أبوة جميلة لوطن جميل
وينشأ ناشئ الفتيان فينا *** على ما كان عوده أبوه هل ما زالت هذه النظرية صالحة لهذا الزمان!!
وينشأ ناشئ الفتيان فينا *** على ما كان عوده أبوه
سواء أكانت عادات حسنة أم عادات سيئة.
نظرية قديمة ظلت راسخة في الأذهان وفي ثقافتنا التربوية لقرون، حين كان الأب هو القدوة الأولى للابن، يسير على خطاه، ويقلده في كثير من عاداته، ويتمثل قيمه في سلوكياته وتوجهاته، وقلة من الأوائل من شذ عن هذه القاعدة التربوية الأصيلة.
وجاء زمن التقنيات والإلكترونيات والفضاء المفتوح، وضعف المروءة، وحدثت الفجوة بين الأجيال حيث: "أضحى الأبناء ينظرون لآبائهم كديناصورات محنطة"! حسب تعبير (د. إبراهيم الخليفي). وبرغم هذا التحول الكبير في نظرة الأبناء للآباء، نرى أن الكثير من الآباء لم يدرك بعد حجم التغير الطارئ في التركيبة النفسية للجيل الجديد، وطفرة التقنية، وتعدد وتجدد وسائل وجهات التوجيه، وأثر ذلك في تغير نوعية العلاقة بين الأجيال، بل وما زال العديد منهم يعتقد بأنه في نظر ولده الأسوة الحسنة، والقدوة المثلى، وتتعقد القضية حينما يقع الأب في الكثير من الزلل أمام ولده، ظاناً بأنه لن يبلغ بذكائه مبلغ كشف مستور وخبايا والده، فيصبح الأب أمام ولده كنعامة تدس رأسها في التراب ظانة بأن لا أحد يراها!
بينما الواقع يشرح بوضوح مدى تعمق الفجوة بين الوالد وولده، ومن هنا لا يستغرب أن نسمع عن تفشي مسلك العقوق من الأبناء تجاه آبائهم، فهم يرونهم أقل فهما لمستجدات العصر منهم، وأقل تمسكاً بقيم الفضيلة القديمة التي يتشدقون بها أمام أبنائهم.
وهكذا سقطت القدوة الأولى من عيني الولد، وسقوط القدوة من عين الولد يسبب له اعوجاجاً في السلوك، وتردي في الخلق، واهتزازاً في الشخصية، وخلل في التفكير، والحكم على الأمور، فحدوث ذلك يمثل صدمة كبرى للولد، وكثير من الناشئة يفقدون توازنهم العاطفي والعقلي تماماً عند اكتشاف بعض أخطاء آبائهم، وأول من يتجرع غصص ذلك هما الوالدان، حيث يتسم سلوك الولد معهم بالرفض والتمرد والعدوانية، وتتولد لديه نزعة قوية للانتقام من والديه والمجتمع ككل؛ لأنه يحيا صراعاً نفسياً شديداً، فهو ممزق بين واجب البر وعاطفة البنوة، وبين الرغبة في معاقبة المتسب في هذا الزلزال الذي حطم وجدانه، وسرق أماله، حين سقط وتهاوى في وجدانه من ظنه قدوته لزمن، وتصرف بعكس ما كان يتوقعه منه! فتسقط بسقوطه سلسلة من قيم الخير والحب والفضيلة في وجدان الولد وقد ينقلب 180 درجة نحو السلوك السلبي المفاجئ للجميع وقد ينحرف تماماً.
ومن هنا وجب تنبيه الوالد: لا تنصب نفسك قدوة لأبنائك، وتصرف بشجاعة كافية منذ البدء لتفهمهم بأنك مثل كل البشر تصيب وتخطئ، تحسن وتسيء، أخبرهم بأن القيم الجميلة التي تتمنى تنشئتهم عليها وتسعى لغرسها في وجدانهم هي التي ربما عجزت عن بعضها بسبب أنك لم تتلق الاهتمام الكافي من ذويك، أو بسبب ضعف مستواك التعليمي، أو لأن أحداً لم يعلمك إياها مبكراً، وأنك تجاهد بالفعل لتصل لدرجة متقدمة من الكمال، ولأنك تحبهم فأنت تريد أن تختصر الطريق الطويل لهم، وتسعى لتجنيبهم معاناة اكتسابها في كبرهم؛ لأن اكتسابها في الصغر أسهل بكثير.
ثم احمل مسؤولية أبوتك، تخلى عن أهوائك ورغباتك وهفواتك التي ربما صارت عادة ملازمة لك من أجل أبنائك، الأبوة تضحية، والثمرة التي ستقطفها بعد زمن في أوان كبرك من حب ولدك واحترامه وتقديره لك والقيام بواجباته تجاهك وقت عوزك وهرمك: هي ثمرة تستحق بذل الجهد الكبير منك في شبابك؛ لتترقى فتصبح أهلاً لمرتبة الأبوة العظيمة، كن ذكياً وأعد في زمن قوتك سنداً ومعيناً لك في أوان ضعفك، ثم استحضر بأنك تصوغ مستقبل الأمة بصياغتك لشخصيات أبنائك، وتصنع المستقبل الجميل لليمن والذي نرجوه جميعاً.
نبيلة الوليدي
- التصنيف:
- المصدر: