ميزانية أسرتكِ؛ كيف تديرينها بجدارة؟

منذ 2013-09-11

الأسرة تلك المؤسسة الصغيرة المهمة التي على الرغم من صغرها ما زالت هي أهم المؤسسات في المجتمع، ولاعتبار الأسرة مؤسسة لا بد من امتلاكها كيان إداري له أهداف وخطط يُدير ذلك الصرح الصغير..


بسم الله الرحمن الرحيم

الأسرة تلك المؤسسة الصغيرة المهمة التي على الرغم من صغرها ما زالت هي أهم المؤسسات في المجتمع، ولاعتبار الأسرة مؤسسة لا بد من امتلاكها كيان إداري له أهداف وخطط يُدير ذلك الصرح الصغير. ومن أهم الإدارات الداخلية لهذا الكيان هي الإدارة المالية، إذ المال عصب الحياة وبه نحقق رغباتنا واستمرارية المعيشة. ونظرًا لظروف الحياة العصرية المعقدة؛ فغالبًا ما نجد دخل الأسرة لا يكفي لتمويل ذلك الصرح لتحقيق أهدافه وطموحاته، ومن ثم كان لازمًا وضع تصور بناء لإدارة المال في الأُسَر عمومًا، يسير بها في حدِّ الاعتدال ولا تنجرف صوب الإفراط أو التفريط.

المصارحة فيما بينكما بخصوص الأمور المادية تستطيع تأمين علاقتكما ومستقبلكما المالي معًا، وهذا بالطبع يشمل حقيقة دخل الزوج أو الزوجة إن كانت تعمل، وأوجه الإنفاق المختلفة، والمدخرات... وهكذا.

من واقع الدراسات المسحية تبيّن أن الرجال أقدر على إدارة الأمور المالية الأساسية للأسرة، ويُشكِّل عدد الرجال الذين يضطلعون بمسؤولية ميزانية المنزل ضِعف عدد النساء اللواتي يقمن بالدور ذاته، أما المسئولون عن استثمار أموال الأسرة فيُشكِّلون ثلاثة أضعاف النساء اللاتي يَقمن بهذه المهمة. فلماذا لا نوزِّع الأدوار داخل الأسرة؟ ولماذا لا يتشارك الزوجان مسئولية الميزانية؟ خاصةً وأن نفس الدراسات تؤكد أن معظم الأزواج 67% يتخذون القرارات معًا كفريق، ولكن كل حسب موقعه التقليدي.

توحيد مصدر الصرف في الأسرة مسألة في غاية الأهمية، فإما أن يكون الزوج أو أن تكون الزوجة، حتى لا تحدث تشتت في الإنفاق بتكرار شراء أشياء قد لا يتم الاتفاق عليها مسبقًا، أو لا تحتاج الأسرة إليها في الوقت الحالي، بما يؤدي إلي هدر في الميزانية لا داعي له إطلاقاً.

من المهم مراقبة الميزانية من وقتٍ لآخر، ولا نتركها لآخر الشهر أو السنة، وهذا يفيد جدًا في اكتشاف الأخطاء أولًا بأول، وسرعة تداركها وتلافي الوقوع في كوارث مادية مفاجئة.

لابد أن تتعاملي مع التخطيط والميزانيات بأسلوب مرن، تحسباً للظروف الطارئة التي قد تحتاج إليها الأسرة على غير المتوقع، فتكونين مستعدة لذلك؛ بحيث تجعلي الميزانية تستوعب أي مستجدات مفاجئة.

رضا الناس غاية لا تدرك والأفضل هي القناعة الشخصية، فلابد أن يكون كل أفراد الأسرة على قناعة أنهم يعيشون لأنفسهم وليس من أجل ما يقوله الناس، وبالتالي فهم الذين يحددون احتياجاتهم ونفقاتهم دون أن يخضعوا لضغوط اجتماعية أو حمّى المظاهر، الأمر الذي قد يضطرهم إلى الاستدانة والوقوع في براثن القروض.

ابتكري طرقًا جديدة لحل الأزمات المالية: كحذف بعض الكماليات في سبيل الحصول على الضروريات. الاقتصاد في البرامج الترفيهية للأسرة مؤقتًا حتى تمر الأزمة بسلام. إعادة استعمال بعض الأشياء القديمة بعد تجديدها وإصلاحها. الشراء من محلات الجملة والأوكازيونات ابتغاء الأسعار المخفضة. ولا ننسى دور البحث عن وسائل التوفير لنفقات الطعام من خلال أصناف اقتصادية تعدينها في المنزل. أو من خلال مكملات تقومين بتخزينها طيلة أيام العام.

ادخري المال واستغني عن ذُلّ السؤال: فعلى الزوجة أن تتبنى أسلوبًا مبتكرًا للتوفير من الإيرادات حتى تكون الميزانية قوية، فتحاول استغلال فترات انخفاض الإنفاق في التركيز على رفع المدخرات، مثل: أوقات انتهاء العام الدراسي، غياب أحد أفراد الأسرة في سفر، فترات الخروج من الأعياد والمناسبات، الفترات بين أوقات تسديد الفواتير المستحقة... وهكذا. ويمكن أن تقتطعي مبلغًا معيناً من الإيراد وتدخليه في حساب مُعيّن لا يمس وكأنه مصروف ثابت شهري لكنه يكون للتوفير.

في بداية الزواج يكون الادخار أسهل من أي وقتٍ آخر خلال رحلة الحياة الزوجية ؛ وذلك لعدة أسباب منها أن عدد أفراد الأسرة الجديدة صغير، وبالتالي فإن مصروفاتهم اليومية بسيطة. عدم احتياج عش الزوجية لصيانة مكلفة ولا للتجديد، فالشباب في الغالب يبدؤون حياتهم الزوجية بعد شراء كل احتياجاتهم الأساسية من ملابس وأجهزة كهربائية وأثاث، وبالتالي فإن الشباب المتزوج حديثًا عليه أن يتحمّل مسئولية حياته المستقلة منذ اليوم الأول، وعليهم الادخار استعداداً لطفلٍ يُنعِم به الله عليهم أو أي التزامات أخرى قد تطرأ.

العمل على تنمية وتطوير دخل الأسرة وما في حوزتها من أموال والمحافظة عليها وما يتعلق باستثمارها. وهذه العناية بالميزانية تتطلب معرفة الوالدين بالخطط المستقبلية للعائلة، والأهداف التي يسعيان إلى تحقيقها، حتى يستطيعا أن يدّخرا من المصروف ما يُلبِّي حاجات الأسرة المستقبلية من بناء بيتٍ وزواج أولاد والمصاريف الصحية عند الكبر وغير ذلك. وبعبارة أخرى: لابد من وجود هدف استراتجيي طويل الأجل تسعى الأسرة لتحقيقه، بجانب مجموعة من الأهداف الفرعية التي ترتبط بمراحل الحياة الاجتماعية للأسرة.

إشراك الأبناء في إدارة ميزانية الأسرة فرصة تربوية رائعة يتعلمون من خلالها كيف يتصرفون في توزيع دخل الأسرة على أوجه الإنفاق المختلفة، وكيف يمكن اختصار بعض أوجه الإنفاق لتدبير ما يمكن إنفاقه على أحد أبواب الإنفاق التي تزدهر في بعض الشهور دون أخر.


هذه التجربة في إدارة ميزانية الأسرة لن تجعلهم يطلبون منا مطلبًا لا تستطيع الميزانية أن تتحمله؛ لأنه في هذه الحالة سيكونون أول من يعلم حدود طلباتهم التي يمكن أن تلبيها الإمكانية المادية الحقيقية للأسرة، فلا يطلبون ما هو أكثر، بل ربما يقترحون أن يستغنون عن بعض طلباتهم من أجل الآخرين (أخيه أو أخته)، أو من أجل أن تبدو الأسرة ككل بمظهر لائق إذا فوجئت بموقف لم يكن في الحسبان، وبذلك يتعلموا شيئاً جديداً هو (الإيثار).

هذا بالإضافة إلى أنهم يتعلموا مهارة حلّ الأزمات والتفكير في الخروج منها، وعدم التقوقع فيها، أو اللجوء إلى الغير لحلها، ولا يصبح الاقتراض هو الطريق السهل أو التلقائي لحل أزماتهم المالية، كما يتدرَّب الأبناء على كيفية إدارة ميزانية الأسرة، التي عادة ما يُفاجَئون بالقيام بها دون تدريبٍ مسبق عند بداية الزواج.

الإنفاق كما يكون له هدف في الدنيا من تحقيق السعادة للإنسان، يكون أيضاً للسعادة في الآخرة بدخول الجنة إن شاء الله تعالى، فلا بد من إخراج الحق الواجب من الزكاة على مدخرات الأسرة، والإنفاق في وجوه البر المختلفة.


ففي المال حق سوى الزكاة، والإنفاق في الخير من أعظم وسائل بركة المدخرات للحديث القدسي الجليل «أنفق يا ابن آدم أُنفق عليك» (رواه البخاري)، كما أن الإنفاق الخيري لا يقتصر على الفرد نفسه بل يشمل النفقة على الأقارب وأفراد الأسرة وأفراد المجتمع المحتاجين حسب قدرة كل فرد وإمكانياته المالية، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا» يقول: «فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك» (رواه مسلم).

وقوله صلى الله عليه وسلم: «دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك» (رواه مسلم).

ويقول ابن عمر رضي الله عنهما: "أربع من فعلهن فقد بريء من البخل: من آتى الزكاة، وقرى الضيف، ووصل الرحم، وأعطى في النائبة" وعلَّق على ذلك ابن تيمية بقوله: "من ترك أحد هذه الأربعة فهو بخيل".

الدَّين همّ بالليل مذلة بالنهار؛ فالاستدانة وإن بدت حلًا سهلاً لأزماتنا المالية، إلا أنها قد تتحوّل إلى مرضٍ مزمن، وشبحٍ مرعب قد لا نستطيع التخلص منه، والعلاج يكون بأن نفكر ابتداءً كيف نَخرج من المأزق المالي في حدود إمكانياتنا دون اللجوء للاستدانة.


 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

خالد سعد النجار

كاتب وباحث مصري متميز

  • 3
  • 0
  • 7,371

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً