أسباب زياد ة الإيمان: التفكُّر

منذ 2013-04-22

إن من أعظم أسباب زيادة الإيمان التفكُّر في مخلوقات الله تعالى وآياته الباهرات التي تدل على عظمته ووحدانيته سبحانه وتعالى..

 


إن من أعظم أسباب زيادة الإيمان التفكُّر في مخلوقات الله تعالى وآياته الباهرات التي تدل على عظمته ووحدانيته سبحانه وتعالى، فقد سماها الله آيات، يعني: علامات ودلالات تدل على عظمة الخالق، وعلى كمال قدرته، وذلك في مثل قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [فُصلّت:من الآية 37] يعني: من الآيات التي نصبها دليلاً على عظمته.

وقوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُون} [النحل:12]. وقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ . وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ . وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ . وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الروم:21-24].

وقد دعا الله عز وجل عباده للتفكر في هذه الآيات التي أودعها كونه الواسع: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ} [الروم:8].

{أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:185].

ونحو ذلك من الآيات القرآنية التي تحث العباد على التفكر في آيات الله تعالى ومخلوقاته. وأقرب شيء إلى الإنسان نفسه، لو تفكّر فيها لرأى فيها الآيات والعجائب، كما قال الله تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21].

فمن توهم أن الله خلق السماوات مع عظمها وارتفاعها وخلق الأرض لعباً بدون أن يكون لذلك حكمة، فإنه بذلك قد ظن السوء، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ}[ص:27].

قال الغزالي رحمه الله تعالى: "كثر الحث في كتاب الله تعالى على التدبُّر والاعتبار والنظر والافتكار، ولا يخفى أن الفكر هو مفتاح الأنوار ومبدأ الاستبصار، وهو شبكة العلوم ومصيدة المعارف والفهوم، وأكثر الناس قد عرفوا فضله ورتبته ولكن جهلوا حقيقته وثمرته ومصدره".

وصدق سفيان بن عيينة رحمه الله إذ قال:

إذا المرء كانت له فكرة *** ففي كل شيء له عبرة

التفكُّر أصل الخير:
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
"أصل الخير والشر من قبل التفكر؛ فإن مبدأ الإرادة والطلب في الزهد والترك والحب والبغض، وأنفع الفكر: الفكر في مصالح المعاد وفي طرق اجتلابها وفي دفع مفاسد المعاد وفي طرق اجتنابها... ورأس -هذا- القسم الفكر في آلاء الله ونعمه وأمره ونهيه وطرق العلم به وبأسمائه وصفاته من كتابه وسنة نبيه وما والاهما، وهذا الفكر يثمر لصاحبه المحبة والمعرفة، فإذا فكر في الآخرة وشرفها ودوامها، وفي الدنيا وخستها وفنائها أثمر له ذلك الرغبة في الآخرة والزهد في الدنيا، وكلما فكر في قصر الأمل وضيق الوقت أورثه ذلك الجد والاجتهاد وبذل الوسع في اغتنام الوقت. وهذه تُعلِّي همته وتحييها بعد موتها وسفولها وتجعله في وادٍ والناس في وادٍ. وبإزاء هذه الأفكار الأفكار الرديئة التي تجول في قلوب أكثر الخلق. كالفكر فيما لم يكلف الفكر فيه، ولا أعطي الإحاطة به من فضول العلم الذي لا ينفع، كالفكر في كيفية ذات الربِّ مما لا سبيل للعقول إلى إدراكه".

الرسول صلى الله عليه وسلم يُطيل التفكُّر:
لما سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن أعجب شيء رأته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: "لما كانت ليلة من الليالي قال: «يا عائشة ذريني أتعبد لربي»، قلتُ: والله إني لأحب قربك وأحب ما سرّك. قالت: فقام فتطهر ثم قام يصلي فلم يزل يبكي حتى بل لحيته، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي قال: يارسول الله لِمَ تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبداً شكوراً، لقد نزلت علي الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها» {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}[آل عمران:من الآية 190]" (رواه ابن حبان وغيره / صحيح الترغيب للأ?باني (1468)).


وهذه أقوال الصالحين وأفعالهم:
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: "الفكرة في نعم الله عز وجل من أعظم العبادة".

وقد بكى يوما بين أصحابه فسئل عن ذلك فقال: "فكرتُ في الدنيا ولذاتها وشهواتها فاعتبرتُ منها بها، ما تكاد شهواتها تنقضي حتى تكدرها مرارتها، ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر إن فيها مواعظ لمن ادَّكر".

وعن عامر بن قيس قال: "سمعتُ غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون: إن ضياء الإيمان أو نور الإيمان التفكُّر".

وقال الحسن رحمه الله تعالى: "تفكُّر ساعة خير من قيام ليلة".

وعن عبد الله بن عتبة قال: "سألتُ أم الدرداء: ما كان أفضل عبادة أبي الدرداء؟ قالت: التفكُّر والاعتبار".

ذكر الغزالي رحمه الله في الإحياء: "أن لقمان كان يُطيل الجلوس وحده، فكان يمر به مولاه فيقول: يا لقمان، إنك تديم الجلوس وحدك فلو جلستَ مع الناس كان آنس لك فيقول لقمان: إن طول الوحدة أفهم للفكر، وطول الفكر دليل على طريق الجنة".

وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: "ركعتان مقتصدتان في تفكُّر خير من قيام ليلة بلا قلب".

وكتب الحسن رحمه الله تعالى إلى عمر بن عبد العزيز يقول: "اعلم أن التفكُّر يدعو إلى الخير والعمل به، والندم على الشر يدعو إلى تركه، وليس ما فنيَ وإن كان كثيراً يعدل ما بقي وإن كان طلبه عزيزاً، واحتمال المؤونة المنقطعة التي تعقب الراحة الطويلة خير من تعجيل راحة منقطعة تعقب مؤونة باقية".

وقال وهب بن مُنبّه: "ما طالت فكرة امرىء قط إلا علم، وما علم امروء قط إلا عمل".

وقال الشافعي رحمه الله تعالى: "استعينوا على الكلام بالصمت وعلى الاستنباط بالفكر". وقال: "صحة النظر في الأمور نجاة من الغرور، والعزم في الرأي سلامة من التفريط والندم، والرؤية والفكر يكشفان عن الحزم والفطنة، ومشاورة الحكماء ثبات في النفس، وقوة في البصيرة، ففكِّر قبل أن تعزم، وتدبّر قبل أن تهجم، وشاور قبل أن تُقدم".

وورد عن الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى أنه قال: "الفكر مرآة تريك حسناتك وسيئاتك".

وقال أبو سليمان رحمه الله: "عودوا أعينكم البكاء وقلوبكم التفكُّر".

ونختم حديثنا عن التفكر كسبب من أسباب زيادة الإيمان بقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "أنفع الدواء أن تشغل قلبك بالفكر فيما يعنيك دون ما لا يعنيك، فالفكر فيما لا يعني باب كل شر، ومن فكر فيما لا يعنيه فاته ما يعنيه واشتغل عن أنفع الأشياء له بما لا منفعة له فيه، فالفكر والخواطر والإرادة والهمة أحق شيء بإصلاحه من نفسك؛ فإن هذه خاصتك وحقيقتك التي لا تبتعد ولا تقترب من إلهك ومعبودك الذي لا سعادة لك إلا في قربه ورضاه عنك إلا بها، وكل الشقاء في بعدك عنه وسخطه عليك، ومن كان في خواطره ومجالات فكره دنيئاً خسيساً لم يكن في سائر أمره إلا كذلك".

نسأل الله الكريم من فضله، والحمد لله ربِّ العالمين.

 
  • 10
  • 0
  • 13,220

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً