادرة ضد توصيات الثورة التي تريد إسقاط النظام وتحاربه منذ سنتين، وهي ضد ما اتفق عليه في المجلس الوطني وفي الائتلاف.
ثالثا: هي بحد ذاتها ضعيفة جداً، فمطالبها صغيرة لا ترتقي إلى الثورة وإلى الواقع الأليم والكارثي في سوريا.
- هل يمكن أن تمثل المبادرة جسراً للحل أم أنها يمكن أن تخلق فجوة كبيرة بين فصائل الثورة؟
لا أعتقد فالنظام نفسه متكبر ومتجبر، هو مستهتر حتى إنه لم يرد عليهم، فيعتبر أن هذا دليل ضعف المعارضة، فالنظام من التكبر والعتو ما يجعله لا يقبل حتى هذه المبادرة البسيطة، فهي ليست جزءاً من الحل، فالحل هو أن تصل الثورة بلا شك سياسياً عسكرياً ليس عسكرياً فقط بل عسكرياً سياسياً، ويكون الأمل بالله سبحانه وتعالى ثم يكون هناك حراك نشيط من المعارضة لتلقي الدعم من الأصدقاء والأقرباء من الدول العربية المعنية، ومن الأصدقاء لسوريا، أن يكون هناك دعم قوي بدل أن تبدي معارضة، أين النشاط لجذب المساعدة وجذب القوة لإسقاط هذا النظام، بدل من أن تكون هناك مبادرات، هذا أعتقد أنه جزء من الحل لكن المبادرة رُفضت من قِبل المجلس الوطني ومن قِبل الائتلاف نفسه يعني فلم تؤثر كثيراً.
- ما الإطار الذي يمكن بموجبه أن يحدث قلاقل بين فصائل العمل العسكري ضد نظام بشار والقوى السياسية بحيث يمثل الساسة الوضع الميداني تمثيلاً حقيقياً؟
حقيقة الأهداف: أن يكون فيه هدف مشترك للجميع، هو أحد الأشياء التي يمكن تجمع مثلاً إسقاط النظام، هذا هدف رئيسي وأساسي لأن كل شيء بعد إسقاط النظام ممكن أن يُحل ويناقش، وممكن الفصائل في الداخل والذين يؤيدونهم في الخارج، التمثيل السياسي في الخارج سيكون هناك مناقشات وحوارات، وهكذا ممكن تُحل بعض الأمور ما دام يتوقف القتل والتدمير وهذا الطغيان، فالمفروض أن يكون هناك شيء مشترك وهو قضية إسقاط النظام، ثم أكيد أن هناك وجهات نظر مختلفة بين الفصائل سواء في الخارج أو في الداخل، وأنا أعتقد أن من السهولة اجتماع هذه الفصائل ووجود مناقشات وحوارات بينها في الخارج والداخل يحل بعض، لأن النية إن شاء الله موجودة في إعمار البلد ورجوعها (إنشاء مجتمع إسلامي في سوريا، تنمية مجتمع إسلامي في سوريا)، أعتقد أنه لا يوجد مشكلة صعبة في تلاقي المعارضة السياسية مع الحراك العسكري بالداخل.
- طول مدة العمل العسكري، ألا تمنح بشار وإيران وروسيا والصين فسحة من التفكير والتخطيط لإجهاض الثورة؟
هم أخذوا هذه الفسحة حتى الآن والحمد لله الانتصارات كل يوم، رغم إمداده مثل ما ذكرنا بأسلحة حديثة من روسيا ومن إيران، ولا شك أن هذا السبب أصلاً سبب استمرار النظام، يعني لولا هذا الدعم الكبير من إيران وروسيا ما استطاع النظام أن يستمر، الحقيقة النظام أصلاً صحيح هو ظاهرياً نظام متجبر ونظام مخابرات.. إلخ، لكن في الحقيقة الجيش في الأساس معنوياته من داخله منهارة، لكن تجييش الطائفة وأنها يجب أن تقاتل عن وجودها وإعطائها السلاح الفتاك طبعاً هذا الذي أطال في عمره، وإلا لما كان يمكن أن يستمر لأن أصلاً الضباط السوريين في الفترة الأخيرة ما كانوا ضباطاً بالمعنى العسكري كانوا يعيشون رفاهية ويعيشون القصور والتهريب ويمتلكون الشواطئ، هؤلاء ضباط عسكريون؟! لكن الوضع الطائفي الذي جيَّش الطائفة ضد أهل السنة إنما هو بمساعدة إيران وروسيا.
- ثمة قلق حقيقي من أكثر من طرف سواء كانت دولاً مجاورة أو غير مجاورة أو فئات من الشعب السوري تجاه تصرفات بعض الفصائل المسلحة، لا سيما تلك التي تضم جنسيات مختلفة من خارج سوريا، كيف يمكن حل هذه المعضلة؟
أعتقد أن اتحاد الفصائل الإسلامية الكبرى في الداخل يمكن أن يكون أحد الحلول، وطبعاً اتحاد أيضاً المعارضة في الخارج مع الداخل، ولكن هناك نقطة مهمة جداً وهي: أن تكون جبهات العلماء -والآن تشكلت جبهات كثيرة من العلماء السوريين، في الخارج أيضاً جبهات العلماء- أن تكون لها موقف موحَّد من كل قضية سواء هذه القضية أو غيرها، هذا طبعاً يعطي زخماً لأن الناس يسمعون كلام العلماء، فإذا قال العلماء هذا صح وهذا خطأ وهذا يجب أن لا يكون وهذا يجب أن يكون وهكذا.. فربما يكون هذا أحد الحلول، وأعتقد أن الذين جاؤوا من الخارج ما أظن في نيتهم الاستمرار والبقاء في سوريا، لكن مشاركتهم عسكرية فقط.
- ما الذي يقلقكم أنتم شخصياً في هذه المرحلة من الثورة؟
أنا يقلقني طبعاً عدم الاتحاد الكامل أو الاتحاد الجيد القوي؛ حتى تستطيع إن شاء الله هذه الثورة في سوريا أن تسقط هذا النظام بسرعة، ويتخلص الناس من هذا الإجرام والقتل والدماء، وهدم البيوت والقرى والمدن، فهذا طبعاً ما يقلقني، ونحن نسعى طبعاً إلى الائتلاف وتوحيد القوى السياسية والعسكرية في الداخل والخارج، نسعى إلى ذلك لعله يسرع في إسقاط النظام لأن الناس يتألمون كثيراً، فيومياً هناك قتل حتى للأطفال والنساء، فبالتالي يقلقنا قضية عدم الاتحاد القوية؛ هناك تنسيق وهناك تعاون بين بعض الفصائل لا شك في ذلك، لكن أنا أقصد أقوى من ذلك يكون فيه نوع من الاتحاد القوي الذي هو من أسباب النصر، طبعاً الوحدة والاتحاد من أسباب النصر ومن سنن الله الكونية والشرعية أن الاتحاد وصفاء النية يسرّع بالنصر، فهذا أكثر ما يقلق طبعاً..
بدأ في الداخل التعليم وبدأت المدارس وفيه إقبال من الناس على الدين وعلى تعلمه، حتى في هذه المرحلة في المناطق المحررة، وبدأت مدارس للأطفال وهناك دروس دينية ودورات شرعية، لسنا قلقين على قضايا الشعب إن شاء الله وفيه خير كثير وميل للتدين وقبول للمشايخ والعلماء والدروس الدينية، لكن المشكلة في التفرق.
- بالنظر إلى كون معظم المقاومين وقادة الفصائل المقاتلة في سوريا من الشباب، هل فكرتم في تقديم رؤى معمقة ونصائح دقيقة من خلال لجنة حكماء تضم عدداً من شيوخ الحركة الإسلامية من كافة الاتجاهات والمشارب؟
طبعاً هذه الفكرة -فكرة الحكماء- تقدم مشورة ونصيحة نسمع لها، على الأقل هي فكرة جيدة لا شك في ذلك، لكن على حسب علمي لم تشكل في سوريا حتى الآن لجنة من هذا النوع، أما على شكل جماعي أو فردي أن يكون هناك نصائح للثورة والثوار في الداخل: هذا حصل طبعاً. يعني لقاءات كثيرة مع الشباب في الداخل وتوجيههم إلى الأفضل والأحسن في كل قضية من القضايا، هذا حاصل من عدة جهات وعدد من الدعاة والعلماء، لكن الفكرة الأساسية التي تقول عنها ما سمعت عنها، وهذا الذي يجب أن يكون أن يشكل الإسلاميون لجنة من الحكماء والعلماء الذين يُسمَع لهم، وبالتالي يطرحون قضايا مناسبة وحل مشاكل معينة، أما النصح فقد مارسناه مع الإخوة في الداخل.
- بالنسبة للثورات العربية عموماً لماذا نراها تتراجع الآن؟ حتى في سوريا تبدو بطيئة نوعاً ما في فعلها التحرري، هل هناك ممانعة دولة وإقليمية متنامية؟
أما أن هناك ممانعة فلا شك في ذلك إقليمية ودولية، الغرب لا يريد أن تنتصر هذه الثورة في سوريا لأن هذه الثورة يغلب عليها الطابع الإسلامي، ولا يريد أن تنتصر، نعم قد تكون بعض دول الغرب تريد إسقاط بشار كطاغية وكظالم ومجرم، ولكن لا يريدون الثورة أن تنتصر فتمسك البلد، فهناك ممانعة لا شك في ذلك من الغرب وبعض الدول المجاورة، وبالتالي لم يقدموا المساعدة الكافية كما قلت خاصة في الأسلحة النوعية التي تسرع في إسقاط النظام، وتنهي هذا الإجرام وهذا النظام وتريح الشعب السوري من القتل والقتال، هذا طبيعي.
أما الثورة بالعكس الثورة تزداد قوتها كقتال ومقاومة للنظام، أما الثورات العربية فلا شك هناك أخطاء تحصل هذا طبيعي والشعوب التي عاشت ثلاثين سنة وأربعين سنة تحت الظلم والطغيان وتعودت على السكوت ثم تأتي الحرية للناس فجأة! بعض الناس يظن أن هذه الحرية أن يحل له أن يعمل ما يشاء، حتى لو أن يخرب مثل ما يفعل بعض الشباب في مصر -الذين يخربون مثلاً- ماذا يستفيدون ماذا هم يظنون أن الحرية تتيح لهم أن يشتموا الرئيس ويسبوا الرئيس مثلاً؟ يظنون أن هذه من الحرية؟ ليست هذه من الحرية وكانوا قبل ذلك ما يتجرؤون على فعل أي شيء.
إذًا هناك فهم خطأ في الحرية، هناك أيضاً أخطاء من قبل الحكومات التي جاءت بعد الثورة سواء في تونس أو في مصر مثلاً لكن يغلب على ظن الإنسان أن الأمور يمكن أن تصحح مع الزمن مثل مصر مثلاً يمكن تصحح الأمور، أو يجب أن تصحح حقيقة، شيئاً فشيئاً تستوعب الأخطاء والمشاكل وتوجد الحلول لها حتى تستقر على شيء، صحيح فيجب أن لا تكون هذه الثورة مجال لليأس وبعض الناس ربما بعض الناس اليائسين أو بعض الناس الذين يريدون حلاً للمشاكل كل المشاكل في يوم واحد بدأوا يقولون لا فائدة من الثورات، وهذا طبعاً غير صحيح لأن فرقاً كبيراً جداً بين الطغيان والظلم وبين أن تكون هناك حرية ولكن أحياناً نراها بفهم خطأ.
- كيف تشاهدون مظاهرات العراق وأي مستقبل ترونه لهذا البلد؟
لا شك طبعا أن أهل السنة في العراق مهمشين بطريقة مفضوحة ومكشوفة من قبل المالكي وأمثاله، وبطريقة فيها إساءة وظلم كبير لأهل السنة، والمشكلة أن البعض يظن أن السنة العرب الذين قاموا الآن بمظاهرات هم ليسوا إلا أقلية، يعني يظنون أن الشيعة هم الأكثرية وهذا غلط كبير تمارسه الصحف فمثلاً الأكراد بشكل عام هم أيضاً سنة، نسبة السنة في العراق نفسها عالية على الأقل 60%، والعرب السنة حوالي 40% إذًا ما بقي للشيعة 40% أو 39% ومع ذلك هم مهمشون سياسياً، بالطبع حصلت منهم أخطاء في السابق، لكن الآن شعروا أنهم كسروا الحاجز وشعروا -وهذا شيء جيد في حد ذاته- أن يجتمع المشايخ وعلماء الدين ورؤساء القبائل والناس في الأنباء وغيرها والموصل ليطالبوا بحقوقهم، وبإزالة قوانين ظالمة ومجرمة يتخذها المالكي وأمثاله ذريعة لضرب أهل السنة..
فمجرد أن أهل السنة يشعرون أنه طفح الكيل ولا بد أن يطالبوا بحقوقهم، وأن يزاح من كابوس قوانين المالكي هذا في حد ذاته جيد، ولكن هل يستطيعون الاستمرار بطريقة لا تؤدي إلى حرب أهلية هذا إن شاء الله ما نأمله، لأن هذا ربما ما يريده المالكي والشيعة، أي حرب أهلية مع الشيعة لأن الشيعة معهم السلاح والدولة معهم وإلى آخره، وكذلك القيادات هل يستطيعون فعلاً أن يقودوا هذه الجماهير بذكاء إلى أن يصلوا إلى إزالة الظلم؟ هذا ما أتمناه، وسمعت بظاهرة إيجابية أن الشباب بدؤوا من خلال المظاهرات يتبعوا قيادات شابة وهذا شيء وإن كنا لا نعرفهم لكن ظاهرة جيدة أن يبدأ الشباب بقيادة العمل السياسي كشباب أهل السنة يطالبون بحقوقهم.
أستطيع القول أني متفائل بمجرد أن أهل السنة في العراق يقومون بمظاهرات فهذا بحد ذاته تفاؤل.
جزاكم الله خيراً.
- التصنيف:
- المصدر: