إن بطشي أشد من بطش الله
نبيل هلال - كاتب صحفي مصري
"إن بطشي أشد من بطش الله" هذا ما قاله الصوفي الشهير أبو يزيد البسطامي أحد أئمة الصوفيين قاتله الله.
وإليك طرفا من معتقداتهم واسأل نفسك بعدها هل الصوفيون زهاد أبرار وعٌبَّاد أطهار أم زنادقة فجار ونصابون كفار.
التصوف عقيدة تختلف عن الإسلام جذرياً ولا تمت لديننا الحنيف بصلة. ومن يطالع كتب الصوفيين التى سجلوا فيها ديانتهم وبهتانهم يكشف بيسر مدى ما هم عليه من ضلال وإفك مبين. ولما كان المرء مخبوءا تحت لسانه، فذلك قولهم. اسمع قول إبراهيم الدسوقي المدفون في دسوق: "أنا بيدي أبواب النار أغلقتها، وبيدي جنة الفردوس فتحتها، ومن زارني أسكنته جنة الفردوس". ويقول: "لقد وليت القطبائية - أي أصبح قطباً - فرأيت المشرقيْن والمغربيْن وما تحت النجوم، وصافحت جبريل عليه السلام".
ويقول أبو الحسن الشاذلي (شيخ المرسى أبى العباس) فى حزبه: "اللهم أدرج أسمائي تحت أسمائك، وصفاتي تحت صفاتك، وأفعالي تحت أفعالك، وأغنني حتى تغنى بي، وأحيني حتى تحيا بي". تعالى الله عما يصفون. ويقول المرسى أبو العباس المدفون فى الإسكندرية: "لو كٌشف عن حقيقة الولي لعٌبد، لأن أوصافه من أوصافه - أي أوصاف الله - ونعوته من نعوته". ويقول الصوفي الشهير أبو يزيد البسطامي: "طاعتك لي يا رب أعظم من طاعتي لك"، كما يقول "بطشي أشد من بطش الله بي، وذلك لما سمع قارئاً يقرأ {إن بطش ربك لشديد}. وقال لبعض مريديه: "لأن تراني مرة خير لك من أن ترى ربك ألف مرة". ويقول الشبلى: "ما فى الجبة إلا الله"، يقصد أنه هو الله.
ويقول الدسوقي: "إنني سددت أبواب جهنم السبع بفوطتي، وفتحتها لأعدائي وأدخلتهم فيها، وفتحت أبواب الجنة الثمانية بيدي، وأدخلت أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيها، وصنج الميزان بيدي أصيِّر حسنات مريدي أثقل من سيئاته، ومسستها بيدي فصارت سيئات المنكرين علىّ أثقل من حسناتهم ولو كانوا مطيعين". أي أنه سيمارس الغش والتدليس في الآخرة وبين يدي الله تعالى يوم الحساب. وذلك قليل من كثير مما ورد في كتبهم قاتلهم الله.
واستأذن حياء القارئ وغيرته على الدين إذ استطرد، "كان الصوفي ابن أبى الغراقيد وهو محمد بن على الشلمغانى، يعتقد أنه إله الآلهة، وقال إن الله تعالى حلَّ فى آدم وإبليس. وألًّف كتابه الحاسة السادسة صرَّح فيه برفض الشريعة وإباحة اللواط، وزعم أنه إيلاج نور الفاضل في المفضول، ولذا أباح أتباعٌه نساءهم له، طمعاً فى إيلاج نوره فيهن. وكان- قاتله الله - يسمىِّ محمداً صلى الله عليه وسلم، وموسى عليه السلام بالخائنيْن، زعماً منه أن هارون أرسل موسى، وأن علياً كرم الله وجهه أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم، فخاناهما. وحكم الفقهاء بقتله، فصلب في خلافة الراضي سنة 322 هجرية". "وأن الحكمة أن يٌمتحن الناس بإباحة فروج نسائهم، وأنه يجوز أن يجامع الإنسان من شاء من ذوى رحمه، ورحم صديقه وابنه بعد أن يكون على مذهبه".
ويقول ابن عربي وهو محيي الدين محمد بن على الأندلسي المعروف بالشيخ الأكبر والكبريت الأحمر وهو إمام الصوفيين، المولود سنة 560 هـ في مرسيه - بلد المرسى أبى العباس - يقول: "الرجل والمرأة صورتان من صور الله، يعنى حقيقته تتجلى في صورتي رجل وامرأة - تعالى الله علوا كبيراً عما يصفون - وفى حالة المواقعة يسمى الرجل فاعلاً والمرأة منفعلة".
ويقول ابن الفارض المعروف عند الصوفية باسم سلطان العاشقين، وقد ادعى الألوهية أيضاً كدأب أقطاب الصوفيين، قال في قصيدته المطوَّلة (حوالي 800 بيت) والمعروفة باسم التائية والتي يخاطب فيها الله تعالى بضمير المؤنث، قال: "إن لٌبْنَى وبثينة وعزَّة وليلى - عاشقات شهيرات - ما هن إلا الذات الإلهية تعينت في صورة الغواني العاشقات، وأن قيساً وجميلاً وكثيرِّ وعامرا، عشاق أولئك النسوة، ما هم إلا الذات الإلهية تعينت في صورة هؤلاء العشاق. فمن خصائص الإله الصوفي أنه يتجلى في صورة رجل عاشق، وفي صورة امرأة عاشقة، وأنه حين يعشق فإنما يعشق نفسه، فهو العاشق والمعشوق والعشق.. وبهذا لقبوه - أي ابن الفارض - بسلطان العاشقين". وللصوفيين غير ذلك من سخيف الأقوال ما يستنطق الأفواه بذمهم.
تلك كانت بعض كفرياتهم وأباطيلهم التي ادعوا فيها الألوهية واجترءوا بها على الله جل جلاله. كما لم يفتهم الاجتراء على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والافتراء عليه. يقول ابن عجيبة في شرحه لحكم ابن عطاء الله السكندري، يقول: "وأما واضع هذا العلم - أي التصوف - فهو النبي صلى الله عليه وسلم، علّمه الله له بالوحي والإلهام، فنزل جبريل أولاً بالشريعة، فلما تقررت نزل ثانياً بالحقيقة، فخص بها بعضاً دون بعض"، وهذا اتهام صريح للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه لم يبلغ بعض ما أٌنزل إليه، وبأنه هوى مع الهوى فخص به بعضاً. وما أفدح بهتانهم أن التصوف مما أوحى به للنبي. كذلك اجترءوا على القرآن الكريم، فيقول التلمساني أحد أقطاب الصوفية: "القرآن كله شرك، والتوحيد في كلامنا"، أي في كلام الصوفيين.
ومن يتأمل أقوال المتصوفين يرى أنهم مرضى نفسيون وعقليون. قال أبو يزيد البسطامى، وهو من أقطابهم،: "وما النار؟ والله لئن رأيتها لأطفئنها بطرف مرقعتي". ويقول في موضع آخر: "سبحاني سبحاني، أنا ربي الأعلى". وسٌئل عن اللوح المحفوظ، فقال: "أنا اللوح المحفوظ". ويقول: "إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدونِ". وقال الشبلى: "إن لله عباداً لو بزقوا على جهنم لأطفأوها".
وليس أدل على أنهم كفرة عٌتَهَاء من قولهم: "إن رتبة الكمال لا تحصل إلا لمن رأى أهله - زوجته - مع أجنبي - أي يضاجعها - فلم يقشعر جلده، فإن اقشعر جلده فهو ملتفت إلى حظ نفسه ولم يكمل إيمانه بعد".
إن التصوف خلط من بقايا الديانات القديمة، واندماج نفايات الوثنيات الغابرة، والفلسفات القديمة وعلى رأسها مذهب الغنوصية، وهى كلمة يونانية معناها (المعرفة)، ويُقصد بها التوصل إلى المعارف لا بالدرس والتعلم وإنما بما يُلقى في الروع والقلب وحيا وكشفاً وليس عن طريق الاستدلال والبرهان العقلي. وفضل المعرفة وكشف الحقائق وحياً، ادَّعاه كل السحرة والكهان على مر الأزمان، وأسبغوا على أنفسهم قدرات وهمية سوَّغت لهم الهيمنة على القبيلة والعوام، وجنْوا من وراء ذلك الهبات والنذور والأموال الطائلة، فغاية الغايات هي الارتزاق باسم الدين، وقد أثَّرت الغنوصية في اليهودية وسيطرت على فيلسوفها الكبير "فيلون"، وقد عرف المسلمون الغنوصية اليهودية، ونرى كثيراً من أفكار فيلون منبثة في كتب كبار الصوفية الإسلاميين. ومحيى الدين بن عربي - الشيخ الأكبر - إنما هو صورة أخرى من "فيلون ". وابن عربي هذا هو كبيرهم الذي علمهم الإفك، فادعى زورا وبهتانا أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه في منامه، ودله على كتاب (فصوص الحكم)، وهو كتابهم المملوء بالكذب والشرك، وأمره بتبليغه للناس. وكأن الله تعالى قد توفّى رسوله الكريم قبل أن يستكمل إبلاغ رسالة الإسلام، وهو القائل: {اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام ديناً}.
وتتشابه الصوفية مع مذهب الكلبيين الذين يقولون باحتقار العلم والمعرفة والأخلاق، وقد زاد أنصار هذا المذهب نتيجة للقلق والفوضى والحروب والمجاعات التى أرهقت الناس. ومن الشرق الهيلينستى انتقل هذا المذهب إلى روما وإيطاليا كرد فعل للحروب الكثيرة التى خاضتها الجمهورية الرومانية، وزاد اتباع هذا المذهب منذ عهد الأسرة اليوليوكلاودية كرد فعل لتسلطها وجبروتها، وكانوا يتجولون في ثياب رثة مطلقين لحاهم وشعورهم ويسيرون حفاة يتسولون، وانضم إليهم المنجمون والسحرة والمشعوذون، وأصدر الإمبراطور فسباسيانوس سنة 71 م أمراً بطردهم من البلاد، الأمر الذى لم يجرؤ عليه خليفة مسلم مع المتصوفين.
ويقول الصوفيون بالحلول، أي أن الله حالٌّ في كل شئ، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. ومنهم من يقول بالاتحاد، أي اندماج الخالق بالمخلوق ويصيران شيئاً واحداً. كان أبو حمزة - أحد أقطابهم - حلولياً، وذلك "أنه كان إذا سمع صوتاً مثل هبوب الريح وخرير الماء وصياح الطيور، كان يصيح بقوله: لبيك، فرموه بالحلول". وكان الحلاج قد ادعى النبوة ثم الألوهية، إذ كتب كتاباً عنوانه: من الرحمن الرحيم إلى فلان، ولما سئل في ذلك أجاب: وهل الكاتب إلا الله تعالى، واليد فيه آله، وكان يسمى نفسه الحق، وأباح الحج إلى غير مكة، والإفطار في شهر رمضان، وأعفى من العبادة من زار قبور الشهداء بمقابر قريش وأقام بها عشرة أيام يقضيها في الصلاة. ولم تقف دعوة الحلاج عند التأثير على العامة، بل شملت كثيراً من رجال البلاط والكتاب وبعض كبار الهاشميين. وقتل الحلاج في 309 هجرية بسبب ادعاء الألوهية.
ووحدة الوجود التي قال بها محيى الدين ابن عربي، أي نفي الثنائية بين الله والكون، إنما هي فكرة تشبه كثيراً المفهوم الذهني الهندوسي عن الكون الذي يعتبرونه مجرد وهم وسراب. وبالفعل تم المزج بين الإسلام والهندوسية في عهد جلال الدين محمد الأكبر (1556 - 1605) وهو حفيد مؤسس الأسرة الحاكمة المغولية في الهند، وقد شجع مشايخ الصوفية وخصوصاً الطريقة "الشستية"، ولم يلبث أن أعلن عن عقيدة جديدة خاصة به سماها "دين الله"، وهى نتاج مزج بين الإسلام والديانات الأخرى، وكان عماد هذه الملة الجديدة الكثير من مبادئ الصوفية والتحلل من الإسلام الحنيف، لذا يمكن القول إن فكرة وحدة الوجود هي التي فتحت الباب أمام تدفقات الهندوسية إلى داخل الدين الإسلامي.
ولم يقل لنا أحد، مادام المتصوفون والهُبَّل والأولياء لهم هذه القدرات الهائلة وهم موصولون بالله والسماء ومطَّلعون على اللوح المحفوظ، فأين كانوا فى مواطن مذلة المسلمين ومواقع هزائمهم - وما أكثرها - أين كان الدراويش عندما سحق التتار جيوش المسلمين فى بغداد وغيرها من المواقع؟ أين كان هؤلاء المغاوير الأطهار أصحاب الرؤى الصادقة والقلوب الخاشعة والأرواح الكاشفة. أم أنهم تقاعسوا، مع المقدرة، وهذا أدهى وأمر، ولمَّا كانت علينا دروع الدراويش والأولياء لماذا أصابنا نبل العدو في مقتل ؟
وتشكل سلوكنا وفقاً لهذه الأوهام. أنظر كيف تصدى العوام والمجاذيب لفرسان نابليون في القاهرة، نزلوا من القلعة وهم يحملون النبابيت وتقدَّمهم البله والمجاذيب ومعهم سلاحهم البتار... قطعة قماش سموها البيرق النبوي وظنوا أنها الراية التي كان يحملها جنود جيش النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته. فدكَّتهم مدافع الفرنسيين دكَّا دكَّا، ولم يجدهم فتيلا شيوخهم ذوو العمائم الضخمة الذين يمشون على الماء ويطيرون في الهواء، ولم يغثهم أقطابهم المدفونون في الأضرحة يطلبون منهم البركات والمغفرة. ولا يغرنك ذيوع ظاهرة التصوف في تاريخنا،. فشواهد التاريخ، والتاريخ هو المعلم الذي يصدقنا القول، تؤكد لنا أن السيادة والفوز والظهور لا تكون دائماً للحق، وإنما له جولات، وللباطل مثلها، أو تزيد. وإذا كان الناس قد انخرطوا في سلك المتصوفين لا لشيء غير أن الغير يفعلون ذلك، فالأمر إذن هو التقليد المحض، وكان خليق بهم ألاَّ يقلدوا، فالتقليد من شيم القرود. وكأن هناك اتفاقاً ضمنياً على قبول ظاهرة التصوف، والتسليم بأضاليلها واستبعاد مناقشتها وتمحيصها بالتجربة، "والبون شاسع بين افتراض الصواب في رأى من الآراء لأن الدليل لم يقم على خطئه وفساده مع تعريضه للمناقشة والانتقاد، وبين افتراض الصواب فيه، لا لغرض سوى صيانته من التفنيد وحمايته من الإدحاض".
والتصوف ليس إسلاماً وإنما عقيدة جديدة جاءت بعد الإسلام بقرنين، والمشرِّع فيها هو الشيخ الصوفي الذي يشرِّع لأتباعه حسب ما يمليه عليه هواه وشيطانه. ولما كان البون شاسعاً بين إفك الشيخ وشرعة الله تعالي، ولابد أن يكون البون شاسعاً، فقد لجأ شيوخهم إلى "الشطحات " وهي محاولات لتأويل إفكهم على نحو يبدو معه موافقاً للإسلام الصحيح. ومثلما يلجأون إلى التأويل، يقولون أيضاً بالتقَوُّل وهو أن ينسبوا ما يتعذر عليهم تأويله من أكاذيبهم إلى دس أعدائهم ولهم في التأويل خلط وخبط كلما أرادوا الاقتراب مما يوافق العقل، ازدادوا بعداً. وقد درجوا على انتقاد ومهاجمة معاصريهم من الصوفيين والإشادة بشيوخهم السابقين من باب التقية والنفاق وذر الرماد في العيون.
- التصنيف: