خواطر من رحلة الحج

منذ 2013-10-09

الحج حرفان: حاء وجيم، فالحاء حلم من الرب، والجيم جرم من العبد، فمن حج البيت فقد أدخل صغير جرمه في عظيم حلم الله عز وجل، أبشر وتفائل.

 

رحلة قلوب: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [ابراهيم:37]، تدبر معنى أفئدة لتدرك أن الرحلة ليست رحلة أجساد بل رحلة قلوب مشتاقة وأرواح منقادة لهذا المكان رغما عنها.

قبل الحج:
إياك أن تبني صرح حجك على شفا جرف هار، فتحج وأنت تنوي أن تعود إلى المعصية، إن لم تكن التوبة الآن فمتى؟!

ارتداء لباس الإحرام:
رسول الله صلى الله عليه وسلم تفوح من عرقه رائحة المسك، ومع ذلك يسن لنا التطيب في الإحرام، نبي جميل ودين جميل.

أنت اليوم وقد تجردت من ملابسك أشبه ما تكون برضيع لف في قطعة قماش، لا يملك لنفسه شيئا ويحتاج من خالقه إلى كل شيء، عليك بإلحاح الأطفال في الدعاء.

وبدأ الانتظار:
انتظرنا الباص 4 ساعات، ما أصعب الانتظار، يوم القيامة 50 ألف سنة!

لبيك اللهم لبيك:
التلبية معاهدة بين العبد وربه، فهي ليست نهاية بل بداية، ومن عاد من الحج فقد عاد من مقام العهد إلى مقام العمل، ومن وعد اللسان إلى تصديق الجوارح. عاهدت فالزم.

طواف القدوم:
أستمع إلى دعاء العجم بلغة عربية متكسرة فيخشع قلبي، صدق من قال: {رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:108].

إن الكريم يقبل من يكون مع الضيف إكراما للضيف، وأنت أكرم الأكرمين، فهل تطرد من بابك من جاء مع أضيافك؟!

يوم عرفة:
في الحديث: «الحجاج والعمار وفد الله دعاهم فأجابوه» (رواه المنذري)، فلا تسأل حينها عن عطاء ملك الملوك لوفده. اليوم عرفة سل تعط بإذن الله.

وسار وفد الله إلى عرفة مجيبا دعوة ملك الملوك وهاتفا بأعلى صوته: "لبيك"، رقة العبودية طريقك للنجاة.

يباهي الله بأهل عرفات كما جاء في الحديث القدسي: «جاءوني شعثا غبرا» (رواه البيهقي)، فالحاج في حال إحرامه يظهر الشعث ويرفض أسباب التزين، ويظهر بصورة عبد سخط عليه مولاه، فيتعرض بسوء حاله لعطف مولاه. تذللك لله طريقك للنجاة.

يوسف نبي الله يدعوه قائلا: {وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف:83]، معلما إيانا مقام العبودية وقدرها، ومقام الربوبية وحقوقها، تذللك إليه تذلل العبد إلى مولاه، طريقك إلى نيل رضاه.

وفقر الإنسان إلى ربه باب ليس له نظير، ولذلك كان خير الدعاء يوم عرفة هو تذلك إليه بعبوديتك إليه، وبيقينك أن بيده الملك وحده، وأنه على كل شيء قدير، وسبحانه وتعالى محمود على كل حال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهوعلى كل شيء قدير» (رواه المنذري).

بعد غروب شمس عرفة:
الحج حرفان: حاء وجيم، فالحاء حلم من الرب، والجيم جرم من العبد، فمن حج البيت فقد أدخل صغير جرمه في عظيم حلم الله عز وجل، أبشر وتفائل.

تذكر الثواب يعينك على تحمل المشقة:
الحديث: «إن لك من الأجر على قدر نصبك ونفقتك» (رواه المنذري)، وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر بيده الحنونة على كل معتمر فيمسح عنه أي تعب يلقاه، ويهون عليه كل مال ينفقه في سبيل الله.

من البشارات النبوية للحاج: «وأن الحج يهدم ما كان قبله» (رواه مسلم).
من البشارات النبوية للحاج: «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» (رواه البخاري).

الكل في الحج يتعب لكن الأجور تتفاوت والدرجات تتوزع بحسب محتوى القلوب ومكنون الضمائر، قال ابن القيم: "تفاضل الأعمال عند الله بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص والمحبة وتوابعها".

رمي الجمار:
ليكن رميك للجمار في كل يوم من أيام منى بمثابة إصرار منك على رمي أهوائك وشهواتك وغفلتك وزلاتك بجمرات العزم والتوبة النصوح.

أيام منى:
كان أهل الجاهلية في أيام منى ليس لهم ذكر غير فعال آبائهم والتفاخر بها فأنزل الله: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة:200]، فعلينا الاكثار من ذكر الله والتحدث بنعمه بدلا من لغو الكلام.

أيام منى معسكر إعداد لما بعد الحج، فاشغل نفسك بذكر الله وتنقية قلبك من شوائبه.
ادع لكل من تعرفه واعف عن كل من أساء إليك، عسى أن يعفوالله عنك.
يشغل بالك متى أحج المرة القادمة، وما أدراك كم تبقى لك من أنفاس في هذه الدنيا يا مسكين!

جهرت بالتلبية وأعلنتها واضحة صريحة: "أنا مسلم، لا أنزوي ولا أستحي أو أتوارى، بل أبزغ بزوغ الشمس على الظلام فأقشعه"، هنيئا لك حياة جديدة تشرق بنور الله.

أصعب الفقر ما كان بعد الغنى، وأوحش الذل ما حصل بعد العز، وأقبح الذنب ما جاء بعد التوبة، لو لم تذق حلاوة الإيمان لعذرتك، لكنك عرفتها فكيف تنكص؟!

طواف الوداع:
ذاهبون إلى طواف الوداع، ترى هل سيكون بعدها لقاء جديد أم فراق أبدي؟!
من ذاق لذة القرب عرف، ومن شرب من نهر الحب اغترف، سيدفعك شوقك إلى أن تعود بإذن الله، قال تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا} [البقرة:125].

هنيئا لك عزيزي الحاج، قد كفاك الله ما مضى؛ ولم يبق إلا أن تصلح ما بقى.
الحديث: «أديموا الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد» (رواه الألباني).

-----------------------------------

الخواطر أغلبها تم استنباطها من كتاب رحلة المشتاق للدكتور خالد أبوشادي في رحلة حج عام 1433، وتم إعادة ترتيبها بعد العودة من الحج بفضل الله.

 

محمد نصر 

  • 0
  • 0
  • 22,683

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً