الدوّامة

منذ 2013-03-29

بعد سقوط الطاغية تصور المصريون الشرفاء أن الحلم المستحيل قد تجسد على أرض الواقع وأن ذهاب الطاغية وأقرب معاونيه يعني نهاية سعيدة لفيلم طويل من المعاناة والحياة بلا أمل، ثم تبين لاحقًا أن رحيل الطاغية كان هو المشهد الأسهل في عمل دراماتيكي مثير.


الحمد لله رب العالمين وأشهد ألا إله إلا وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أما بعد،

فمن المتيقن الآن وبعد انجلاء غبار مرحلة من مراحل الصراع بما يسمح برؤية جزء من الماضي، أقول من المتيقن أنه ثبت أن المصريين كانوا في منتهى البراءة والسذاجة حين تصوروا أن قيام ثورة وتنحي طاغية يعني في اليوم التالي أو في الأسبوع التالي أو حتى في العام التالي أن الأحلام صارت قيد التنفيذ. كانت سذاجة تاريخية وبراءة تفوق براءة الأطفال.

بعد سقوط الطاغية تصور المصريون الشرفاء أن الحلم المستحيل قد تجسد على أرض الواقع وأن ذهاب الطاغية وأقرب معاونيه يعني نهاية سعيدة لفيلم طويل من المعاناة والحياة بلا أمل، ثم تبين لاحقًا أن رحيل الطاغية كان هو المشهد الأسهل في عمل دراماتيكي مثير. رحل الطاغية شكليًا، غاب عن صدارة المشهد وهو وبعض معاونيه، لكن النظام العالمي الذي استنبته والدولة العميقة التي رباها على عينه، بقيت بكل قسوتها وشرها وضراوتها، بقيت بكل حساباتها المعقدة ومصالحها التي تقتل لأجلها بلا رحمة.

تم إعادة ترتيب المسرح، وإعادة توزيع الأدوار، وقعت وقائع كثيرة وغريبة ومريبة، كانت ساعتها ولفرط تلاحقها ربما غير مفهومة أو غير مبررة، اليوم وبعد سنتين تقريبًا فإن إعادة تأمل هذا المشهد الصاخب تكشف بجلاء عن أن خصوم الخارج وعملاء الداخل سعوا لهدف واحد هو الدفع بمصر ما بعد الثورة إلى قلب الدوامة ماداموا لم يتمكنوا من منع الثورة فليستثمروها  إذن لإعادة إنتاج ما يحفظ مصالحهم.

كانوا يعرفون هدفهم بدقة، لديهم خبرات سابقة مع ثورات أخرى في مناطق مختلفة من العالم، معهم إمكانات بلا حدود وجيش من الخونة والمرتزقة بل ومن الشرفاء السذج أحيانًا، استغلوا براءة اللحظة وارتباك المشهد وضبابية السكة ليدخلوا البلد في قلب الدوامة.

في قلب الدوامة ينخفض سقف الحلم، ويتراجع مستوى الرؤية، ويصاب الجميع بالدوار، ويحرص كل واحد فقط على نجاته.
في قلب الدوامة تزداد الأنا وتقل القدرة على الإنصات للآخرين ويصبح التخوين سلوكًا طبيعيًا ويغيب صوت العقل إلا قليلًا.
في الدوامة لا يمكن للفرد أن ينجو وحده مهما بلغت قوته، إما ينجو الجميع أو يهلكون

ومع ذلك، ليس كل من دخل الدوامة ابتلعته، ولكل من شارف على الهلكة هلك. يبقى هناك أمل، تبقى هناك فرصة للنجاة ولو ضئيلة، بشرط توفر الإرادة الجماعية والقدرة على طي صفحة التخوين وفقدان الثقة. نحتاج إلى صوت جهوري يجبر الجميع على الصمت، صوت جهوري محل ثقة من الكل، صوت جهوري عنده حكمة وبصيرة، فمن يا ترى يصرخ فينا لننجو؟
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

خالد الشافعي

داعية مصري سلفي

  • 2
  • 0
  • 1,568

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً