إلى الصابرين الثابتين من أبناء مصر وجنود الحق

منذ 2013-07-26

لقد جمع الله لكم اطراف الخبيث ليعذبه على وفق سنته بأيديكم، فاشكروا لله حسن صنيعه واحمدوا له عظيم تقديره، وكريم اختباره واعلموا أن يقظة المارد في أمتكم مارد الاسلام في قلوب الأمة وراء هذا الاتفاق عليكم، وإن الله ربكم لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء..


{اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا} [الأعراف من الآية:128].

هذا أمر الله أنزله إليكم كما كان إلى سبقكم من الصابرين الثابتين {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف من الآية:128].

والعاقبة للمتقين وعد الله بعد أمر الله، ومن أصدق من الله حديثًا.

فاصبروا صبر المجاهدين الواثقين، وثقوا ثقة المؤمنين {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل:40].

لقد جمع الله لكم أطراف الخبيث ليعذبه على وفق سنته بأيديكم، فاشكروا لله حسن صنيعه واحمدوا له عظيم تقديره، وكريم اختباره، واعلموا أن يقظة المارد في أمتكم مارد الإسلام في قلوب الأمة وراء هذا الاتفاق عليكم، وإن الله ربكم لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وقد مضت سنّته من قبل أن عظيم إرادته تظهر دومًا من معالم الضعف البادي للغافلين، والذي يستر به معالم القوة للمتقين {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص:5].

وإن من أسباب دوام الثبات أن نعي جميعًا تلك الحقائق.

أولاً: إن حقيقة ديننا أنه دين القوة، القوة في الرأس، والقوة في العزيمة، والقوة في الوحدة، والقوة في الوضوح، ولذلك كان حامله إليكم هو {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} [التكوير:20].

ولذلك فإنه دين متمكن في قلوبكم وقلوب أهليكم وأصدقائكم، وجيرانكم، ومواطنيكم، فاقدروا له قدره، وتتبعوه في حنايا الصدور لإيقاظه فإليه وحده بأمر الله استئصال شأفة المبطلين {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر:51].

ثانياً: إن معسكر الصليبية العالمية لم يهدأ منذ عقل عنا هذا المعلم، فبدأ بالتوغل في أحشائنا منذ صلاح الدين، ثم بركوب نهرنا النيل كما فعل لويس التاسع الذي كتب وصاياه في دار أسره بالمنصورة والذي جاء فيها: "رأس الأفعى الإسلامية مصر فاقطعوها".

وعلى أثره جاء المجرم نابليون بونابرت الذي أعدم في ساعة ثلاثة ألف عالم من خيرة علماء الأزهر، ثم أبطل مشروعه الطالب الأزهري سليمان الحلبي. وبعد نابليون تسلم راية الإفك الكنيسة البروتستناتية والإنجيلية، المتحالفتان مع المشروع الصهيوني، ثم فضح الله سريرتهم بالمتآمر على عرش كرامتنا الأنبا تواضرس.

ثالثاً: إن الثورة المصرية الراهنة ثورة جمعها الله بكم ليضرب بها في كبد الباطل وأهله فهي ثورة تؤسس لحالة شعبية عالمية غير مسبوقة فقد ميزها الله بما يلي:

1- إنها ثورة عمت اليوم جميع المحافظات مصر، فصوتها يدوي في 27 محافظة مصرية، وله صدى داو في 4936 قرية مصرية، غير المدن والمراكز الأمر الذي يضمن لها امتداداً شعبيًا وعمقاً ثوريًا يصحح الله به مسار بقية الثورات في عالمنا العربي والإسلامي.

2- هذه الثورة تتمتع أيضًا اليوم بوجود زعامة أسرة لها على رأسها الدكتور (محمد مرسي) والذين معه.

3- هذه الثورة امتدت إلى الثغور والأطراف مثل الاسكندرية، والعريش، ومرسى مطروح، وأسوان. بذلك خالف كل الثورات العالمية التي اقتصرت على العواصم وبعض المدن، ومع هذا كتب لها النجاح.

4- أنها ثورة رجعت بالثائرين إلى أصولهم - المساجد- فقد شارك فيها بحمد الله 196 ألف مسجد، بمصليها جميعهم مع غيرهم قد أجمعوا على الدعاء للرئيس محمد مرسي، مع الدعاء على خاطفيه. والدعاء من أمض الاسلحة وأفتكها، فاقدروا له قدره.

5- هذه المشاركة النسائية الهائلة التي أدهشت العالم كله، لأنها بهذا القدر غير مسبوقة، في جميع ثورات الدنيا، مما يمثل (تسونامي نسائي) لا يمكن صده لأنه يتدفق من جميع البلاد، والأزقة، ولا تكاد تخلو منه فعالية واحدة.

6- علماء الأزهر الذين تقدموا من مسيرة في هذه الثورة وإجماعهم الملزم شرعاً لجميع المسلمين على وجوب مناصرتكم، وتأييدكم، وبطلان ما عليه خصمكم.

7- السلمية الصارمة التي صارت من أبرز سمات ثورتكم على رغم تعدد مظاهر الثورة وفاعلياتها وتنوعها، لدرجة أن القاهرة وحدها خرج من مساجدها في يوم واحد يوم جمعة كسر الانقلاب مائة مسيرة.

8- إن ثورتكم هذه هي ثورة أمة بأكملها ،وليست ثورة نُخَب، أو طوائف حرَّكتها المطالب المحدودة،أو المطامع المادية الرخيصة، لقد تحرك فيها ولها أكبر تجمع بشري في تاريخ الإنسانية، وفي أصعب الظروف وأحلكها، ولا تزال الأمة والحمد لله ثابتة، محتسبة، صامدة.

9- إنها ثورة من الثورات النادرة التي يزداد هديرها قوة مع المصادمة ومع كرور الليالي وتكرار ومضي العشي. الأمر الذي يقوِّي في الضمائر حضورها ويثبت لها حقوقها،ويزيد أمر الانقلابيين وحججهم حقارة وضآلة ،وبخاصة حجتهم الباطلة باعتمادهم على العسكر مصدرًا لشرعية وجودهم بديلًا عن سلطة الشعب.

10- لقد فضح الله بتلك الثورة عروشًا ظالمة طالما استترت بغطاء الدين وتوسلت به لتسويغ جرائمها في شعوبها وفي العالمين، فقد تبين للعالم أن ثورتكم ثورة كرامة، وحرية، وديمقراطية حقيقية، واستقلال وطني على الصحيح.

11- إن من رحمة ربنا بكم هذا االغباء الذي صبه القدر الأعلى على أعدائكم وخصومكم الانقلابيين؛ وكان من معالم هذا الغباء استصحاب الكنيسة لمقدمة المشهد الانقلابي،وبذلك يتحقق قول الله فيهم {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة:7].

12- هذه الثورة تتمتع بحمد الله بوجود نواة صلبة قوامها جماعة الإخوان المسلمين ومن لف لفهم،وقد آزرهم الله بأكثر من ثلاثين هيئة إسلامية ووطنية،بالإضافة إلى السناد الهائل من جماهير المساجد والمواطنين الأحرار. الأمر الذي يشكل نصابًا وطنياً لا يمكن تجاوزه من كل ذي بصيرة أو مسكة من عقل ونزاهة ولو اجتمعت الدنيا كلها عليه.

13- إنها ثورة الأغلبية المطلقة على الأقلية الباغية التي كفرت بكل معالم الحق والديمقراطية التي كانوا ولا يزالون يتشدقون بها صباح مساء.

14- هؤلاء الأقلية الباغية منقادة إلى نُخَب استمرأت السلطة، والفساد، والتوريث في كل مرافق الحياة: من عسكرية، وقضائية، وأمنية، حتى وصل إلى مجال الطرب والفن الرخيص.

15- ثبات الرئيس الشرعي المنتخب،وعدم رضوخه للإملاءات الداخلية والخارجية، قد ساعد على إفشال الانقلاب، مع ما تمتع به الرئيس الشرعي للبلاد من أخلاق حميدة تكسر على صخرتها معالم الزور والبهتان التي لم تعد لأحد من قبل :

38 قناة فضائية.
68 صحيفة كاذبة.
ستة آلاف صحفي كاذب يمد مع سابقيه في الغي من دول المبطلين وإلى الآن بدون تقصير.
2 مليون جندي من جنود جهات الأمن المتعددة .
نصف مليون مجند من جنود الداخلية.
26 ألف قاض نصفهم من الطاعنين في السن.
3 مليون عضو من حزب الفلول.
يعاون هؤلاء جميعًا 300 ألف بلطجي تحركهم ثلاثون أسرة من كبار أسر أكابر مجرميها. كل هذا لم ينل من عزيمة الثوار كما أنه لم ينل من عزيمة الرئيس والحمد في الأولى والآخرة لله رب العالمين.

16- إن هذه الثورة قد واجهت من خصومها مالم تواجهه ثورة في العالمين ،وذلك بعد أن أضيف إليهم بعض أهل الضلالة ممن كان يحسبهم الناس من قبل على أهل العلم والدعوة، هؤلاء الذين كانوا يشكلون من قبل بعض أذرع أمن الدولة التي انفجر فجورها على الأمة من جديد.

17- والحمد لله رغم هذا، ورغم طول العناء فإنه إلى الآن لم يقع في جموع وجماعات الصابرين الثائرين تجاوز تلوث به وجه الثورة أو يدان به جموع الثائرين، بينما جنود الانقلابيين لا يزالون يلغون في دماء الساجدين، والنساء الصابرين الصائمين، الأمر الذي يضعضع ويوهن من كيد الخصوم المجرمين.

18- لقد ثبت بهذه الثورة أن الإسلام هو قدر هذه الأمة، وأن العسكر حينما حكموا كانوا وراء كل كارثة حلت بنا، منذ تقسيم باكستان، وأندونيسيا، ونيجيريا، وإضاعة الجولان، ومن قبلها فلسطين مع الأهواز، فلم يحقق العسكر في السياسة أي نجاح للأمة، حيث إنهم لم يتربوا على تقديس حرية الشعوب.

19- إن هذه الثورة والحمد لله قد حققت نجاحًا باهرًا في نقل المصري إلى أعلى الدرجات في العلمين، وعساها إن شاء الله تصل بالأمة كلها إلى حالة التحرر الكامل من ذل العبودية الطويلة، المتعددة الصور والأحوال: من عبودية الأسر الحاكمة، إلى عبودية الأنظمة المستبدة الظالمة، مرورًا بعبودية الجيوش المتسلطة الغاشمة. إن مصر هي عمود الخيمة، وهي معجزة الزمان والمكان، وثورتكم لا تزال تعمل في قلوب الشعوب وأفئدة العالمين، ولا تزال تلقى على أحداثها أنصارًا من معظم شعوب العالم الحرة.

20- وإن أكبر سناد لثورتكم التي لن تهدأ بإذن ربها حتى تأتي على جميع الظالمين، أول سناد لها هو الله الواحد القهار،فلا يشغلكم عنه شاغل، ولا يصرفكم عنه صارف {ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال:45] والزموا نصيحة أبي الأنبياء يؤتكم الله أجركم مرتين {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} [نوح:10-12] صدق الله العظيم.

وقد خاب من افترى.

صدر عن جبهة علماء الأزهر عصر الثلاثاء 14 من رمضان 1434هـ الموافق 23 من يوليو 2013م .
 

  • 3
  • 0
  • 2,856

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً