أنت أقوى وأعز
أنت مع الإسلام في أمان، لا تصرعك أباطيل القوم، ولا ترهقك أحزانهم وأراجيفهم، قدمك ثابتة راسخة وإن جمعوا لك الدنيا، مصداقًا لقول ربك العزيز الحكيم: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ} [آل عمران:173]. أنت مع الإسلام في سكينة، نفسك مطمئنة، راضية، هادئة، مصداقًا لقوله سبحانه: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ} [الرعد:28].
الذين يخوفونك من نفسك؛ إنما يخافون منك، يخافون قومتك حين تكتشف الحقيقة، وتطالع الأمور كما هي في واقعها لا كما زيفوها أمامك، حينها ستقف وقفتك المنتظرة، تحاسب الذين غرروا بك وخدعوا جيلك بأكمله، فزوّروا التاريخ، وغيروا لك الواقع، فلم تسمع أو تقرأ إلا ما أرادوه لك، وليته كان صحيحًا.
فعلام تضيع الوقت في الجري خلف سراب الأفكار المشئومة، والوقائع المقلوبة؟
قم، انتفض، هيا، لا تتكاسل، فأنت أقوى وأعز، صفحتك ناصعة، ذنوبك وإن ثقلت يمكنك محوها بالتوبة، باب ربك عظيم، ورحمته واسعة، فعلام التأخر؟! وإلى متى النكوص، وأنت ترى الجميع يذهب ويتركك، الجميع يموت، الجميع يفنى، الجميع توصله لتعود فتعصى مرة أخرى، ألم يكفك ما مضى؟ ألم تشبع بما كان منك؟ كفى، فقد مضى بك القطار طويلًا، وجاءت لحظة لا بد أن تدركها، وإلا فاتك القطار، ولن ينفعك ثمة ندم.
اكسر قيود الذنوب، وأقفال الأباطيل والأضاليل، وافتح قلبك للنور القادم من هناك، حيث الإسلام يسطع كالشمس في ربيع جميل، يمدك بالدفء، غير أنه لا يسمح لك بالجلوس نصفك في الشمس ونصفك في الظل، عجبًا يعدل حتى مع الجسد، ويرحم هاتيك الأعضاء، فما أعظمه، وما أجمله؟! افتح له قلبك، خذه بين ضلوعك، اجعله أمامك يقودك، يحميك، يعلمك، يختار لك الطريق، ففيه النجاة، كفاك تكاسلًا وتأخرًا يوشك السوق أن ينفض، فأدرك اللحظة قبل فواتها، اقفز من رقادك واقفًا، تسمع الدنيا صوت خطوتك الواثقة، كن قويًا، حريصًا على ما ينفعك، دع النظر للخلف وانظر أمامك.
وهيا اقرأ معي حديث أعظم إنسان! خاتم المرسلين صلوات ربي وتسليماته عليه، وهو يقول: «المؤمن القوي، خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء، فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان» (رواه مسلم2664)، فانظر أمامك، ولا تلتفت لما قد فات، وجدد التوبة، واستعن بالاستغفار، وخذ زادك من ذِكْر الله عز وجل، وامض بسم الله، وعلى بركة الله، قويًا شامخًا عزيزًا بإسلامك، ألم تسمع قول أسلافنا الأطهار: "إنّا كنا أذل قومٍ فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا الله به؛ أذلنا الله" (مستدرك الحاكم1/61، سير السلف الصالحين125).
وقال قتادة بن دعامة السدوسي، رحمه الله، في قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأرْضِ}، قال: "كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلًا، وأشقاه عيشًا، وأجوعه بطونًا، وأعراه جلودًا، وأبينه ضلالًا، مكعومين على رأس حجر، بين الأسدين فارس والروم، ولا والله ما في بلادهم يومئذ من شيء يحسدون عليه، من عاش منهم عاش شقيًا، ومن مات منهم رُدِّي في النار، يؤكلون ولا يأكلون، والله ما نعلم قبيلًا من حاضر أهل الأرض يومئذ كانوا أشر منزلًا منهم، حتى جاء الله بالإسلام فمكّن به في البلاد، ووسّع به في الرزق، وجعلهم به ملوكًا على رقاب الناس، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا لله نِعمه، فإنّ ربكم منعم يحب الشكر، وأهل الشكر في مزيد من الله" (تفسير ابن كثير4/40). فخذ هذه الكلمات النورانية بقوة، تدبرها، واحفظها، واجعلها نبراسًا لك، يهديك عند تصارع الأفكار، وتناطح المذاهب أمامك.
أنت مع الإسلام في أمان، لا تصرعك أباطيل القوم، ولا ترهقك أحزانهم وأراجيفهم، قدمك ثابتة راسخة وإن جمعوا لك الدنيا، مصداقًا لقول ربك العزيز الحكيم: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ} [آل عمران:173]. أنت مع الإسلام في سكينة، نفسك مطمئنة، راضية، هادئة، مصداقًا لقوله سبحانه: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ} [الرعد:28].
مطمئن هادئ وأنت ترقب آخرين: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون:4].
فهيا نردد معًا قول الحق سبحانه: «وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» [الأنعام:81].
صلاح فتحي هَلَل
- التصنيف: