التيار الحداثي الشيعي الجديد ووجوب التصدي له

منذ 2013-04-05

فمنذ أنزل الله القرآن الكريم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وله أعداء يطعنون فيه، ويشككون في صحة النبوة والرسالة سواء في زمن الرسول أو بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وكان من أوائل الفرق التي أظهرت الدفاع عن الدين وطعنت فيه هي الخوارج، وجاء من بعدها فرق أخرى كالجهمية، والمعتزلة، والمرجئة، والباطنية، واندثرت كثير من هذه الفرق أو قل عدد معتنقي أفكارها، لكن أفكارهم بقيت بين جنبات الكتب، وفي فكر كثير من الناس، وخاصة الباطنية، والمعتزلة، وغيرهما، وبعد انهيار منظومة الفكر الماركسي بدل كثير من المسلمين ممن ينتمون إلى الفكر الماركسي اتجاههم، وظهروا في ثوب جديد ضد الإسلام، وسموا أنفسهم بـ(اليسار الإسلامي)


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد؛ فمنذ أنزل الله القرآن الكريم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وله أعداء يطعنون فيه، ويشككون في صحة النبوة والرسالة سواء في زمن الرسول أو بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وكان من أوائل الفرق التي أظهرت الدفاع عن الدين وطعنت فيه هي الخوارج، وجاء من بعدها فرق أخرى كالجهمية، والمعتزلة، والمرجئة، والباطنية، واندثرت كثير من هذه الفرق أو قل عدد معتنقي أفكارها، لكن أفكارهم بقيت بين جنبات الكتب، وفي فكر كثير من الناس، وخاصة الباطنية، والمعتزلة، وغيرهما، وبعد انهيار منظومة الفكر الماركسي بدل كثير من المسلمين ممن ينتمون إلى الفكر الماركسي اتجاههم، وظهروا في ثوب جديد ضد الإسلام، وسموا أنفسهم بـ(اليسار الإسلامي)، وأول من أطلق هذا المصطلح هو حسن حنفي في مقالته الافتتاحية لمجلة اليسار الإسلامي (1)، في عام 1981 (2)، ثم عادوا فسموا أنفسهم بالتيار الحداثي.

وانقسم هذا التيار إلى تيار شيعي في إيران، وتيار سني في العالم العربي، ومع ذلك ما كان التيار العربي هذا سنيا، وما كان التيار الإيراني شيعيا، وكل واحد من التيارين له تفسير مادي للتاريخ الإسلامي، فظهرت على التيار العربي تأثيرات المعتزلة، فاهتموا بالعقل وسموا أنفسهم بالعقلانيين، والبعض سماهم بالمعتزلة الجدد، وظهرت على التيار الإيراني تأثيرات الفرق الباطنية، وأراد كل من التيارين أن يثبتا أن كل ما وقع في العالم الإسلامي من أحداث له دافع مادي، ثم بعد ذلك التفسير اخترعوا من عند أنفسهم مصطلحا جديدا في الآونة الأخيرة، وهو: (أنسنة النص القرآني)، وظهر التيار الشيعي في بداية الثمانيات بشكل واسع وبدأ أصحابه بنشر أفكارهم بلغتهم الفارسية خاصة في إيران والعراق وأوروبا، ثم ترجمت معظم كتبهم إلى العربية والكردية، ولهم خطر على الشباب المسلم السني، وفي هذه المقالة لن أتطرق لنقض أفكارهم، بل سأعرض أفكارهم ليتنبه لهم المثقفون المسلمون وليقفوا أمامهم.

وللتيار الحداثي الشيعي خطر كبير على فكر الشباب المسلم لأنهم يثيرون شبهات خطيرة حول النبوة والقرآن، وعرضوا أفكارهم بخدعة أن بدأوا كتبهم ومقالاتهم بآيات من القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، بينما يقدسون العقل والعرفان والتصوف الفلسفي المستمد من كتب المتصوفة، مثلً جلال الدين الرومي، كما فعل كل من الدكتور عبد الكريم سروش، والدكتور محمد مجتهد شبستري، وكتب شبستري مقالته حول (أنسنة القرآن) في خمس عشرة صفحة استشهد بأكثر من مئة آية، مع أنه في مضمون المقال منطوقاً ومفهوماً ينكر نبوة الرسول، ويريد أن يثبت أن النبوة من التجربة الروحية للنبِي، وهذا خطر عظيم على فكر الشباب المسلم، خصوصا الذين ليس لهم علم بالقرآن والسنة، لذا يجب على المفكرين والعلماء المسلمين نقض آرائهم وفكرهم بالأدلة النقلية، والعقلية ونشرها بين هؤلاء الشباب. ورغم تعدد مصادر أفكارهم إلا أنهم في النهاية النتيجة واحدة، وهي تعدد الحقيقة، وأنسنة القرآن، ومن أهم المصادر التي يستقون فكرهم منها هي المصادر الشيعية، والتصوف الفلسفي، والفلسفات الأخرى، وتراث المعتزلة.

ومن أهم آرائهم: إنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وخير دليل على ذلك كتاباتهم، وقد كتب الدكتور عبد الكريم سروش وهو أخطر زعماء هذا التيار وله كتب كثيرة وله تأثير كبير عليهم. وله كتابان في هذا الباب، وهما: (الصراطات المستقيمة، وبسط التجربة النبوية) ملأهما بنصوص لنقض النبوة، ويثير دائما في كتاباته سؤالا وهو: هل النبوة من الله تعالى أرسلها إلى النبِي صلى الله عليه وسلم، أم من عند نفسه؟ وفي كتابه (بسط التجربة النبوية) يقول: "هنا يثار هذا السؤال: هل يستطيع كل شخص أن يكون رسولاً؟ في الواقع ينبغي الإذعان إلى هذه الحقيقة، وهي أنّ كل شخص بإمكانه أن يكون نبيّاً لنفسه ويعيش حالات خاصة من خلال ما يجده من مكاشفات وذوقيات، ولكن المجتمع الديني الإسلامي سيتصدى لمثل هؤلاء الأفراد فيما لو أعلنوا نبوتهم من موقع القساوة والشدّة والخصومة، وفي الحقيقة أنّ النبي عندما قال: «لا نبي بعدي» (صحيح البخاري:3455) (3)، ثم في نفس الصفحة يقول: "كأن النبِي قاله بلسان التهديد، يقول: فإنّه قد أمر أتباعه بإيصاد وغلق هذا الباب وأن لا يعتنوا ويؤذوا من يدعي هذا الادعاء، وبالنسبة للأشخاص الذين يعيشون هذا الإحساس ويجدون في أنفسهم مثل هذه الحالات الروحانية عليهم أن يكتموا هذا الشعور ولا يظهروا هذه الحالات للناس، فربّما يجد الإنسان أحياناً حالة معنوية خاصة بينه وبين الله ويشعر أنّه مكلّف بمهمّة معينة من قبل الله، فلا يجب عليه العمل بهذا الدين أو بتعاليم ذلك المذهب"، ثم يقول: "وأنا أشعر بأنّ بعض العظماء، مثل (شمس التبريزي) كانت لهم مثل هذه الحالات ولكنّهم لم يدعوا إطلاقا أنّهم أنبياء أو أنّ لهم شريعة خاصة وأحكاماً خاصة، ويستشهد ببيتين من أحد الذين حاد عن الدين الحق وتبع أهواه". وفي نفس الكتاب يشبه نزول الوحي بحالة شاعر، ويقول: "هذه الظاهرة طبيعية جدّاً، ومرّة أخرى يعود لمثال العالِم، فالعالِم يصاب أحياناً بفترة وربّما لا يخطر على ذهنه شيء لمدّة من الزمان. ومن الممكن أن يبقى في مرحلة (انكوباسون) لتنضج معارفه وأفكاره أكثر، ويرى أن الوحي على أيّة حال، وعلى أية قراءة كان، فله بعدان: بعد قابلي، وبعد فاعلي. ويكفي أن لا يكون البعد القابلي مستعداً لفترة من الزمان ولذلك ينقطع الوحي عندها، وعلى حدّ تعبير المولوي..

- لقد تأخر هذا المثنوي مدّة من الزمان.
- هذه بمثابة مهلة لتحول الدم إلى لبن.
وبالإمكان فهم فترة الوحي عنده على أساس تفسيرين، أحدهما: أنّ ملك الوحي لم ينزل عليه في هذه الفترة، أو أنّ شخصية النبي لم يتحقق فيها الغليان (التفسير الفاعلي)، والآخر: أنّ النبي في هذه الفترة لم يكن مستعداً لتقبل ملك الوحي (التفسير القابلي)" (4).

وصرح أيضا في مقابلة حول الوحي يقول: "الوحي هو الإلهام وهو نفس التجربة التي يخضع لها الشعراء والمتصوفة. الاختلاف هو أن الأنبياء يقفون فيه في مستوى أعلى"، ويقول: "وفي عصرنا الحديث يمكننا فهم الوحي على الأرجح عن طريق مقارنتنا إياه مع الشعر. وقد قال فيلسوف مسلم ذات مرة أن الوحي شعر من نوع أسمى. فهو مصدر للمعرفة يعمل بشكل يختلف عن الفلسفة أو العلم؛ يشعر الشاعر أنه يتلقى الزاد من مصدر خارجي عنه. يشعر أنه يتلقى شيئا ما، فالشعر، مثل الوحي، موهبة، قد يفتح الشاعر آفاقا جديدة ويجعل الناس ينظرون إلى العالم بطريقة مختلفة" (5).

وحول تعدد الحقيقة الدينية، فله حوار مع محسن كَدِيوَر يريد فيه أن يثبت تعدد الحقيقة، ويستدل بأبيات للشاعر الصوفي جلال الدين الرومي (6)، ويعتمد في تفكيره على الفيلسوف البريطاني جون هيك، وفي كتابه: (الصراطات المستقيمة) يذكر: "وقد ذكر المولوي في ديوانه (المثنوي) مفردة (منظر) كثيراً، والمنظر هو ما نصطلح عليه بالرؤية والنظرية، ويتحدث المولوي في أحد المواضع من أشعاره عن اختلاف المنظر بشجاعة وبصراحة فائقة ويقول:

 

من خلال المنـــظر يا عقل الموجـود *** يختلـــف المؤمن والمجوسي واليـهود


فهنا يذكر المولوي ثلاثة أديان: الإسلام والمجوسية واليهودية، ومقصوده من المؤمن هو المسلم. فيقول: "إن اختلاف هذه الأديان لا يعد اختلافاً في دائرة الحق والباطل بل اختلافاً في المنظر والرؤية فقط، وليست هذه الرؤية تقتصر على الأتباع فقط بل تشمل رؤية الأنبياء، فالحقيقة واحدة ولكنّ هؤلاء الأنبياء الثلاثة ينظرون إليها من ثلاث زوايا، أو يقال بتجلي الحقيقة لهؤلاء الأنبياء الثلاثة على ثلاثة أنحاء ومن خلال ثلاثة نوافذ، ولهذا قدموا لنا ثلاثة أديان، وعلى هذا الأساس فإن السرّ في اختلاف الأديان لا يكمن في اختلاف الظروف الاجتماعية أو التحريف الذي طرأ على الأديان واستلزم ظهور دين آخر، بل بسبب التجليات المختلفة لله تعالى في عالم الوجود، فكما أن عالم التكوين متنوع فكذلك عالم التشريع متنوع أيضاً" (7)، وقد أثر عليه فكر المستشرق الإنجليزي إميل درمرهنجام، ويظهر أثر فكره على كتابات عبد الكريم بوضوح (8).

وللدكتور محمد مجتهد شبستري كتابة بعنوان (قراءة بشرية للدين) وقد صرح شبستري في إحدى بحوثه نشرت في مجلة إيرانية، وبعد نشره أغلقت السلطات الإيرانية المجلة، صرح بأن القرآن وضع من عند النبي صلى الله عليه وسلم (9)، ويصف حاكمية الله بالإشكال للإنسان في تدبير أموره وتقرير مصيره (10)، ويصرح مصطفى ملكيان في مقابلة أن التعبد ضد العقلانية، قال: "إن الثقافة ضد التعبد، ولا يمكن للرجل العقلاني أن يؤدي الشعائر الدينية، لأنه لا يمكن في آن واحد لرجل متدين ومتمسك بدينه من جهة، ومن جهة أخرى عقلاني أن يتحد فكره لأن العقلاني يقتضي أن يعرض كل شيء بالدليل والبرهان، فلهذا مستحيل أن يجمع الرجل بين التعبد والعقلانية، ولذا فإن مشروع الثقافة الدينية، يستحيل أن يكون مشروعا ثقافيا عقليا، ويعرض بدلا لتمن ذلك أن يكون بنيويا، ويأخذ فكرة البنيويين، مثل: رينيه جينو، وفريتيوف شوان، ومارتين لينجز، وسيد حسين نصر"، ويصرح ملكيان بأن السلفيين يؤمنون بالتعددية الدينية، فيقول: "كافة السلفيين يؤمنون بالتعددية الدينية، لكننا نعلم أن التعددية الدينية صياغات متفاوتة، وكل من يؤمن بالتعددية الدينية، إنما يؤمن بإحدى صياغاتها وقراءاتها، والقراءة التي يؤمن بها السلفيون للتعددية الدينية قراءة خاصة"، ولكن لم يحدد القراءة التي يؤمن بها السلفيين أي قراءة؟ وهذا سؤال تركه ملكيان بدون إجابة.
وإذ نظر القارئ إلى كتابات هؤلاء -أصحاب الفكر الحداثي الشيعي- يرى عشرات الأسئلة بدون جواب.



(1) ينظر: مجلة اليسار الإسلامي العدد الأول.
(2) اليسار الإسلامى: مذاهبه ومفاهيمه والمواقف المتعددة منه: د. صبري محمد خليل خيري.
(3) بسط التجربة النبوية (ص148)
(4) بسط التجربة النبوية (ص 256)
(6) تعدد الأديان حواربين محسن كديور وعبدالكريم السروش (ص 45).
(7) الصراطات المستقيمة ص23-24.
(8) كامل محمود: منظور دكتور عبدالكريم سروش و درمرهنجام
(9) قراة النبوية للعالم مجلة ههژان عدد 21 صفحة414، وكتاب التدين العقلاني صفحة: (35).
(10) قراءة بشرية للدين (ص255).
 

إسماعيل طه

المصدر: نور الإسلام
  • 4
  • 3
  • 6,063

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً