إِنِّي صَائِم .. إِنِّي صَائِم

منذ 2013-08-06

حريٌّ بالمُسلِم أن يَحفظ صِيامَه عمَّا حرَّم الله مِن الأقوالِ والأفعالِ، وأن يَحرِصَ على صَونِه عن كلِّ ما يَجرحُه، ويُنقِصُ مِن أجْرِه، ويُخْرِجُهُ مِن هَيئَته، ولِنَأخذْ مِن مَدرسةِ الصِّيام زاداً يُعينُنَا على الصَّالِحاتِ بعدَ رمْضَان.

 

الصيامُ مدرسةٌ جامعةٌ يَتعلَّم فيها المُسلمُ مَعاني عظيمة تُعينَه على تَقويةِ النَّفْسِ وتَهذيبها، والسُّمو بها إلى الأفْضلِ والأكمل. والمُتَمعِّن في الصيام يَجد أنَّ غايته هيَ تقوى الله عز وجل وتعظيم حُرماته، وجِهادُ النَّفْس على مُخالفةِ الهوَى، والبُعد عمَّا حرَّم ونهى.

فلَيس المقصودُ مِن الصيام مُجرَّد الامتناعِ عنِ الطعام والشراب وسائرِ المفطِّرات الحِسيَّة فقط؛ بل ?جَب حِفظُ الصَّوم وصونُه مِن كلِّ ما يُدنِّسُه أو يَنقصُ أجْرَه، فوجَبَ الامتناعُ عن مِفطِّراتٍ أُخَر، لا يَكمُل صِّيامُ أحدٍ إلاَّ بالامتناعِ عنها؛ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّور والعملَ به، فليس لله حاجةٌ في أن يدَع طعامَه وشرابَه» [البخاري].

فكَمَا يَصُومُ المُسلِم عن المفطِّرات الحِسيَّة المُبَاحةِ، وجَبَ عليه أن تَصومَ جَوارحُه عن كلِّ ما يُذهِب أجْر صومِه من المفطِّرات المعنويَّة، وكما أنَّ للجسم صِياماً فإنَّ للجوارح صياماً أيضاً: فصِيامُ العَينينِ غضُّهما عمَّا حرَّم الله، وصّيامُ الأُذنينِ حِفظُهما عن سَماعِ مَا حذَّر ونَهى، وصِيامُ اللِّسانِ صَونه عن قولِ ما مَنَع وزجَر، وهيَ أمورٌ قد غفلِ عنها كثير مِن الناس، فقدْ يَصومُ الصائِمُ عن الطعام والشَّراب، ويُفطِر على غيرِهما، قدْ مَلأ يومَه بأقوالٍ وأفعالٍ تَنقصُ مِن أجْره صومه، أو قد تُبطل عملَه؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «رُبَّ صائمٍ حظُّه مِن صيامه الجوعُ والعطَش، ورُبَّ قائمٍ حظُّه من قيامه السَّهَرُ» [رواه الطبراني في الكبير].

وقد أرْشدَنا نَبيُّنا عليه الصلاة والسلام إلى طَريقةِ حِفظ صيامنا ممَّا قد يخلُّ به، فقال عليه الصلاة والسلام: «إذَا أصْبَح أحدُكم يوماً صائماً، فلا يرفُث ولا يَجْهَل، فإنِ امرؤٌ شاتَمه أو قاتَله، فليقلْ: إنِّي صائِمٌ إنِّي صائِم» [صحيح مسلم].

هذا التَّوجيهُ النبويُّ يَترُك أثراً في النَّفسِ المُسلِمة لِبَيانِ عَظمةِ هذا الأمْر، وتَربية للأمُّة على الأخلاق الرفيعةِ، والسَّمَاحَةِ في القولِ والفِعل؛ لِتَكونَ درساً تَستفيدُ مِنهُ في رمضانَ وفي سائِرِ شهورِ العام. وقدِ اِعتَنى سَلفُنا الصَّالح بِصَومِ الجَوارحِ عن المُحرَّماتِ اِعتناءَهمْ بِصَومِ الجِسْم عن المُفطِّرات؛ رُوي عن جابرِ بن عبدالله رضي الله عنهما قوله: "إذا صُمتَ فليصُم سمعُك وبصرُك ولسانُك عن المحارِم، ودَعْ عنك أذَى الجار، وليكُن عليك سكينةٌ ووقارٌ يومَ صومِك، ولا تجعلْ يومَ صومِك ويومَ فِطرك سواءً".

ويَقول ابنُ القيِّم رحمه الله تعالى: "الصَّومُ هو صَومُ الجَّوارحِ عنِ الآثَام، وصَومُ البَطنِ عن الشَّرابِ والطَّعام، فكَما أنَّ الطَّعامُ والشرابُ يَقطعُه ويُفسِدُه، فهَكذا الآثَامُ تَقْطَع ثوابَه وتُفسد ثَمرتَه، فَتُصَيِّره بمَنزلةِ مَنْ لَمْ يَصُمْ". ورُوي عن أحدِ الصالحين قوله: "لَيسَ الصَّومُ صَومَ جماعةٍ عن الطَّعام، وإنَّما الصَّومُ صَومُ الجَّوارحِ عنِ الآثام، وصَمْتُ اللِّسانِ عن فُضُولِ الكلام، وغَضُّ العَينِ عن النَّظَرِ إلى الحَرَام، وكَفُّ الكفِّ عن أخذِ الحُطَام، ومَنْعِ الأقْدَامِ عن قَبيحِ الإِقْدَام".

فحريٌّ بالمُسلِم أن يَحفظ صِيامَه عمَّا حرَّم الله مِن الأقوالِ والأفعالِ، وأن يَحرِصَ على صَونِه عن كلِّ ما يَجرحُه، ويُنقِصُ مِن أجْرِه، ويُخْرِجُهُ مِن هَيئَته، ولِنَأخذْ مِن مَدرسةِ الصِّيام زاداً يُعينُنَا على الصَّالِحاتِ بعدَ رمْضَان.
 

 

 عمر بن محمد عمر عبدالرحمن

  • 1
  • 0
  • 13,314

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً