هل يحتاج النهار إلى دليل؟!
إن كل هذه الأدلة الواقعية والمنطقية والاستخباراتية، تؤكد تورط ومسؤولية نظام بشار باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري، فلماذا كل هذه التردد والتلكؤ من المجتمع الدولي في محاسبته ومعاقبته؟
هناك بدهيات في حياة الناس في هذه العالم الذي نعيش فيه، اتفق العقلاء من البشر على كونها لا تحتاج إلى برهان، فهي واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، ومن شدة وضوحها لا تحتاج لدليل، وهي قضايا أولية يستند البشر إليها للبرهنة على قضايا أخرى، فهي أساس الاستدلال ولا تحتاج إلى استدلال، وهي كذلك المادة الخام الأولية للعقل البشري، فإذا ما احتاجت البدهيات والمسلمات إلى دليل وبرهان، فلن يكون هناك في الكون أي حقيقة أو معلومة.
ومن هذه البدهيات حسب الأدلة الواقعية العقلية والحسية والمنطقية: تورط ومسؤولية نظام بشار الأسد باستخدام السلاح الكيماوي ضد الشعب السوري وجيشه الحر في الغوطة بريف دمشق في 21 من أغسطس الجاري، وذلك استنادا لكثير من الأدلة والتقارير التي سنلقي عليها مزيدا من الضوء في هذا التقرير، ومن هذه الأدلة:
1- الواقع والمنطق يؤكد استخدام نظام بشار للكيماوي وليس غيره: فحسب كثير من المعطيات الواقعية على الأرض، يمكن الجزم باستحالة استخدام أي جهة أخرى للسلاح الكيماوي غير نظام الأسد، ومن هذه المعطيات:
- المعارضة السورية بما فيها الجيش السوري الحر والكتائب السورية المسلحة لا تملك هذا السلاح، كما لا تملك الوسائل المساعدة لاستخدامه، فهو سلاح خطير ومحظور دوليا، ويحتاج استعماله لمعدات كثيرة وخبراء وفنيون على مستوى عالٍ من التدريب والتأهيل.
- المناطق التي تم استهدافها بهذا السلاح الخطير تخضع تحت سيطرة المعارضة السورية وكتائب الجيش السوري الحر، فهل من الممكن أن يستهدف أي عاقل في الدنيا مناطقه بهذا السلاح المدمر الخطير كما يدعي النظام السوري؟؟!!
- معظم الشهداء من النساء والأطفال، كما أن هناك بعض مقاتلي المعارضة السورية قد استشهدوا هناك، مما يؤكد تورط النظام السوري بهذه المجزرة، الذي حاول جاهدا اقتحام هذه المنطقة دون جدوى، كما أن تورطه بالكثير من المجازر المشابهة على مدار عامين، وعدم تورعه عن قتل النساء والأطفال على مدار عامين، يثبت دون شك أنه النظام المختص بهذه المجازر البشعة في العالم.
2- من الأدلة والتقارير التي تؤكد مسؤولية نظام بشار عن هذه المجزرة المروعة، تقرير منظمة أطباء بلا حدود، ومركزها الرئيسي باريس، وقد نشرت صحيفة الإندبندنت البريطانية هذا التقرير، وقد أشارت فيه أن أعضاء المنظمة العاملين في سوريا استقبلوا 3600 مصاب بأعراض تسمم حادة، وقالت المنظمة إنها عالجت كثيرين منهم لكن 355 مصابا توفوا إذ لم يتمكن الأطباء من إنقاذهم. وتنقل الجريدة عن المنظمة الدولية: أنها استقبلت الحالات في 3 من المستشفيات التي تتعاون معها في العاصمة السورية دمشق، في الحادي والعشرين من هذا الشهر عندما قالت المعارضة السورية إن مقاتليها تعرضوا لهجوم بأسلحة كيميائية. وتقول الجريدة إن المعلومات التي تقدمها (منظمة أطباء بلا حدود) تمثل أدلة إدانة جديدة تؤكد استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، وذلك رغم أن التحقيقات في هذا الصدد التي يقوم بها فريق تابع للأمم المتحدة لم يقدم تقريرا محددا بعد للمنظمة الدولية.
3- التقارير الاستخباراتية الدولية، الأمريكية والتركية والفرنسية والبريطانية، وقد أكدت جميعا تورط نظام الأسد بهذه المجزرة ومسؤوليته عنها، وإذا كانت التقارير والتصريحات الغربية عادة ما تكون مشبوهة أو مريبة للمسلمين، فإن ورود ما يؤكدها من تصريحات عربية وإسلامية، إضافة للواقع المشاهد يزيل أي شك أو ريبة. وقد صرح وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو قائلا: إن المعلومات الاستخباراتية المتوفرة لديه تشير إلى استخدام الرئيس السوري بشار الأسد السلاح الكيماوي في هجوم الغوطة. وأضاف أوغلو بحسب ما نقلته وكالة (الأناضول) التركية للأنباء: معلوماتنا تشير إلى أن المعارضة السورية لا تملك مثل هذه الأسلحة المعقدة، وهناك تصريحات سعودية عربية أخرى في هذا الجانب.
ولعل من أهم هذه التقارير التي نشرت بعض التفاصيل عنها، تقرير الاستخبارات الأمريكية الأخير، والذي أشار له وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بالأمس، وصدر عن البيت الأبيض، ومن أهم ما جاء في هذا التقرير:
- قبل ثلاثة أيام من الهجوم: أجهزة الاستخبارات تشير إلى امتلاكها معلومات تشير إلى أن الفرق السورية المسؤولة عن الأسلحة الكيميائية، بمن فيهم أعضاء يعتقد أنهم متعاقدون مع مركز الأبحاث والدراسات العلمية السورية، كانوا يحضرون ذخائر كيميائية قبل الهجوم. وكان فريق سوري مكلف بالأسلحة الكيميائية موجودا في ضاحية عدرا بين 18 و21 آب/أغسطس، قرب منطقة يستخدمها النظام لمزج أسلحة كيميائية، بما في ذلك غاز السارين. وخلال الأيام الثلاثة التي سبقت الهجوم، جمع الأميركيون أدلة واردة من مصادر بشرية، من اعتراض مراسلات إلكترونية وصور أقمار اصطناعية تكشف التحضيرات. في 21 آب/أغسطس، كان عنصر في النظام السوري يتحضر لهجوم بالأسلحة الكيميائية في منطقة دمشق، خصوصا باستخدام أقنعة مقاومة للهجمات بالغاز.
- يوم الهجوم: تظهر صور ملتقطة عبر الأقمار الاصطناعية بأن النظام قام بإطلاق نار صاروخي ومدفعي في وقت مبكر من يوم الأربعاء 21 آب/أغسطس على أحياء عدة في دمشق يسيطر عليها مقاتلو المعارضة، ومصدر النيران أحياء يسيطر عليها النظام. بعد 90 دقيقة -بحسب التقرير- ظهرت أولى الأحاديث عن هجوم كيميائي على مواقع التواصل الاجتماعي، قرابة الساعة 02:30 صباحا بالتوقيت المحلي، وخلال الساعات الأربع المقبلة، تم تبادل آلاف الرسائل التي تصف المجزرة، كما شاهد الأميركيون 100 شريط فيديو تم تصويرها في 12 موقعا مختلفا، غالبيتها تظهر عددا كبيرا من الجثث التي تحمل آثارا جسدية متجانسة مع التعرض لعامل يسبب التسمم العصبي، وأشار هؤلاء الى أن المعارضة السورية لا تملك القدرة على تزوير كل هذه الأشرطة.
- الاتصالات التي تم اعتراضها: حيث تكشف الاستخبارات الأميركية أنها اعترضت اتصالات بين مسؤول رفيع المستوى على علم وثيق بالهجوم ويؤكد استخدام أسلحة كيميائية من جانب النظام. وهذا المسؤول أبدى قلقه من حصول مفتشي الأمم المتحدة الموجودين في العاصمة على أدلة بعد ظهر يوم الهجوم، (تلقينا معلومات تظهر أن الموظفين المكلفين بالأسلحة الكيميائية تلقوا الأمر بوقف عملياتهم). يحدد التقدير الأولي الأميركي الحصيلة عند 1429 قتيلا بينهم 426 طفلا، وهي أرقام ستتبدل حتما مع استمرار توارد المعلومات إلى الولايات المتحدة.
4- تقرير مفتشو الأمم المتحدة الذي غادر دمشق وبحوزته بعض الأدلة التي زودها الجيش السوري الحر له، والتي تؤكد -إن لم يتم التلاعب بها- مسؤولية بشار عن هذه الجريمة، بيد أن هذا التقرير لن يصدر قبل بضعة أيام وربما أسبوعين كما صرح الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.
إن كل هذه الأدلة الواقعية والمنطقية والاستخباراتية، تؤكد تورط ومسؤولية نظام بشار باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري، فلماذا كل هذه التردد والتلكؤ من المجتمع الدولي في محاسبته ومعاقبته؟؟!! لقد دخلت الولايات المتحدة الأمريكية العراق عام 2003م، لمجرد شبهات حول امتلاك نظام صدام حسين أسلحة الدمار الشامل، والتي لم تكن صحيحة، فما بالها اليوم مترددة بمعاقبة بشار، الذي ارتكب جريمة كيماوية نكراء أودت بحياة آلاف السوريين؟؟!!
24/10/1434 هـ
- التصنيف:
- المصدر: