قضاء مصر الشامخ!!
منذ 2013-05-20
كم فيك يا بلادي من شعارات رنانة وأنتِ في ذيل الأمم، لكن الجديد والمضحك في الموضوع شعار: قضاء مصر الشامخ.
بسم الله الرحمن الرحيم
"قضاء مصر الشامخ" .. شعار رفعه قضاة مصر بعد الثورة ولم يكن متداولا من قبل، فالمصريون لا يعلمون أن هناك قطاعات تذكي نفسها رغم فشلها سوى قطاعات يسيرة من المجتمع المصري، مثل تعريف الأزهريين لأنفسهم بقوله: "من علماء الأزهر الشريف"، ولا أعلم من الذي خص الشرف بالأزهر من الأصل دون دليل يذكر ولا سند شرعي يؤثر، اللهم إلا شرفه أنه بيت من بيوت الله، كما لا أعلم دورا للمؤسسة الرسمية الدينية بمصر الممثلة بالأزهر في انتشار الصحوة الإسلامية في مصر وغيرها، وكم سُب صحابة وأُهين القرآن واستباح المغرضون بيضة الدين وشربت الخمور وانتشر العهر باسم الفن ولا يذكر أحد للأزهر صولة ولا جولة ولا خطة في التصدي لهذا الطوفان الأثيم.
ثم كيف يذكي المرء نفسه بقوله من العلماء، وتلك رتبة يمكن أن تنسب إليه لا أن ينسبها هو لنفسه، قال تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32]
ومن الشعارات الوطنية المتداولة أيضا: "مصر أم الدنيا" ولا أعلم هل هي الدنيا الضيقة أم الواسعة في بلد يسكن 5 مليون من سكانه المقابر، ويتصدر العالم في نسبة العنوسة والإصابة بفيروسي والسرطانات وسرقة الآثار .. والقائمة تطول.
ولا يفوتني شعار: "مصر هبة النيل" في الوقت الذي يحرص كل مصري ميسور أن يركب فلتر على صنبور المياه بمنزله لتجنب الفشل الكلوي من مياه اقترن مجراها بمياه الصرف الصحي، أما الغلابة فيعتمدون على شراء الماء النقي من محطات التنقية.
كم فيك يا بلادي من شعارات رنانة وأنتِ في ذيل الأمم، لكن الجديد والمضحك في الموضوع شعار: قضاء مصر الشامخ.
ولمن لا يعرف من غير المصريين فمنصب القضاء المصري ضربا من ضروب الحظ على غير ما يحمله تراثنا الإسلامي عن صفات القاضي الذي كان جديرا بهذه المكانة لما تحلى به من غزارة علم وحفظ للقرآن، وإلمام منقطع النظير بأحكام وقواعد الشريعة الإسلامية مع نباهة في الاستدلال وحسن سيرة بين الأنام.
أما القاضي المصري اليوم فهو خريج كلية الحقوق التي تحتل ذيل القائمة في الجامعة المصرية، ولا يدخلها إلا من فاتهم قطار التميز العلمي والنباهة الفكرية فهم يلتحقون بها من قلة الحيلة وكي يدركون شهادة جامعية وفقط.
حتى التعيين في سلك القضاء فهو قائم على الرشوة أو المحسوبية وليس على أكفاء الدفعات الجامعية من أوائل الدفعات ذوي التقديرات المرموقة ..
لقد صار مجتمع القضاء المصري أشبه بالعائلة الواحدة التي تحتكر هذا المنصب، فابن المستشار يصير بالنيابة حتى ولو تقديراته الجامعية ضعيفة، ومن أراد الانضمام إلى هذه العائلة المرموقة عليه أن يبحث فيها عن عم أو خال أو أي قريب قاض أو مستشار ليمرر له الانتساب المشبوه وإلا فالمال عوضا عن القرابة.
ولقد جالست كثيرا من القضاة والمستشارين ووكلاء النيابة فما وجدت فيهم نابها صاحب علم يعتد به، بل ثقافة ضحلة وكبر منقطع النظير إلا النذر اليسير جدا جدا ممن عافاهم الله.
وتاريخ القضاء المصري المعاصر يشهد أنه كان ألعوبة في يد الحكام، وكان أبرز الرعاة للانتخابات البرلمانية الفاسدة في 2010، والتي كانت أحد أسباب اندلاع الثورة المصرية.
وبعد الثورة استشعر هذا الكيان الفاسد الخطر في ظل سريان روح العدالة الاجتماعية والمطالبة بإقصاء كل أفراد منظومة الفساد السابقة، فبدأت معركة المصالح والامتيازات، وأخذ رجال القضاء يتصرفون باندفاع مجنون أبرز عوراتهم دون أدنى تعقل أو حرج.
وكشفت الأحداث عن قضاة متهمين في قضية تهريب المتهمين الأجانب في قضية التمويل الأجنبي، وما زالت التحقيقات المتتالية مع المستشار وليد شرابى المتحدث باسم حركة قضاة من أجل مصر من جهة التفتيش القضائي، وفي الوقت نفسه لم نسمع عن تحقيقات في فساد من وُجِهت لهم جرائم استيلاء على أراض، أو من أضرب عن العمل وعرقل سير العدالة، أو من احتجز النائب العام في مكتبه، أو من تلقى أموالا من المؤسسات الصحفية أثناء شغله منصبا رفيعا في السلطة القضائية.
يذكر أن رئيس المجلس الأعلى للقضاء يعكف حاليًا –ولن ينتهي- على فحص البلاغات المقدمة ضد المستشار عبد المجيد محمود، التي أحالها له النائب العام المستشار طلعت عبد الله باتهامه بتلقيه رشاوى وتستر على قضايا فساد، في بلاغ حمل رقم 4309 بلاغات النائب العام، والذي كشف أن رئيس مجلس إدارة البنك المصري للتنمية سابقًا كان يرسل رشاوى في صورة هدايا من أموال البنك إلى المستشار عبد المجيد محمود النائب العام السابق، وسامح فهمي وزير البترول الأسبق، وأمين أباظة وزير الزراعة الأسبق، وفايزة أبو النجا وزيرة التعاون الدولي سابقا.
أما المستشار أحمد الزند وصهره فتهمتهم بالاستيلاء على مساحة 250 فداناً بأراضي منطقة الحمام بمدينة مرسى مطروح بالتواطؤ مع عبد المجيد محمود في تلك القضية، والذي قام بتبديد المستندات بعد أن عكف المكتب الفني للنائب العام على دراستها وثبت إدانته واستغلاله للنفوذ هو وصهره عادل عبد الرؤوف السيد، وموظفي الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية.
وأكدت بلاغات قدمت ضد "الزند" وصهره أنهما قاما بالاستيلاء على أراضى مدينة الحمام عن طريق التزوير واستغلال النفوذ وأن إجراءات المزاد تمت بالمخالفة لأحكام القانون؛ حيث صدر قرار رئيس مجلس الوزراء بشأن القواعد المنظمة للإدارة والتصرف بأراضي الهيئة العامة؛ وبناء على ذلك فقد تربح الزند من وراء تلك الأراضي ملايين الجنيهات إذ حصل من الهيئة على 250 فدانا بواقع 11 ألف جنيه للفدان مع أن قيمة الفدان في ذلك الوقت كانت تساوي 100 ألف جنيه، مما ربحه 10 أضعاف قيمة الفدان الواحد، وبالرغم من أن الإجراءات شابهها البطلان المطلق والتزوير؛ إلا أن الهيئة العامة للتعمير سارعت بتحرير محضر لتسليم الزند الأراضي بتاريخ 20 يوليو 2006 أثبتت فيه قيام لجنة مكونة من 6 موظفين بتسليم الزند تلك الأراضي وأن ذلك جرى وتم تنفيذه بسرعة فائقة نظرًا لتسهيل كل الأجهزة لتنفيذ القرارات وهدم المنازل وأن مَن اعترضوا على قرارات الهدم والإزالة صدر بحقهم اعتقالات وصدرت ضدهم أحكام بالحبس.
هذا طرف من فساد الرؤوس وما خفي كان أعظم، والكل يعرف أن من لم يلحقه الفساد من القضاة أدركته الامتيازات الجبارة التي يتمتع بها القضاة من أول لوحة أرقام سياراتهم المكتوب عليها "هيئة قضائية" كي لا تلاحقهم مخالفات مرورية ولا تغلق أمامهم بوابات الأماكن الفارهة مرورا بالرواتب الفلكية والحصانات القضائية والرعاية الصحية والاجتماعية المميزة وبالمقابل يقدمون للشعب بطء إجراءات التقاضي التي وصل عدد القضايا المتأخرة فيها إلى 25 مليون قضية، فالمحاكم المصرية كما هو معروف عنها تسير سير السلحفاة ولا تنصف مظلوما ولا تردع ظالما إلا بعد أعوام مديدة وعقود من الأزمان السحيقة.
روى البخاري عن قيس بن أبي حازم قال: "دخل أبو بكر على امرأة من أحمس يقال لها زينب، فرآها لا تكلم، فقال: ما لها لا تكلم؟ قالوا: حجت مصمتة. قال لها: تكلمي فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية. فتكلمت فقالت: من أنت؟ قال امرؤ من المهاجرين. قالت: أي المهاجرين؟ قال: من قريش. قالت: من أي قريش أنت؟ قال: إنك لسئول، أنا أبو بكر. قالت: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية؟ قال: بقاؤكم عليه ما استقامت بكم أئمتكم. قالت: وما الأئمة؟ قال: أما كان لقومك رءوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم؟ قالت: بلى. قال: فهم أولئك على الناس".
د/ خالد سعد النجار
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
- التصنيف: