مكر اليهود بالقدس والأقصى
اليوم وفي ظل انقسام السلطة الفلسطينية في الداخل، وانشغال العالم العربي والإسلامي لما يجري في كل من سوريا ومصر وتونس وليبيا وغيرها من الدول العربية، فقد أطلق اليهود لأنفسهم وأحلامهم الشيطانية في القدس والأقصى العنان.
منذ احتلال اليهود للجزء الغربي من مدينة القدس عام 1948م، ثم احتلال الجزء الشرقي من المدينة عام 1967م، ومحاولات تهويد المدينة المقدسة لم تتوقف، والانتهاكات الجسيمة بالمسجد الأقصى لم تهدأ، في سعي يهودي دؤوب على تغيير الملامح العربية الإسلامية للمدينة، ومسح تاريخها وتراثها ذو الصبغة الإسلامية الصرفة، وإحلال الصبغة اليهودية المزيفة على المدينة ومسجدها، من خلال ممارسات التهويد الممنهجة، والتي طالت الإنسان والتاريخ والتراث، ووصلت إلى حد تغيير معالِم الحجر والشجر والمقدسات.
لم تكن هذه الممارسات بعيدة عن أعين الإعلام، ولم تكن تعمل بالخفاء، وليست وليدة يوم أو شهر أو سنة؛ ولكنها كانت على أي حال تواجه ببعض الانتقادات والتنديدات العربية الخجولة، كما أنها كانت تواجه بدعم عربي إسلامي واسع للمرابطين والمجاهدين في القدس المحتلة والمسجد الأقصى، وللجمعيات والمؤسسات والتنظيمات العاملة هناك.
أما اليوم وفي ظل انقسام السلطة الفلسطينية في الداخل، وانشغال العالم العربي والإسلامي لما يجري في كل من سوريا ومصر وتونس وليبيا وغيرها من الدول العربية، فقد أطلق اليهود لأنفسهم وأحلامهم الشيطانية في القدس والأقصى العنان، و استغلوا واستثمروا المفاوضات التي يجرونها مع السلطة الفلسطينية في رام الله، وكذلك انشغال العرب والمسلمين بمشكلاتهم الداخلية، بزيادة الانتهاكات الجسيمة الممنهجة، وتسريع وتيرة عمليات التهويد للمدينة المقدسة ومسجدها الأقصى، للوصول إلى الهدف المنشود، بجعل القدس والأقصى يهودية المعالم والمبنى.
وقد شملت هذه الانتهاكات المدينة المقدسة (القدس) ومسجدها الأقصى المبارك، والشخصيات والقيادات الفاعلة في مدينة القدس، والتي تقف بالمرصاد في وجه جرائم واعتداءات الاحتلال بحق القدس والأقصى.
1- أما بالنسبة لمدينة القدس بشكل عام؛ فقد قالت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا: "إن مدينة القدس تتعرّض لعملية تهويد منهجية، في ظل صمتٍ كامل من المجتمع الدولي، وعلى مرأى ومسمع من الإنسانية جمعاء".
وأضافت المنظمة في بيان لها يوم الثلاثاء 3/9/2013م: "إن سلطات الاحتلال تقوم بهدم المنازل وتشريد سكانها من نساء وأطفال ورجال، دون أي اعتبار لكل المواثيق والقوانين الدولية، كما تقوم سلطات الاحتلال بتوسيع المستوطنات في القدس وجلب المزيد من المستوطنين لإضفاء صبغة يهودية كاملة على المدينة".
وفي قرية صموئيل العربية التي تقع في قضاء مدينة القدس، حوّلت سلطات الاحتلال مسجد القرية التاريخي المعروف (بمسجد صموئيل) إلى منطقة عسكرية، في عملية تهويد مستمر لتلك القرية، بعد أن سيطرت واستولت عليه، كما استولت على موجوداته الأثرية التي يعود تاريخها إلى الحقبة اليبوسية، وغير ذلك من الانتهاكات الصارخة، ومحاولات التهويد المستمرة للمدينة المقدسة.
2- وأما المسجد الأقصى فهو بيت القصيد ومحل نظر اليهود منذ دخولهم مدينة القدس، فلم تتوقف يوماً محاولات تهويده، من خلال الحفريات التي تجري على قدمٍ وساق، في محاولة لهدمه وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه، كما لم يتوقف يوماً اقتحامه من قبل المستوطنين.
أما الاقتحامات فهو حدثٌ شبهُ يومي، وقد وثّقت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث آخر تلك الاقتحامات وهي:
• اقتحام 65 مستوطناً يهودياً صباح الأحد (1/9/2013م) المسجد الأقصى بصحبة بعض الحاخامات من جهة باب المغاربة، وسط حراسة أمنية مشددة، حسب المنسق الإعلامي للمؤسسة محمود أبو العطا.
• اقتحمام العشرات من المتطرفين اليهود باحة المسجد الأقصى الشريف صباح أمس الثلاثاء، تحت مُسمّى السياحة الأجنبية.
• إعلان بعض الجمعيات اليهودية المتطرفة نيتها اقتحام المسجد الأقصى يوم الأربعاء (5/9/2013م) لإدخال حجر الأساس لبناء الهيكل المزعوم، ولأداء ما يُسمّى بطقوس عيد رأس السنة العبرية الجديدة، كما سيتبعه سلسلة اقتحامات في الفترة بين (19-25) من الشهر الحالي، تزامناً مع ما يُسمّى (عيد الغفران) و(عيد العُرَش) بمرافقة عدد من الحاخامات وأعضاء الكنيست ووزراء من جانب اليمين اليهودى المتطرف.
وفي محاولة للوقوف في وجه هذه الاقتحامات والانتهاكات، دعت الحركة الإسلامية في الداخل الفسلطيني ومؤسسة الأقصى للوقف والتراث للمشاركة اليوم (الأربعاء) (بيوم النفير) تحت شعار (قادمون ياقدس.. قادمون يا أقصى)، معتبرة المشاركة فيه نوعاً من أنواع الرباط ومواجهة انتهاكات الاحتلال.
وأما الحفريات التي تتم تحت المسجد الأقصى في محاولة لهدمه وبناء الهيكل اليهودي المزعوم على أنقاضه، فلم تتوقف في أيام هدوء واستقرار الأنظمة العربية التي تشهد اليوم ثورات ومواجهات، فكيف بها الآن في ظل انشغال عربي وإسلامي كبير عما يجري في القدس والأقصى؟!
لقد زادت وتيرة العمل بالحفريات بشكلٍ لافت، ووثّقت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث الكثير من الانتهاكات الجسيمة بحق المسجد الأقصى، لعل من أهمها حديثا:
• بيان المنظمة العربية لحقوق الإنسان يوم الثلاثاء (3/9)، الذي أكد على مسلسل التهويد والتسريع في مخطط بناء ما يُسمَّى الهيكل، من خلال تنشيط بلدية الاحتلال لأعمال الحفر أسفل المسجد الأقصى، مما أدّى إلى حدوث انهيارات خطيرة في أماكن مختلفة، كما أكد على قيام سلطات الاحتلال ببناء كنس يهودية أحاطت المسجد الأقصى من كل جانب، وهناك مخطط لبناء كنيس في ساحات المسجد الأقصى عند مدخل المصلى المرواني في الجهة الجنوبية الشرقية من المسجد الأقصى.
• كما كشفت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث، قيام أذرع الاحتلال الاسرائيلي وفي مقدمتها ما يُسمّى (بسلطة الآثار الاسرائيلة) بحفريات جديدة معمّقة أسفل المسجد الأقصى، تكشّف عنها وجود نفقان جديدان، وحذَّرت مؤسسة الأقصى من المخاطر الناجمة عن هذه الحفريات، مشيرة إلى أنها تكشف أساسات المسجد الأقصى وجداره الغربي.
3- انتهاكات طالت قيادات وشخصيات فاعلة في مدينة القدس، ومقاومة لأعمال التهويد هناك، كأمثال الشيخ رائد صلاح، الذي تم اعتقاله يوم الثلاثاء الموافق (3/9/2013م)؛ من قِبَل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، بتهمة إثارة أعمال الشغب في القدس والأقصى، في إشارة إلى يوم انعقاد مؤتمر صحفي دعت إليه القوى الوطنية والإسلامية في بيت المقدس، كان الشيخ رائد صلاح مشارِكاً فيه وفي طريقه إليه، وعشية يوم النفير للأقصى الذي دعت إليه الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني.
ورغم استنكار القوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية، ممثلة بكتلة التغيير والإصلاح البرلمانية، والشيخ عكرمة صبري رئيس الهيئة الإسلامية العليا، والشيخ كمال الخطيب نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، وتجمع النقابات المهنية الفلسطينية، لهذا الاعتقال ووصفه بالجريمة الصهيونية التي تستهدف رموز الشعب الفلسطيني وقياداته، لإسكات الأصوات المدافعة عن الأقصى والمقدسات، إلا أن ذلك لم يُغيِّر من حقيقة الوهن الذي يعاني منه الجسد العربي والإسلامي المتفرِّق المتشرِّذم، في مواجهة الاحتلال اليهودي المتغطرس المتجبِّر.
إن أولى خطوات الحلول العملية لكل قضايا المسلمين المصيرية، وعلى رأسها وفي أولويتها قضية القدس والمسجد الأقصى، تتمثّل في وحدة هذه الأمة على كتاب ربها وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ونبذ الخلافات الجزئية الجانبية، وتحييد الأهواء والمصالح الضيقة والشخصية.
لقد كانت بدايات عودة القدس والأقصى للمسلمين في عهد عماد الدين ونور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي هي توحيد مصر والشام، وجعلهما رأس حربة المسلمين في مواجهة عدوهم المشترك اليهود وإسرائيل، وقد قدَّموا وبذلوا من أجل هذه الوحدة الغالي والنفيس، وبإخلاص منقطع النظير، وقد وفقهم الله تعالى وكلَّل عملهم بالنجاح في نهاية المطاف.
فهل يمكن أن يُعيد التاريخ نفسه؟
عامر الهوشان
- التصنيف:
- المصدر: