آداب منسية في موائد رمضان

منذ 2013-08-03

لقد كان النبي صلى الله عليه سلم لا يَعيب شيئاً حتى عندما كان يُقدِّم إليه الضيفُ شيئاً من الطعام وهو لايُحبه يُعرض عنه دون أن يَشعر صاحب البيت بذلك، أما الآن فبِتبادلُ المَوائد تَبدأ التعليقاتُ والمُقارنات بل تَجد الأصدقاءَ يَتنافسوا .. مَن صاحبُ أفضلِ وليمة؟!

 

تتعدَّد مَوائد رمضان فيتبادلُها الأهل والأصحاب وقد أوصَانا النبي صلى الله عليه وسلم وأكرمَ و بشَّر من يُطعم الطعام بتلك البُشرى؛ فعن أبي مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفاً، يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا أَعَدَّهَا اللَّهُ لِمَنْ أَلَانَ الْكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَتَابَعَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ» [أخرجه ابن حبان].

وعندما سَأل أبو هريرة النبيَ صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أخبرني بشيءٍ إذا عَملته دخلتُ الجنة قال صلى الله عليه و سلم: «أَفْشِ السَّلامَ، وَأَطْعِمِ الطَّعَامَ، وَصِلِ الأَرْحَامَ، وَقُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلِ الْجَنَّةَ بِسَلامٍ» [صحيح ابن حبان].

ولكن على الرغم من قِيمة إطعام الطعام، وحب الكثيرين ورغبتهم في الفوز بالأجر؛ لكن هناك بعض الزُّوار يَنسون ما وَضحه الله تعالى في كتابه، حينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يَتأذى من طُول مُكوث الزُّوارِ عِنده بعد الانتهاء من الطعام، وكان صلى الله عليه وسلم يَستحيِّ بأن يُظهر لهم ولو بالإشارة مَيلهُ لِعدم مُكوثهم لكن الله تعالى ذَكره في كتابه وَ وضَّحه للزائرين حيث قال: {فَإِذَا طعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا} [الأحزاب:58] "أي تفرقوا ولا وتمكثوا"، وهذا التَّنبيه وإن كان من آداب زيارةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلَّا أنَّه أدبٌ مُهم في كلِّ حين، ومازِلنا نَجد من هذه نَماذج سِلبيِّة كثيرة الآن فعند الدعوة لتناولِ الطعام إمَّا يَتعجل الضيفُ بالمجيءِ قبل وقته بساعاتٍ مِمَّا يَضيق نفسُ الدَّاعي وأهله ويُسبب لهم بَلبلة وضياعاً لأو?اتهم وعدم التَّركيز في تنظيم تلك المائدة، أو الجلوس بعدَ الانتهاءِ من الدَعوة للحديث والقيلِ والقال وذكر سِيرة الناس، و قد يكون أصحابُ الدعوة في تَعبٍ و جُهدٍ و يُريدون قِسطاً من الراحة ولكن استحياءُهم يَفرض عليهم مُواصلة الحديث مع هؤلاء الزُّوار.

غير ذلك تَجد من هؤلاءِ الزُّوار مع طُول مُدة الزيارة، حُبهم في التَّجول داخل المكان وَ وقوع نَظرهم على بعضِ ما يُسيءُ ويُؤذي صاحب البيت، ولا يَقف الأمرُعند ذلك؛ بل قد يَبدؤون بالمُزاح بإلقائهم بعض التعبيراتِ والتعليقات مِمَّا قد يُؤدي إلى ثَورة صاحبِ البيت على أهل بيته وتَقّلبِه عليهم كما يَتقلبُ الموجُ في الليلة العَتماءِ شديدةَ البرودةِ والبرق. لقد نَسيَ هؤلاء الضيوفْ أن يَتأدبوا بِأدب الإسلام ويكونون ضُيوفاً خِفافاً في لحظات ضيافتهم، بدلاً من أن تكون تلكَ اللحظات سببٌ سيءٍ في نفسِ صاحبِ البيت وأهله ..

لقد كان النبي صلى الله عليه سلم لا يَعيب شيئاً حتى عندما كان يُقدِّم إليه الضيفُ شيئاً من الطعام وهو لايُحبه يُعرض عنه دون أن يَشعر صاحب البيت بذلك، أما الآن فبِتبادلُ المَوائد تَبدأ التعليقاتُ والمُقارنات بل تَجد الأصدقاءَ يَتنافسوا .. مَن صاحبُ أفضلِ وليمة؟!

ليس ذلك الغرض من الوليمة أو الزيارة إنِّما الغرض منها تَوطيد العلاقاتِ وصِلةَ الأرحامِ والفوزُ برضىَ الرحمن ودخولَ الجنة بسلام.

وأدبٌ آخر نُريد أن نَتذكَّره ونُحاول تَطبيقه في هذا الشهر الكريم فقد وصانا به النبي صلى الله عليه وسلم فعن أبي ذر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا أَبَا ذَرٍّ،إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ» [أخرجه مسلم] .

فرمضان عِند الكثير يَعتبرونه شهر الطعام وتَزيد فيه الرَّوائحُ الشهيِّة وتَتفجَّج، فليس أقَّل مِن أن نَتفقد الجِيران مِمَّن يَكثر أطفالهم ونَتذكرهم من حينٍ لآخر ولو بالقليلِ مِمَّا صَنعنَاه، خصوصاً إذا كَانوا أهلَّ حاجةٍ.

من جَانب آخر؛ فقد عَلِمنا أن رمضان شهر الدعاء فهل فَكَّرنا في كَيف يَصلَ دُعاؤنا هذا إلى الله تعالى دون حواجزٍ ومعوقات؟

ألاَ تُحب أن تَكون مِمَّن إذا قال: "ياربّ، ياربّ"، قال الله تعالى: "لبيكَ عبدي، سلْ تُعطى؟!"

فأَطب مَطعمك تُجب دَعوتك لذلك لابُد علينا أن نُحاسب أنفسنا ونُطهِّر أَموالنا وطَعامُ أولادِنا من أيِّ مال حَرامٍ أو حتى شُبهةِ حُرمة، فَندعَ الرَّشوةِ والرَّبا ونُخرِجَ زكاةَ أموالنِا ونُحافظ على مَالَ اليتامى ونَردُ الأمَانات، ونَقضي الدَّين، ولا نَتكاسل في قضائه. ونَتركُ كلَّ ما ?َقف حائلاً بَينَنا وبَين خَالقِنا لِقُبولِ دًعائنا فَحِيئذٍ نَرفعُ أيدينا للسَّماء في ذلك الشهر راجينَ الصَّفحَ والغُفرانِ بدعوةٍ خالصةٍ نقيةٍ تصلُ إليه سُبحانه فتَعرجُ إليه صَاعدةً فَيتقبَّلها ربُنا بِقبولٍ حَسن.

إنه كِتابُ الله تعالى الذي عَلَّمَنا وسُنَّةُ نبيهِ صلى الله عليه وسلم تَشهد وتُوضح لنا كيف نَسير وهيَ تَحثُ على أن نُخّلِصَ العِبادةِ له سُبحانه وتعالى ونَتمسّك بِكلِ ما جاءَ عنه صلى الله عليه وسلم كما قال ربنا: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]، ولِنُذكَّرَ أنفُسِنا منها ما نَسينا ونُذكِّر غَيرنا ولِنتذكَّر قوله صلى الله عليه وسلم لبلال بن الحارث: «مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي قَدْ أُمِيتَتْ بَعْدِي فَإِنَّ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلَ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا» [رواه الترمذي].

وأخيراً وأَدبٌ آخر كُنَّا نَتعهَّدُه ولكِنَّنا قد نَنسَاه؛ ففي رمضان ومع زِيادة المَوائدِ والدعوات قد يَكْثُر لُغطنا وسَقطاتُ حديثنا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ» [رواه الترمذي والحاكم].

إنِّها آدابٌ عَلّمَنا إيِّاها الحبيبُ صلى الله عليه وسلم.. وَيَا فَوزنا إذا نَحنُ نَفذّناَها.
 

 

أميمة الجابر

 

  • 0
  • 0
  • 2,076

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً