يا فوز من عسّله الله

منذ 2013-08-05

من إكرام الله تعالى وتوفيقه إلهامه العبد من عباده التزود من الطاعات وأعمال الخير قبل موته ووفاته، وذلك من علامات حسن الخاتمة: أن يوفق العبد قبل موته للابتعاد عما يغضب الرب سبحانه، والتوبة من الذنوب والمعاصي، والإقبال على الطاعات وأعمال الخير، ثم يكون موته بعد ذلك على هذه الحال الحسنة.

 

من إكرام الله تعالى وتوفيقه إلهامه العبد من عباده التزود من الطاعات وأعمال الخير قبل موته ووفاته، وذلك من علامات حسن الخاتمة: أن يوفق العبد قبل موته للابتعاد عما يغضب الرب سبحانه، والتوبة من الذنوب والمعاصي، والإقبال على الطاعات وأعمال الخير، ثم يكون موته بعد ذلك على هذه الحال الحسنة.

وما يدل على هذا المعنى الحديث الذي بين أيدينا، قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عز وجل بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَلَهُ» قِيلَ: وَمَا عَسَلُهُ؟ قَالَ: «يَفْتَحُ اللَّهُ عز وجل لَهُ عَمَلًا صَالِحًا قَبْلَ مَوْتِهِ، ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ» (مسند الإمام أحمد، حديث رقم: 17438، وصححه الألباني في صحيح الجامع).

وفي رواية أخرى عند أحمد مرفوعاً: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ» قَالُوا: وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ؟ قَالَ: «يُوَفِّقُه? لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ مَوْتِه» (مسند الإمام أحمد، وإسناده متصل، رجاله ثقات، على شرط الشيخين: البخاري ومسلم).

وفي طرف آخر: حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ، قَالَا: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنِي بَحِيرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، حَدَّثَنَا جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ، أَنَّ عُمَرَ الْجُمَعِيّ حَدَّثَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ» فَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: مَا اسْتَعْمَلَهُ؟ قَالَ: «يَهْدِيهِ اللَّهُ عز وجل إِلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ قَبْلَ مَوْتِهِ، ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَى ذَلِكَ» (مسند الإمام أحمد، حديث رقم: 16884).

وطرف آخر مرفوع: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَ صلى الله عليه وسلم يقول: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ» قِيلَ: وَمَا اسْتَعْمَلَهُ؟ قَالَ: «يُفْتَحُ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ بَيْنَ يَدَيْ مَوْتِهِ حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ مَنْ حَوْلَهُ» (مسند الإمام أحمد، حديث رقم21387، وصححه الألباني في صحيح الترغيب).

والحديث من جوامع كلم النبي محمد صلى الله عليه وسلم جمع معاني عظيمة، وبرنامج حياة للقلوب المتعلقة بمحبة الله تعالى والعمل من أجل هذا الدين، ولرفعة الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس.

فقد شبه الرسول صلى الله عليه وسلم ما رزق الله العبد من العمل الصالح قبل الموت، بالعسل الذي هو الطعام الصالح الذي يحلو به كل شيء، أَي جَعَل له من العمل الصالح ثناء طَيِّباً، شَبَّه ما رَزَقَه اللهُ من العمل الصالح الذي طاب به ذِكْرُه بين قومه بالعَسَل الذي يُجْعَل في الطعام فَيَحْلَوْ لي به ويَطِيب، وهذا مَثَلٌ من وفَّقَه الله لعمل صالح يُتْحِفه كما يُتْحِف الرجل أَخاه إِذا أَطعمه العَسَل، والعرب اعتادت أن تسمي ما تستحليه بالعسل.

 

قد مات قومٌ وما ماتت مَكارِمُهُمْ *** وعاش قومٌ وهمْ في الناس أمواتُ

جاء في النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير: 3/237، تحت كلمة عسل: فيه: «إذا أراد الله بعبد خيرًا عسله» قيل: يا رسول الله، وما عسله؟ قال: «يفتح له عملا صالحًا بين يدي موته حتى يرضى عنه من حوله».
والعسل: طيب الثناء، مأخوذ من العسل، يقال: "عسل الطعام يعسله" إذا جعل فيه العسل، شبه ما رزقه الله تعالى من العمل الصالح الذي طاب به ذكره بين قومه بالعسل، الذي يجعل في الطعام فيحلو به ويطيب.

ومنه الحديث: «إذا أراد الله بعبد خيرًا عسله في الناس» أي: طيب ثناءه فيهم، وفيه: أنه قال لامرأة رفاعة القرظي: «حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» (صحيح البخاري: الصفحة أو الرقم: 2639 :خلاصة حكم المحدث: صحيح). شبه لذة الجماع بذوق العسل فاستعار لها ذوقًا، وإنما أنث لأنه أراد قطعة من العسل، وقيل: "على إعطائها معنى النطفة" وقيل: العسل في الأصل يذكر ويؤنث" فمن صغره مؤنثًا قال: "عسيلة" كقويسة، وشميسة، وإنما صغره إشارة إلى القدر القليل الذي يحصل به الحل.

قال المناوي في (فيض القدير): "«إذا أراد اللـه بعبد خيراً عسلـه» بفتح العين والسين المهملتين تشدّد وتخفف أي: طيب ثناءه بين الناس، من عسل الطعام يعسلـه إذا جعل فيه العسل، ذكره الزمخشري. قيل -أي قالوا-: يا رسول اللـه وما عسلـه؟ أي: ما معناه. قال: «يفتح لـه عملاً صالحاً قبل موته ثم يقبضه عليه» فهذا من كلام الراوي لا المصطفى، شبّه ما رزقه اللـه من العمل الصالح الذي طاب ذكره وفاح نشره، بالعسل الذي هو الطعام الصالح الذي يحلو به كل شيء ويصلح كل ما خالطه" ذكره الزمخشري.

وجاء في (تهذيب اللغة) ومعنى قوله: "«إذا أراد الله بعبد خيرا عسله» أي طيَّب ثناءه، وقال غيره: معنى قوله: «عسله» أي جعل له من العمل الصالح ثناءً طيبًا كالعسل، كما يُعسل الطعام إذا جُعل فيه العسل، يقال: عسلت الطعام والسويق أعْسِله وأعسُله إذا جعلت فيه عسلا وطيَّبته وحليَّته، ويقال أيضاً: عسلت الرجل، إذا جعلت أُدمه العسل، وعسّلت القوم -بالتشديد- إذا زوّدتهم العسل".

وجارية معسولة الكلام، إذا كانت حُلْوة المنطق مليحة اللفظ طيّبة النغمة، والعُسُل: الرجال الصالحون. قال: "وهو جمع عاسل وعَسُول" قال: "وهو ممَّا جاء على لفظ فاعل وهو مفعول به". قلت: كأنه أراد: رجل عاسل ذو عسل، ?ي ذو عمل صالح الثناء عليه به، مستحلى كالعسل.

وفي مقاييس اللغة: 4/ 256، في الحديث: "«إذا أراد الله بعبدٍ خيراً عَسَلَه» ومعناه طيَّبَ ذِكرَه وحلاَّهُ في قلوب النّاس بالصَّالح من العمل".
من قولك: عَسَلْتُ الطَّعامَ، أي جعلت فيه عَسلاً، وفلانٌ معسول الخُلُق، أي طيِّبه. وعَسَلْتُ فلانًا: جَعلت زادَه العسل. ومن التصحيفات أن تكتب: غسله.

فوائد من الحديث:
1. المسلم ذو همة عالية من التكليف حتى الممات، مهما اعترته عقبات الحياة، وتشويش الأعداء، وظلم الآخرين.
2. على المسلم أن يعمل لهذا الدين وأن يجدد العطاء، لأن أمتنا أمة تجديد لا أمة تبديد، وأمة إبداع لا أمة ابتداع، وأمة ابتكار لا أمة تكرار.
3. ومن هذا الحديث أخذ بعضهم عبارة الثناء: «{C}{C}عسلك الله{C}{C}» واعتادت العرب أن تسمي ما تستحليه: "بالعسل".
4. إلزام النفس بالعمل الصالح والتجديد بالأعمال التي تقرب إلى الله تعالى.
5. والعمل الصالح إن كان تعدى ينفع النفس إلى ما ينفع الآخرين كان أجره أعظم لأنه دال على الخير.

6. «{C}{C}إذا أراد الله بعبد خيرًا طهره قبل موته{C}{C}» قيل‏:‏ وما طهور العبد‏؟ قال‏: «{C}{C}عمل صالح يلهمه إياه حتى يقبضه عليه{C}{C}» (الراوي: أبو أمامة الباهلي المحدث: السيوطي - المصدر: الجامع الصغير - الصفحة أو الرقم: 382 خلاصة حكم المحدث: ضعيف).

7. إن من نعمة الله عليك حاجة الناس إليك.
8. أن يكون المسلم دائم السعي للخاتمة الطيبة، لأنه لا يعرف متى تقبض روحه.
9. على المسلم التوبة والإنابة قبل غلق الإجابة، فما زال الباب مفتوحًا، وأبواب الخير عظيمة فاجتهد بما ينفع نفسك والمسلمين.

10. لا تؤجل ولا تسوِّف إن أردت الفلاح وأردت تعسيل الله لك، فلا تركن إلى التسويف والأمل حتى يسبقه الأجل، واسأل نفسك كيف "أُعسل"؟ وأنت أدرى بنفسك من غيرك.

فيا فوز من عسله الله، ويا حسرة من كان كالحنظلة مرة المذاق كريهة الرائحة، فالحرص الحرص على تعسيل العبد لأعماله حتى يعسله الله، اللهم عسِّل أعمالنا، وافتح لنا عملاً صالحا قبل الممات، وارض عنا يا رب العالمين.

 

عيسى القدومي

 

  • 48
  • 2
  • 317,736

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً