ظاهرة (جنود الله في المعركة الخطأ)

منذ 2013-06-25

"الشيخ المخدوع" في أيامنا هذه شيخ تآمر عليه العلمانيون عبر مناهج التعليم ووسائل الإعلام المختلفة ضمن حرب ممنهجة على الدين فصار مثلاً لكل ما هو مثير للضحك والاستهزاء حتى حفظ الأطفال ورددوا الأغنية القائلة "شد العِمَّة شد، تحت العِمَّة قرد".


"الشيخ المخدوع" في أيامنا هذه شيخ تآمر عليه العلمانيون عبر مناهج التعليم ووسائل الإعلام المختلفة ضمن حرب ممنهجة على الدين فصار مثلاً لكل ما هو مثير للضحك والاستهزاء حتى حفظ الأطفال ورددوا الأغنية القائلة "شد العِمَّة شد، تحت العِمَّة قرد".

وبصرف النظر عن الدعوة للعنف الذي ينطوي عليه هذا الكلام من تحريض الناس على نزع عِمّة المعمِّم، إلا أنها مع ذلك تُصوِّر الشيخ في صورة مضحكة للغاية، بحيث إنك بمجرد نزعك للعمامة التي يرتديها ستفاجأ بمنظر "قرد"! وهكذا يصنعون العقول!

فإذا ما كبر هذا الطفل الذي ردد تلك الأغنية -فهماها أو لم يفهمها- رأى صورة ذلك الشيخ كمأذون أو مدرس لغة عربية مرتدياً غالباً الزي الأزهري كما كان معتاداً -في مسرحية أو مسلسل أو فيلم- في صورة غاية في الفكاهة بحيث يصير رمزاً للتخلُّف والاستهزاء والرجعية فهو الباحث عن ملء بطنه بلذيذ الطعام والشراب، وهو المتزلف لعمدة القرية بآية {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء من الآية:59]، وهو الذي يحاول التحدُّث بالإنجليزية فينطق بعض الكلمات التي لا يُحسِن النطق بها أو ربما بتعطيش حرف "G" في "good morning" مثلاً!

حتى رأينا الكثير من علماء الأزهر في فترةٍ ليست بالقصيرة ممن يريد الحفاظ على هيبته "يتخفى" وسط الناس بلبس ما يلبسون فأصبح العالِم الأزهري يرتدي البدلة والكرافت أو القميص والبنطلون كأي أحد!

هذا "الشيخ المخدوع" الذي تعرَّض لقصف إعلامى ومجتمعي على مدار سنوات وعقود طويلة حتى صارت "تيمة" سينمائية ومجتمعية حتى رأى بعض الغيورين أن الأمر يتعدّى مجرّد الاستهزاء من سلوكيات بعض المشايخ إلى "مشروع" مكتمل الأركان يبدأ بعمل فجوة بين "الدين" و"حامل الدين".

نعم رأوه لا يهزأ من "الشيخ" بقدر ما يريد النيل من "الدين" في خطة تغريبية ممنهجة!

هذا "الشيخ المخدوع" ظل صامتاً يُدافع بخجلٍ مع تدين والتزام وربما غياب في عالم الفناء، والبعد عن الشهود!

ثم أراد الله تعالى أن ينهزم أرباب المشاريع الوافدة التي تريد استبعاد "الدين" من حياة الناس بجعل "رجل الدين" مسخة وأن يقيض الله لدينه من يحمله، وأن تنجو الأمة من عملية تغريب كبرى فاشلة!

فما كان من أرباب هذا المشروع، مشروع "شد العِمَّة شد" أن التحفوا بهذا الشيخ في مواجهة إخوانه وأنصاره وأحبابه!

نعم التحفوا به "ليوظفوه" في مواجهة دين"بـ دين" واستغلوا هذا الشيخ "المخدوع" الذي قرّر أن يكون محايداً في معركة يلتف فيها عدو الدين على الدين لهدمه!

رأينا من أرباب مشروع "تحت العِمَّة قرد" عجباً:

1- فرأيناهم يدافعون عن الأزهر، بل ويكونون الجبهات المدافعة عنه وعن منهجه الذي وقفوا أمامه قديماً، والذي كان عندهم رمزاً للتخلُّف والرجعية، مرددين كلام "المتنورين" عن مناهج وعلوم الأزهر التي تسببت في تراجع العقل العلمي لدى المسلمين! لا تتعجب فالقادم أعجب!

2- رأيناهم يستضيفون "الشيخ المخدوع" ويعتبرونه رمزاً للثورة والإسلام الوسطي المعتدل الذي يجب أن يحمي بتوع "شد العِمَّة شد، تحت العِمَّة قرد" من الظلاميين الرجعيين أعداء الدين.

3- بل أخذتهم الحماسة فادَّعوا أنهم ليسوا ضد الدين ولا الشريعة بعد أن كانت تصريحات بعضهم وقت قوة تيارهم وسلوك القائمين عليه تشي بتجربة كمالية علمانية كاملة في مصر تحصر الدين في الشعائر التعبدية وتبيح كل أنواع المحرمات، بل وتعصف بمؤسسة الأزهر عبر عدد من القوانين التي أخذت منه أوقافه، وحرمت طلابه من التعين في وظائف معينة، أو التضييق عليهم في وظائفهم (العام الذي تخرّجتُ فيه طلبت كلية من كليات الفنون -قسم الزجاج على ما أذكر- عشرين مُعيداً في الوقت الذي لم تُعيّن فيه كلية أصول الدين قبل دفعتي بثلاث سنوات وبعدها بمثلهم طالباً واحداً وهرع الأوائل للعمل في وظائف متدنية) والحكاية طويلة من سبل التضييق والتحجيم وإرادة الاستبعاد. ربما أسردها في وقت آخر!

4- بعد كل ذلك التف هؤلاء حول "المخدوع" وادّعوا دفاعهم عن الإسلام "الصحيح"، "الوسطي"، "المعتدل" في مواجهة جماعات "الظلام"، و"الرجعية". بالرغم من تصريحهم في مؤتمراتهم أنهم لو تحكموا في البلاد لن يُحِّكموا الإسلام، أو يتحدثون -في أحسن الأحوال- عن إسلام منقوص هو العلمانية بعينها لمن يعرفها!

الإشكالية الكبرى هنا أن هذا الشيخ الذي غُيِّب عمداً عن الاتصال بالواقع بالحرب النفسية والإعلامية صدّق هؤلاء وأحسن الظن بهم معتقداً أنه لا خلاف حقيقي على الإسلام في مصر! وإنما هو صراع سياسي يُتاجر فيه البعض بالدين، غافلاً عن أنه يتبنى الخطاب العلماني نفسه حين يردد هذا الكلام!

ظن أنهم إن تنازلوا له عن حربهم النفسية تلك والهجوم عليه لبعض الوقت فإنهم قد انصلح حالهم، ومن ثم يجب الوقوف على الحياد في معركة فكرية عقائدية بالأساس لمن يُحسِن قراءة تاريخ المنطقة في المائتي عامٍ الأخيرة!

هذه الأعاجيب في الحقيقة غير مستغربة من أصحاب مشروع "شد العِمَّة"، من أناس "الغاية عندهم تُبرِّر الوسيلة"، لكن العجيب حقاً والذي لا يستطيع عقلي الصغير استيعابه جعلت بعض "الخبثاء" الذين بُحتُ لهم بمكنون نفسي يقول: "إن هؤلاء العلمانيون ركلوا المشايخ بأرجلهم قديماً، ثم ركبوهم حديثاً، وهم يظنون أنهم جنود الله".

قلت: جنود الله في المعركة الخطأ، فاللهم سلِّم سلِّم!
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أحمد سعد الدمنهوري

باحث شرعي أزهري

  • 4
  • 0
  • 2,592

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً