اليونان؛ الربا الذي قصم ظهر البعير! (2)

منذ 2013-10-03

حكاية ماركوس لم تنته بعد؛ بل يبدو ألا نهاية لها، ويبدو أن ماركوس نفسه هو نموذج للكثير ممن ساروا على نفس النهج تماماً، فاليونان ما هي إلا نموذج من نماذج الفقاعات الرأسمالية التي سيتوالى انفجارها تباعاً.


حكاية ماركوس لم تنته بعد؛ بل يبدو ألا نهاية لها، ويبدو أن ماركوس نفسه هو نموذج للكثير ممن ساروا على نفس النهج تماماً، فاليونان ما هي إلا نموذج من نماذج الفقاعات الرأسمالية التي سيتوالى انفجارها تباعاً.

منذ أن وقّعت اتفاقية ماسترخت في مطلع التسعينات من القرن الماضي وهناك خطوط واضحة لشروط وطريقة الإنضمام للاتحاد الأوروبي، ولكن ما لم يدر بخلد هؤلاء وضع قواعد الخروج من هذا الاتحاد! إذ لم يكن من المتصور لديهم وقتها مناقشة خروج أي عضو من هذا الاتحاد، ولكن ما فعلته الأزمة اليونانية تسبب في أكبر هزةٍ لكيان القارة العجوز، ولاتحادها الذي يحمل عملة تكبُر في قيمتها عملة الولايات المتحدة الأمريكية، مما تسبب للدول المتضررة وغير المتضررة كذلك لأن تفكر جدياً بالانسحاب الآمن من هذا النادي بأقل الخسائر الممكنة.

إن خطة الإنقاذ الجديدة لليونان (130 مليار يورو) ما هي إلا مسكنات جديدة من شأنها بقاء الوضع السيء على ما هو عليه، وتأخير الانهيار لبعض الوقت، وربما محاولة للتعلق بأمل في الغالب لن يتحقق، إذ أن اليونان قبلت شروط الاتحاد الأوروبي المجحفة على مضض وعلى كراهة من شعبها الذي سوف يستقبل بسببها حزمة جديدة من برامج التقشف التي كان يعاني منها أصلاً، وحينما عرضت الخطة على حكومة باباندريو (المستقيل) خشي أن يأخذ حيالها قراراً فردياً فأحال الأمر للاستفتاء الشعبي الذي يعني في حالة رفضه خروج اليونان تلقائياً من الاتحاد الأوروبي.


ولكن ما الذي حدث؟

الذي حدث باختصار أن قادة الدول الأوروبية رأوا أن الشعب اليوناني غالباً قد يرفض الخطة الأوروبية ويخرج من الاتحاد الأوروبي لعدم قدرته على السداد، مما يعني خسارة أعضائه للقروض السابقة التي اقترضتها اليونان، فقامت بالضغط على حكومة باباندريو فقام الأخير بإلغاء الاستفتاء وقبول الخطة، ثم قدّم استقالته وعرض تشكيل حكومة وحدة وطنية!

مخطئ تماماً من يعتقد أن اليونان وحدها على حافة الخروج من النادي الأوروبي؛ فالشعب الألماني في حالة استياء عارم وذلك لأن ألمانيا تعيش حالة من الانتعاش الاقتصادي يساهم تلقائياً في حل مشاكل أعضاء النادي المتعثرين أمثال اليونان والبرتغال وأسبانيا وإيطاليا، ولم يعد بوسع حكومة أنجيلا ميركل اقناع الشعب بجدوى استمرار ألمانيا في الاتحاد.

والشيء المثير حقاً للاهتمام في هذه الأزمة أن الاتحاد الأوروبي حينما اجتمع وعرض المساعدات، لم يكن بغرض مساعدة اليونان، وإنما بغرض مساعدة صناديقهم من الإفلاس إذا توقفت اليونان عن السداد؛ فالكثير من البنوك الأوروبية ستتعرض للانهيار فوراً إذا أعلنت اليونان إفلاسها وعجزها عن سداد ما عليها من ديون، وهذه هي فلسفة حلقة لعبة الديون، فالرأسمالية الجديدة المتوحشة تعبُد المال وصلواتها هي الاقتراض أولاً وأخيراً، فالقادر يقترض والمحتاج يقترض، والجميع مدين، وكل المشاريع تسير بالاقتراض، وما أن يبدأ التعثر حتى تبدأ الكارثة، ولا أخلاق هنا ولا مبادئ، وإنما المال هو القانون أولاً وأخيراً، ولا عزاء لليونان فهي رمز الحضارة الإغريقية ومهد الفلسفات التي أنتجت الكثير من الأيديولوجيات الحديثة، وربما في انهيارها رمزية لانهيار ما قد نراه يلوح في الأفق والعلم عند الخالق.

إن البديل الآخر أمام اليونان -في حالة رفض خطة الانقاذ الأوروبية- هو الخروج من النادي الأوروبي والعودة للعملة اليونانية (الدراخمة) التي يُتوقع أن يعدل الـ 400 منها اليورو الواحد، والدخول في حالة كبيرة من التضخم وعجز شديد في دفع رواتب الموظفين ومعاشات التقاعد، ولكنه سيُسهِم في رخص الكثير من المنتجات الوطنية ورواج للسياحة لانخفاض التكاليف عن باقي دول أوروبا، ولكن لن يكون بوسعها الحصول على أي قروض أخرى.


وصدق الحق حين قال: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة من الآية:276]، صدق الله العظيم.


عبد الرحمن فرج
 

المصدر: رابطة النهضة والإصلاح - السبت 16 ذو الحجة 1432هـ الموافق 12 نوفمبر 2011م
  • 0
  • 0
  • 2,293

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً