المرض دروس وعبر

منذ 2013-06-13

كثيراً من الناس قد يواجه المرض لكنه ينسى الصبر عليه وينسى ما في المرض والبلايا من فوائد جمَّة في الدنيا والأخرى. فإن الله تعالى لم يخلق شيئاً إلا وفيه نعمة ولولا أن الله خلق العذاب والألم لما عرف المتنعمون قدر نعمة الله عليهم.


الحمد لله الذي أعد للمؤمنين جناتٍ خالدين فيها أبداً وأعدّ للكافرين جهنم لا يخرجون منها أبداً - سبحانه - من بكت من خشيته العيون سبحانه أمره بين الكاف والنون فسبحان الذي بحمده الأولون والآخرون وسجد لـه المصلون.

وأشهد أن لا إله إلا الله في السماء عرشه وفي الأرض سلطانه وفي البحر سبيله وفي جهنم سطوته وفي الجنة رحمته، وأشهد أن محمداً رسول الله البشير النذير والسراج المنير من بعثه الله هادياً وبشيراً ونذيراً.

عباد الله:


أوصيكم بتقوى الله عز وجل فإنها وصية الله للأولين والآخرين، قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ} [النساء:131].

فما من خير عاجل ولا آجل ظاهر ولا باطن إلا وتقوى الله سبيل موصل إليه وما من شرٍ عاجل ولا آجل ظاهر ولا باطن إلا وتقوى الله عز وجل حرز متين وحصن متين وحصن حصين للسلامة منه والنجاة من ضرره.


وبعد؛ عباد الله:

إن الدنيا دار بلاء وأمراض ظل زائل ومتاع منتهي ما من إنسان في هذه الدنيا إلا ولابد أن يواجه فيها مرض وعافية وسرور وفرح وحزن وسراء وضراء كل هذا لماذا، قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [تبارك:1-2].
{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الكهف:7].

عباد الله:


كثيراً من الناس قد يواجه المرض لكنه ينسى الصبر عليه وينسى ما في المرض والبلايا من فوائد جمَّة في الدنيا والأخرى. فإن الله تعالى لم يخلق شيئاً إلا وفيه نعمة ولولا أن الله خلق العذاب والألم لما عرف المتنعمون قدر نعمة الله عليهم.

ولولا الليل لما عُرف قدر النهار ولولا المرض لما عُرف قدر الصحة والعافية وأهل الجنة يفرحون ويزداد فرحهم عندما يتفكرون في آلام أهل النار بل إن من نعيم الجنة رؤية أهل النار وما هم فيه من عذاب.


وإليكم -عباد الله- بعض فوائد المرض والبلايا:

أولاً: المرض تهذيب للنفوس وتصفية لها من الشر الذي فيها، قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى:30].

فإذا أصيب العبد فلا يقل من أين هذا ولا من أين أتى فما أُصيب إلا بذنبٍ فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما يصيب المؤمن من وصبٍ ولا هم ولا حزن ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه» (متفق عليه).

وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على مريض من أقاربه وهو مريض بالحمى وقال: لا بارك الله فيها " أي الحمى" فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا الحمى فإنها مكفرة للذنوب والخطايا».

وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يزال البلاء بالمؤمن في أهله وماله وولده حتى يلقى الله وما عليه خطيئة».


وقال صلى الله عليه وسلم: «ما اختلج عرق ولا عين إلا بذنب، وما يدفع الله عنه أكثر»، (والاختلاج هو: الحركة والاضطراب)، وتعجيل العقوبة للمؤمن في الدنيا خير له من عقوبة الآخرة حتى تكفر عنه ذنوبه.

وعن أنس قال: قال رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أردا الله بعبد الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة» (رواه الترمذي وقال حسن صحيح).

وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يصيبه أذىً من مرض فما سواه إلا حط الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها» (رواه البخاري).

عباد الله:


من الناس من له ذنوب وليس له ما يكفرها فيبتليه الله بالحزن والمرض لتصفيته وتنقيته من الذنوب إن صبر واحتسب.

فعن عائشة أن رسول الله طرقه وجع فجعل يشتكي ويتقلب على فراشه فقالت له عائشة لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الصالحين يشدد عليهم وإنه لا يصيب مؤمناً نكبة من شوكة فما فوق ذلك إلا حطت عنه بها خطيئة ورفع له بها درجة».

ثانياً: من فوائد المرض أنه يعقبه لذة وسرور في الآخرة، فإن مرارة الدنيا حلاوة الآخرة والنعيم لا يدرك بالنعيم وكما قال صلى الله عليه وسلم: «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر».

عباد الله:


إن الابتلاءات سنة ربانية اقتضتها حكمة الله سبحانه في هذه الدار، لتكون داراً للامتحان في الشهوات والفقر والمرض والخوف والنقص في الأموال والأنفس والثمرات كما يكون الابتلاء بكثرة الأموال والأولاد والصحة قال تعالى: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء من الآية:35].

ومن جملة الابتلاءات الأمراض حيث يبتلي الله بها من شاء من عباده.

وإذا نزل بالعبد مرض أو مصيبة فحمد الله واسترجع وصبر إلا أعطاه الله من الأجور ما لا يعلم، قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر من الآية:10].

فكل الأعمال قد تجد لها أجراً معيناً إلا الصبر لعظمته فأجره بغير حساب.


والمصائب والآلام ملازمة للبشر ولا بد لهم منها لتحقيق العبودية لله، قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة:155].

قال بعضهم: لولا حوادث الأيام لم يعرف صبر الكرام ولا جزع اللئام، وجاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن العبد قال الله لملائكته وهو أعلم قبضت ابن عبدي قالوا: نعم فيقول وهو أعلم: فماذا قال؟ فيقولون: حمدك واسترجع فقال: ابنو لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد».

ويوم القيامة يتمنى أهل العافية في الدنيا لو أن جلودهم وأجسادهم كانت تقرص بالمقاريص لما يرون من ثواب أهل البلاد والأمراض عند الله.

ثالثاً: من فوائد المرض أنه يُعرف به صبر العبد على بلواه، وأن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط.


هكذا -أيها المسلمون- إذا صبر العبد إيماناً وثباتاً كُتب في ديوان الصابرين ويكفي الصابرين شرفاً أنهم في معية وحفظ الملك جل وعلا، قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:153].

وإن حمد العبد وشكر كتب في ديوان الشاكرين ويكفي الشاكرين شرفاً أنهم أهل الزيادة قال تعالى : {لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:7].

أخرج مسلم عن صهيب أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير إن أصابته سراء شكر فكان خيراً لـه، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً لـه وليس ذلك إلا للمؤمن».

والصبر المأجور صاحبه هو الذي لا بد أن يتدبر فيه أموراً منها أن يعلم أن المرض مقدر من عند الله: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا} [التوبة من الآية:51] وأن يتيقن أن الله أرحم به من نفسه ومن والدته والناس أجمعين، وأن يعلم أن ما أصابه هو عين الحكمة من الله، وأن الله أراد به خيراً لقوله صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيراً يصب منه» (رواه البخاري)، وأن ما أصابه علامة على محبة الله له، وأن يعلم أن الجزع لا يفيده، وإنما يزيد آلامه ويفوت عليه الأجر.

قال علي بن أبي طالب: "إنك إن صبرت جرت عليك المقادير وأنت مأجور، وإن جزعت جرت عليك المقادير وأنت مأزور".

اللهم اجعلنا ممن إذا أعطي شكر وإذا أذنب استغفر وإذا ابتلي صبر يا رب العالمين.


رابعاً: إنّ المرض سبباً للدعاء واللجوء والانكسار بين يدي الله، قال تعالى: {فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} [الأنعام من الآية:42].

كم من أناس أعرضوا عن اللجوء إلى الله والدعاء والانكسار بين يدي الله جل وعلا. فمرضوا فلجأوا إلى الله خاشعين منكسرين، فأهل التوحيد إذا أصيبوا ببلاء أو مرض صبروا ولجأوا إلى الله وحده واستعانوا به وحده جل جلاله.

ويقول صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل: «إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة» (رواه البخاري)، وقوله تعالى : «ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة» (رواه البخاري)، (ومعنى احتسبه: أي صبر على فقده راجياً الأجر من الله).

تأملوا -أيها المسلمون- البلاء العظيم عند أيوب عليه السلام فقد ابتلاه الله في أهله ومالـه وولده وجسده لله حتى ما بقي إلا لسانه وقلبه ومع هذا كله كان يمسي ويصبح وهو يحمد الله ولم يشك حاله إلا إلى الله جل وعلا بعد سنين من البلاء والمرض رفع يديه إلى الله بكل ذلّ وانكسار: {رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء من الآية:83].

فجاء الجواب من الجواد الكريم: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء:84].

وقال تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص من الآية:44].

وهاهو عروة بن الزبير من أفاضل التابعين وأخيار التابعين، كان له ولد اسمه محمد من أحسن الناس وجهاً، دخل على الوليد في ثياب جميلة فقال الوليد: هكذا تكون فتيان قريش، ولا دعا بالبركة فقالوا أنه أصابه بالعين، خرج هذا محمد بن عروة بن الزبير من المجلس فوقع في اصطبل للدواب فلا زالت الدواب تطأه حتى مات، ثم مباشرة وقعت الآكلة في رجل عروة وقالوا لابد من نشرها بالمنشار وقطعها حتى لا تسري لأماكن الجسد فيهلك، فنشروها فلما وصل المنشار إلى القصبة (وسط الساق) وضع رأسه على الوسادة فغشي عليه ثم أفاق والعرق يتحدّر من وجهه وهو يهلل ويكبّر ويذكر الله، فأخذها وجعل يقلبها ويقبلها في يده وقال: "أما والذي حملني عليك إنه ليعلم أنني ما مشيت بك إلى حرام ولا إلى معصية ولا إلى ما لا يرضي الله"، ثم أمر بها فغسلت وطيبت وكفنت وأمر بها أن تقدم إلى المقبرة، لما جاء من السفر بعد أن بترت رجله وفقد ولده قال لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً، ولما قالوا: نسقيك شيئاً يزيل عقلك؟ قال: "إنما ابتلاني ليرى صبري"، ورفض.

وها هو أبو قلابة التابعي الجليل ممن ابتلي في بدنه ودينه، وأريد على القضاء وهرب إلى الشام فمات بعريضة وقد ذهبت يداه ورجلاه وبصره وهو مع ذلك حامد شاكر وعندما سئل: على ماذا تحمد؟ فقال "ألم يعطني لسانا ذاكرا وقلبا شاكرا وبدنا على البلاء صابراً".

أسال أن يجعلني وإياكم من الصابرين والشاكرين.


أسأل الله أن يقوي إيماننا وان يرفع درجاتنا أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية:


الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الداعي إلى رضوانه وعلى آله وصحبه وجميع إخوانه.


وبعد:

خامساً: من فوائد المرض أن الله يخرج به من العبد الكبر والعجب والفخر، فلو دامت للعبد أحواله لتجاوز وطغى ونسي المنتهى لكن الله سلط عليه الأمراض والأوجاع وخروج الأذى والريح ليعلم أنه ضعيف.


 

يا مدعي الكبر إعجاباً بصورتـــه *** انظر خلاك فإن النتن تثريب

لو فكر الناس ما في بطونهم *** ما ادعى الكبر شبان ولا شيب


فالعبد يجوع كُرها ويمرض كرهاً ويموت كرهاً ولا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً. فمن كانت هذه طبيعته فلماذا يتكبر ولماذا يتغطرس: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ . الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} [الانفطار:6-7]. {كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ} [المعارج:39].

وقال ابن القيم رحمه الله: "لولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلاً أو آجلاً".

سادساً: من فوائد المرض معرفة العبد ذله وحاجته وفقره إلى الله، فأهل السماوات والأرض محتاجون إليه سبحانه فهم الفقراء إليه فهو الغني سبحانه، ولولا أن سلّط على العبد هذه الأمراض والبلايا لنسي نفسه ونسي خالقه.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "مصيبة تقبل بها على الله خير لك من نعمة تنسيك ذكر الله".


قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّـهِ ۖ وَاللَّـهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:15].

سابعاً: من فوائد المرض أن فيه مساواة تامة، فهي سنة الحياة فلا يفرق المرض بين غنيٍ ولا فقير ولا يعرف فقيراً ولا عزيزاً الناس سواء والمرض لابد للجميع، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13].

ثامناً: من فوائد المرض أنه يهمس في قلوبنا قائلاً: "بنيتك يا ابن ادم ليست من الصلب والحديد، بل من مواد ضعيفة قابلة للتحلل والتفسخ فدع عنك الغرور واعرف عجزك وتعرف على أصلك وافهم وظيفتك في الحياة الدنيا".

تاسعاً: المرض يجعلك تتأمل فيمن ابتلاهم الله بأشد منك، فيجعلك هذا تصبر وتحمد الله على ما أنت فيه وترضى بما قسمه الله لك.

ولقد كان الصالحون يفرحون بالمرض والبلاء ويعدونه نعمة كما يفرح الواحد منا بالرخاء، قال صلى الله عليه وسلم: «وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء».

ولما كان الأنبياء والصالحون هم أحب الخلق إلى الله تعالى كان بلاؤهم أشد من غيرهم، فعن سعد بن أبي وقاص قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاءً، قال: «الأنبياء ثم الأقل فالأقل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابةً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة» (رواه الترمذي، وهو صحيح).

وهذا نبيكم سيد الخلق أجمعين كان أشد الناس بلاءً حيث يشتد عليه المرض أكثر من غيره حتى قالت عائشة رضي الله عنها: "ما رأيت أحداً أشد عليه الوجع من رسول الله" (رواه البخاري ومسلم).

وقال أبو سعيد: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فوضعت يدي عليه فوجدت حره بين يدي فوق اللحاف فقلت: يا رسول الله ما أشدها عليك؟ قال: «إنا كذلك يضعف لنا البلاء ويضعف لنا الأجرة»، قلت يا رسول الله: أي الناس أشد بلاء؟ قال: «الأنبياء»، قلت: ثم من؟ قال: «الصالحون، إذ كان أحدهم ليبتلى بالفقر حتى ما يجد أحدهم إلا العباءة يحويها (يجمعها)، وإن أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء».

اللهم اجعلنا من عبادك الصابرين وقوي إيماننا وارفع درجاتنا وتقبل صلاتنا ولا تميتنا إلا وأنت راضٍ عنا يا رب العالمين.

هذا وصلوا ـ عباد الله ـ على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56].



أمير بن محمد المدري

 

  • 7
  • 1
  • 22,820

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً