الشباب الذي نريده اليوم

منذ 2013-09-02

يا شباب الإسلام، قد فُتح بابُ الترشيح، فهيا تسابقوا إلى العلا، وتنافسوا في جنة عرضُها السمواتُ والأرض، واختطوا لأنفسكم طريق المجد، فتالله ما ارتفع صوتُ الحادي يوماً لرفقة أولي صمم، ولا ارتفع الفلكُ الأعلى لغير أهل الشموخ والشمم... من منكم (يوسف) هذه الأيام الذي يضرب صدره في ثقة وشموخ قائلا: أنا لها..أنا لها؟.

 

الشبابُ مرحلةُ القوة والنشاط والطاقة والطموح الوهاج...

الشباب متعَلَّق آمال الأمة، وأبو المعجزات، هو مرحلةُ العطاء المثمر، وروضُ الإبداع المزهر، وبستانُ النضارة والفتوة، واللياقة والقوّة.


والشباب هو الذي يتمناه الصغيرُ، ويتحسّر على فراقه الكبيرُ، فتراه يقول في مرحلة الشيخوخة:


 

فيا ليت الشبابَ يعودُ يوماً *** فأُخبرَه بما فعل المشيبُ


وفيه يقول الإمام أحمد بنُ حنبل: "ما شبّهت الشباب إلا بشيء كان في كمي فسقط".

الشبابُ يذكّرنا بفتيةٍ أمنوا بربهم فزادهم هدىً، وبفتىً حطم أصنام الضلال بيده، وبنبيٍّ رأى برهانَ ربه فاعتصم عن الفحشاء، وبإنسانٍ آتاه الله الحكم صبيا...فأخذ كتاب ربه بقوة الشباب، وحكمة الشيوخ... وبشابٍ في الثامنة عشرة من عمره ولاه النبيّ صلى الله عليه وسلم أميراً.

ونحن إذا ما أردنا للأمة الرقيَّ في كافة مجلات الحياة فلنبدأ من الشباب فإن الشباب همُ عدةُ الأمة، وهم أملُ الحاضر، ورجال المستقبل، وسيكون منهم: القائدُ والحاكم، والوزير والقاضي والمعلم والعامل، والمربي لمن يأتي من الأجيال، إذاً فتربية الشباب ليست هينةً ولا سهلة، وإنما تحتاج إلى متابعة دقيقة من الآباء والمربين والمسؤولين، ومن الواجب أن يبدأ الآباءُ والمربون في إعداد الشباب منذ الطفولة، ويجب أن يستمر هذا الإعدادُ إلى أن يشتد عودُ الطفل، ويبلغَ مرحلة النضوج الفكري والعملي.

وينبغي على المربين أن يربوا الشبابَ على أساسٍ إسلامي خالصٍ من كل الشوائب، وأولُ ما يبدأ به هؤلاء: تربيةُ الشباب على القيم والعادات الإسلامية، وتحسينُ الإسلام في نفوسهم من خلال التاريخ المشرق منذ عهدِ الصحابة الكرام إلى الوقت الحاضر، وإلى ما يشاء الله تعالى (الشباب مشكلات وحلول، د: أحمد خليل جمعة، د ك عصام الشواف، ط: 1، 1425هـ، اليمامة، دمشق ص: 13).

وكلُّ شابٍّ منّا يريد أن يكون ناجحاً في حياته، وكثيراً ما يتساءل الناسً في مجتمعاتهم وندواتهم: من هو الشابُّ الناجحُ يا تُرى؟! إن الشاب الناجح هو الشابُّ الذي يثق بنفسه، وثقتُهُ هذه هي التي تجلب له الاحترام من الغير الذي يرنو إليه كلُّ شاب، ولا بد أيضاً من صحبة الأخيار من الأصدقاء، ويسلك السلوكَ الإسلاميَّ الرفيع بدفع الأذى بالإحسان، والمنعِ بالجود والعطاء...سلاحُهُ الإيمان، وعمادُه التوكل، وغذاؤُه المواظبةُ على القربات والطاعات، وأن يكون طموحُهُ وتطلعه إلى المثل العليا، فإن الشبابَ بلا طموح كشجرة لا تُزهر وبالتالي لا تُثمر (يا أولادي، د ك منير غندور، ط: 1، 1425، 2004م مكتبة الفارابي، ص: 218 - 119 بتصرف).

إننا لا نريد إلا شباباً طامحين، لا يرتضون إلا ذرى الجبال مطيةً لهم، وجسرَ التعب ليصلوا من خلاله إلى الراحة الكبرى، إلى رياض الخير والبركة، ونريدُ شباباً على طريق الهدى والتقى سائرين، وبنهج سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم مقتدين، ولا نريد شباباً ينطبق عليهم قول الشاعر:



 

شبابٌ قُنَّع لا خيرَ فيهم *** وبُورك في الشباب الطامحينا


نريد شاباً في ظل الله، من الذين قال فيهم سيدُنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم: «سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظلُّه:... شابٌّ نشأ في عبادة الله» (رواه البخاري).

والصحابة عندما أسلموا كانوا في مرحلة الشباب، ونحن عندما نرى أعمار بعضهم سوف نشعر بالعجب، فعثمانُ بن عفان كان في الرابعة والثلاثين من عمره، وعبدُ الرحمن بنُ عوف كان في الثلاثين، وسعدُ بن أبي وقاص كان في السابعة عشرة من عمره، والزبير بنُ العوام كان في الثانية عشرة من عمره، وطلحةُ بن عبيد الله كان في الثالثة عشرة من عمره (السيرة النبوية د: علي محمد الصلابي، ط: 1، 1423هـ،ج: 1 ص: 117).

ولا نعجب عندما نرى سيدنا أسامة بن زيدَ بنَ حارثة في الثامنة عشرة من عمره، وقد ولاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم على إمرة جيش فيه كبارُ الصحابة، وكان أولَ بعث يُتابع تنفيذُه في زمن سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه (انظر: الرحيق المختوم، المباركفوري، ط: 2، 1419هـ، ص: 529).

والشباب - كما هو معلوم - طاقةٌ كامنةٌ، ولكنها يجبُ أن تتفجرَ ينابيعَ قوّةٍ وعطاء ومحبة وإنتاج وفاعلية في المجتمع، وعندما يصلح الشبابُ تصلح الأمة، وعندما يفسدون تفسد.

فالشاعر وليد الأعظمي يطلب من الشباب عودة إلى تعاليم الإسلام، لأنهم روحه ويسود بهم يقول:



 

شبابَ الجيل للإسلام عودوا *** فأنتم روحُه وبكم يسود
وأنتم سرُّ نهضته قديماً *** وأنتم فجرُهُ الزّاهي الجديد
عليكم بالعقيدة فهي درعٌ *** نصون به كراماتنا حديدُ


(الزوابع، وليد الأعظمي، ص: 66).

كما نرى كثيراً من العلماء يوجّه نداءاتٍ إلى الشباب، ناصحاً لهم ومذكِّرا إياهم بعدم الوقوع في شَرَك الغرب وصيده، وهاهو الشيخ العالم الداعيةُ عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني في كتابه القيم (بصائر للمسلم المعاصر) يوجه نداءً رائعاً للشباب يقول فيه: "يا شبابَ الإسلام، ويا طلائع البناء الجديد، ويا حباتِ قلوب الأمة الإسلامية المجيدة، ليكنْ في علمكم أن دهاةَ الكيد العالمييّن قد بالغوا في الكلام على الصحوة الإسلامية في العالم الإسلامي، وهوّلوا أمرَها لهدفين:

1- ليورّطوا شباب الإسلام وطلائع البناء الجديد في رعوناتٍ تسحق هذه الصحوةَ، وتعيد المسلمين إلى سُباتهم.


2- وليدُقُّوا ناقوس الخطر في آذان دول العالم الغربي و سائر الدول التي تخشى عودة الإسلام إلى الظهور والقوة في الأرض، وظهورِ كيان الأمة الإسلامية الواحدة.

لا تغتروا بمن يخادعكم ليستدرجَكم، ولا يقودنَّكم أحداثُ الأحلام، ولا المراهقون في فهم الإسلام، ولا تعتبروا كلّ من يخالفكم في الرأي خصماً لكم، ولا كلَّ من يوافقكم في الرأي صديقاً لكم.

لا تشتروا الثمار على أشجارها قبل أن يبدوَ صلاحُها، فريحٌ باردةٌ أو شديدة تُسقطها وهي غيرُ صالحة للانتفاع بها... واتقوا الله في أعمالكم، إن الله مع المتقين" (بصائر للمسلم المعاصر، عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني، ط: 3، 1420هـ، 2000م دار القلم ص: 7 - 8 بتصرف).

"كما أننا بحاجة إلى أن نربيَ شبابنا تربيةً روحية، وليست تربيةً جسدية بدنية فحسب، فعندما تتم تربية الناشئين تربيةً روحية متكاملة تصفو أرواحهم، وتزكو نفوسهم وتستنير عقولهم، وتستقيم أخلاقهم، وتتطهر أبدانُهم، وذلك لارتباطهم الوثيقِ بربهم عزَّ وجل الذي يراقبهم في كل حركاتهم وسَكناتهم، ويشعرون بأنَّه معهم في كل وقت وفي كل مكان، فإن لم يكونوا يرونه فإنَّه يراهم، فيخافونه ويرجونه ويرهبونه ويطمعون في كرمه، ويتوكلون عليه، ويحسنون الظن به، ويثقون في عونه وهدايته وتوفيقه". (مسؤولية المثقف الإسلامي تجاه قضايا الإرهاب، د. عثمان بن صالح العامر ص:4).

كما أن الدكتور محمد فؤاد سزكين، وجّه كلمةً إلى الشباب المسلم قالها في اللقاء الرابع لمنظمة الندوة العالمية للشباب الإسلامي في الرياض، سنة 1399 هـ، منها: "أيها الشابُّ المسلم، لو درست تاريخَ الحضارة لهذه الأمة في قرونها الأولى لرأيت كيف أصبح الدينُ الذي جاء نظاماً إلهياً لتنظيم البشرية وإصلاحها بعد فترة قصيرة من ظهوره مصحوباً بالعلم، إذ حكم العلمُ في قصور الحكام، وتحكَّم في خطب الخطباء، ومواعظ الوعّاظ، ولرأيت كيف كانت المساجد مراكز للعلوم ولطلب العلم (صفحات من صبر العلماء، عبد الفتاح أبو غدة ط: 9، 1430 - 2009، ص: 356-357).

"فيا شباب الإسلام، قد فُتح بابُ الترشيح، فهيا تسابقوا إلى العلا، وتنافسوا في جنة عرضُها السمواتُ والأرض، واختطوا لأنفسكم طريق المجد، فتالله ما ارتفع صوتُ الحادي يوماً لرفقة أولي صمم، ولا ارتفع الفلكُ الأعلى لغير أهل الشموخ والشمم... من منكم (يوسف) هذه الأيام الذي يضرب صدره في ثقة وشموخ قائلا: أنا لها..أنا لها؟". (علو الهمة، محمد أحمد إسماعيل المقدم و ص: 413 - 414).

فعلى شبابنا الذين نريدهم اليوم، أن يقتدوا بشباب الصحابة رضي الله عنهم، ويسيروا على نهجهم، ويهتدوا بهديهم، عملاً وسلوكاً وحياةً وكفاحاً... حتى تشرقَ شمسُ عزّتنا وكرامتنا من جديد.


 

  • 7
  • 0
  • 10,052

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً