هذا ما حصل في جزر أوغندا

منذ 2013-06-09

من المواقف المؤثرة: الزيارات الدعوية في الجزر الأوغندية، حيث تمتاز بكثرتها وتفرقها وأهليتها بالسكان، مع قلة من يصلها من الناس داعياً أو زائراً.


من المواقف المؤثرة: الزيارات الدعوية في الجزر الأوغندية، حيث تمتاز بكثرتها وتفرقها وأهليتها بالسكان، مع قلة من يصلها من الناس داعياً أو زائراً.
هناك من الأوغنديين المسلمين من همه الدعوة في الجزر، فتراه يقضي يومه في التنقل بينها، وينسق لزيارات الدعاة الأفارقة وغيرهم، وقد كان أحدهم ينتظرنا، كنا قد عزمنا على الذهاب ظهراً ثم رهقنا فرغبنا التأجيل.

لكننا كنا أمام داعية يسمونه أمير البحار، تتصاغر نفسك أمامه، فقد كان ينتظرنا من الفجر قادماً من بعيد، لم يكد يصدق حضور أربعة لزيارة الجزيرة، كان يعبر عن فرحته الغامرة، ووجهه يتحدث قبل لسانه، وهمه إيصال رسالة التوحيد لجزر لم تسمع بها من قبل، لا أذكر أني رأيت شخصاً مبتهجاً بشيء كابتهاجه بالمشايخ، لكنه فيما أحسب إخلاصه وصدقه وغيرته على دين الله، لم يكن لنا بد من مرافقته فقد خجلنا من أنفسنا.

ركبنا قاربه المتهالك الذي خاض به بحار أوغندا وجزرها، ليحدثنا عن مأساة تلك الجزر وغيابها عن الإسلام، وتقصير الدعاة معها، وكان يقرأ القرآن بين حديثه، يستثمر وجود المشايخ لتصحيح قراءته، ثم يسأل عن ما يشكل عليه، فما أجل همته، ثم لما وصلنا بعد ساعتين، كانت المفاجأة أن أهل الجزيرة اصطفوا لاستقبالنا، فلما نزلنا وجدنا خلفهم رجال القرية قد اجتمعوا، ومعهم رئيسهم ينتظرون ما نحن صانعون، فأقبلنا عليهم وسلمنا فاطمئنوا.

ثم كانت المفاجأة وهي كلمة رئيسهم، رحب بنا وقال: "أقدر جداً سفركم لأجلنا، فأنتم أول البشر البيض الذين تطأ أقدامهم جزيرتنا"، فصدمنا والله.
ثم قال: "نحن هنا في الجزيرة تنقصنا خدمات مهمة، نحتاج مستشفى ومدرسة، فهل ستأمنون ذلك لنا؟!"، فأدركنا أننا في مأزق أمام قرابة مائتين من أهل الجزيرة المجتمعين، فضلاً عمن يتابع عن بعد، وهم بالمئات كانوا يتوقعون منا الموافقة، وأن لدينا المال كوننا من البيض، لم يكونوا يظنون أن أحداً سيسافر لأجل دعوتهم لتغيير دينهم، لم أكن استبعد أنه أراد إحراجنا في مثل هذه المواقف.

يجب أن تكون واثقاً وصريحاً لكن بالأسلوب المناسب، وهو ما وفق الله أحدنا له، فارتجل شاكراً لهم اجتماعهم وترحيبهم، وبين حبنا الخير لهم، وشاهد ذلك قدومنا من بلاد بعيدة، ونحن نتمنى تحقيق ما يصبون له وسننقل ذلك لغيرنا من الجمعيات الخيرية، أما نحن فجئنا للسلام عليكم وتعريفكم بديننا، ثم استغل أحدنا موقفاً حصل في القارب، حيث أسلم أحد البحارة متأثراً بما دار بيننا وبين الداعية الأوغندي، فقام الشيخ بتقديم المسلم الجديد أمام الجموع، وقال: "هذا أخونا من جنسكم، وكان على دينكم، لما تعرف على الإسلام انشرح له صدره"، ثم لقناه الشهادة أمامهم وسألناه عن شعوره..

كان الموقف أبلغ من كل خطبة، تأثروا بشدة، أما أميرهم فكان واقفاً ثم جلس، وكان متفاجئاً من سرعة انعكاس الموقف..
ثم بين أحد المشايخ لماذا أسلم صاحبنا، وكان يريد عرض ميزات الإسلام من خلال الموقف، وهذا من أحسن ما يكون تأثيرا؛ قال: "لقد أسلم؛ لأنه اكتشف أن الإسلام دين بسيط يقوم على عبادة الله وحده، وهو دين يؤمن بكل الأنبياء ومنهم عيسى، ونعتقد أن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم هي الخاتمة، ويدعو للرحمة والعدل وبر الوالدين ومساعدة الآخرين، وفي الإسلام لا تحتاج لواسطة بينك وبين الله، فإذا احتجت منه شيئاً تدعوه مباشرة ويجيبك، لأجل ذلك أسلم أخينا البحار"، ثم قمنا بالسلام عليه وضمه، كنا نحتاج إلى عرض نجذب به القلوب التي كانت تنتظر منا غير ما نريد، فكان تيسير الله باستثمار هذا الموقف.

ثم قال أحد المشايخ: "دعوني أقرأ عليكم من القرآن"، وكان صوته جميلاً فقرأ آيات زادتهم تأثراً وخضوعاً..
ثم جاء المحك لنقول بكل ثقة بدين الله وتيسيره: من يرغب بالإسلام؟ فبدؤا يتناظرون وكأنهم متخوفون -لا سيما ورئيسهم بينهم- فكأنه أشار لهم بأن كل واحد حر في معتقده.
فقال أحدهم: "أنا أريد" ثم الثاني فلقناهم الشهادتين وسلمنا عليهم وشجعناهم كثيرا.

فذهبوا وأتو باثنين آخرين، فأسلما ففرح الدعاة المسلمون الجدد أكثر منا، ثم جاءت امرأة من بعيد وقالت: "أريد الإسلام".
فأسلمت وتهافت بعدها النساء؛ تأثرنا لأننا رأينا رحمة الله بعباده تقود أناساً لتغيير معتقدهم في دقائق وأمام غرباء لكنه أمر السماء.
انتشرنا بينهم لتبدأ الدعوة الفردية، وكنا نناقش كل واحد عن سبب عدم قناعته بالإسلام، ونبين له المزايا، ونستشهد بمن أسلم وكنا مجموعتين؛ لأن معنا مترجمين ومع كل مجموعة مسلم جديد.

ثم بعد ساعتين تقريبا كان مجموع من أسلم يقارب العشرين، ولكنهم لم يكونوا يسلمون إلا بعد نقاش وقناعة ظاهرة؛ لأن النصرانية حاضرة، ورئيسهم متمسك بها..
كانت الفرحة غامرة لكن كان هناك من هو أشد فرحاً بل ربما بكى وهو الداعية أمير البحار.

فتوجهنا لرئيسهم وشكرناه ودعوناه للإسلام، فوعدنا أن يفكر، ودعناهم وأخذ الداعية الأوغندي أسماء المسلمين ليرسل لهم داعية يعلمهم وهو ما حصل.
ثم قفلنا مع غروب الشمس قافلين ونحن نتأمل رحمة الله وتقصيرنا، فكم من الناس لم يكونوا بحاجة سوى أن يسمعوا عن الإسلام ليؤمنوا به، فتنقذهم من النار بل لتنقذ نفسك منها، لكننا ننشغل عنهم بما هو دون، فلماذا هذا؟!

وختاماً: أعتذر عن الإطالة فقد كانت كتابتي بلا تحرير، وقد تركت القلب يروي بلا تحبير، وكنت أظن أنني سأذكر الموقف بثلث ما كتبت، وفقنا الله للهدى أجمعين.
 

  • 4
  • 0
  • 1,588

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً