سلامة الصدر من الأحقاد
لابد لكل مجتمع من أخلاق تشيد بنيانه، وتوطد أركانه، وأخلاقنا وإن أتت عليه عوادي الزمان والحدثان إلا أنه راسخ في صدورنا ينتظر غيث الرحمن، حتى إذا ما جاء نمت أغصانه، وأينعت ثماره، فآتى أكله كل حين بإذن ربه
الحمد لله وكفى والصلاة على النبي المصطفى.
أما بعد:
لابد لكل مجتمع من أخلاق تشيد بنيانه، وتوطد أركانه، وأخلاقنا وإن أتت عليه عوادي الزمان والحدثان إلا أنه راسخ في صدورنا ينتظر غيث الرحمن، حتى إذا ما جاء نمت أغصانه، وأينعت ثماره، فآتى أكله كل حين بإذن ربه. ومجتمع بلا أخلاق مجتمع غابة يأكل القوي فيه الضعيف، وفرد بلا أخلاق حيوان شرس، بل سبع فتاك مفترس. ولقد عني الإسلام بالأخلاق، وربط بينها وبين العبادات، وجعل مناط قبول العبادة بمدى استقامة الأخلاق، فتأمل ذلك المزج الرباني بين العبادة والأخلاق بين الدين والدنيا بين المسجد وما كان خارج المسجد قال تعالى عن الصلاة: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45].
وفي الصيام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « »، وفى الزكاة قال الله تعالى: {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} [البقرة:263]، وفى الحج قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} [البقرة:197].
وقد فطن الغرب إلى هذه العلاقة بين الدين والأخلاق فتجد الفيلسوف الألماني (فنجته) يقول: "أخلاق بلا دين عبث"، والزعيم الهندي(غاندي) يقول: "الأخلاق والدين متلازمان لا ينفصل أحدهم عن الآخر، فهما كالماء للزرع يغذيه وينميه"، بل إن بقاء الأمم وقوتها تُقاس بمدى تمسك أهلهُا بالأخلاق، وهلاكُهُا بضياع خُلقها قال الشاعر أحمد شوقي:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ويلخص هذا كله رسولنا الكريم حيث قال: « »، فيبين لنا الغاية من بعثته صلى الله عليه وسلم.
الحمد لله أن بعث فينا نبيا *** يعلمنا مكارم الأخلاق الذكية
ومع مكرمة من مكارم الإسلام وخلق من أخلاق النبي العدنان مع سلامة الصدر من الأحقاد، فهي الغاية بعدما شوهت الصحف، والمجلات، والفضائيات ذلك القلب بالأحقاد، وزرعت بين أبناء الأمة الفرقة والشقاق، وسوف نتعرف من خلال كلمتنا على: القلب المشرق، وبعض من أطوار الحقد، وعلاج ذلك القلب.
اعلم أخي الحبيب: أنه ليس أروح للمرء، ولا أطرد لهمومه، ولا أقر لعينيه، من أن يعيش سليم الصدر مبرأ من وسواس النفس، وأدران الحقد إذا رأى نعمة تنساق إلى أحد من عباد الله فرح له، ورأى فضل الله فيها، وفقر العباد إليها، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: « ».
وإذا رأى أذى يلحق أحدًا من عباد الله رثى له، وواساه في مصيبته، ودعا الله أن يغفر ذنبه، ويكشف كربه، وتذكر مناشدة النبي صلى الله عليه وسلم: « »
وهكذا يعيش المسلم راضيًا عن الله، وعن الحياة؛ فإن القلب إذا أصيب بأدران الحقد سرعان ما يتسرب منه الإيمان كما يتسرب السائل من الإناء المثلوم، فصاحب القلب الأسود يفسد الأعمال الصالحة، أما القلب المشرق: فإن الله يبارك في قليله.
والمجتمع المسلم مجتمع متحاب متعاون يقوم على الإخاء والإيثار، وكيف لا؟! وهذا التآلف وتلك الأخوة من عند الله قال تعالى: {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران:103]، أي بنعمة الإيمان، فانظر إلى قلبك إذا رأيت فيه الحقد والحسد فاعلم أن هناك نقص في إيمانك، فاجبر الكسر قبل أن ينسكب من القلب الإيمان فتعجز عن رده، وقد زكى الله تعالى أصحاب القلوب العامرة بالحب لله ولعباد الله في كتابه الكريم بقوله تعالى: { } [الحشر:10].
روى بن ماجة فى الزوائد عن عبد الله بن عمرو قِيل: "يا رسول الله أي الناس أفضل؟" قال صلى الله عله وسلم: « ». قيل: "صدوق اللسان نعلمه، فما مخموم القلب؟" قال صلى الله عله وسلم: « ».
انظر إلى حرص الصحابة رضى الله عنهم على الأفضلية في الدين، وفى ذلك فليتنافس المتنافسون، فيحدد النبي صلى الله عله وسلم أن الأفضلية ليست في الشهرة ولا المال ولا الجاه ولا السلطان ولا كثرة العيال ، بل إن الأفضلية تتحقق في جارحتين هما القلب واللسان و بهما تتحقق الاستقامة الايمانية.
روى البخارى عن أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « »، ثم يعرف لهم النبي مخموم القلب بأنه: ذلك القلب التقي، والتقوى كما عرفها الإمام علي كرم الله وجهه: "الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضى بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل". وهو النقي ويؤكد نقائه بخلوه من الإثم، والإثم كما عرفه النبى صلى الله عليه وسلم: « ».
فلتحذر أيها المسلم أطوار الحقد:
روى الطبراني عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: « » قالوا: "بلى إن شئت يا رسول الله"، قال: « » قالوا: "بلى إن شئت يا رسول الله". قال: « » قالوا: "بلى إن شئت يا رسول الله". قال: «ا »، قالوا: "بلى إن شئت يا رسول الله"، قال: « ».
هذه بعض من أطوار الحقد التى تأنفها النفس البشرية حتى فى جاهليتها يقول عنترة:
لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب *** ولا ينال العلى من طبعه الغضب
ومن أطوار الحقد أيضا الحسد، وقد أمرنا الله تعالى بالاستعاذة منه، فهو من صفات إبليس عليه لعنة الله، فقد رأى أن المكانة التى كان يرجوها لنفسه وقد ذهبت إلى آدم عليه السلام، فأقسم بقلب يملؤه الحقد بغواية بني آدم يقول رب العزة مخبرًا عن إبليس: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف:16]
جاء فى الترغيب والترهيب للمنزري يقول الشاعر:
يا حاسدًا لي على نعمتي *** أتدري على من أسأت الأدب؟
أسأت على الله في حكمه *** لأنك لم ترضى لي ما وهب
فأخزاك ربى بأن زادني *** وسدّ عليك وجوه الطلب
واعلم أخي الحبيب: أن الخصومة إن غارت جذورها، ونمت أشواكها شلت أركان الإيمان الغض، وكان من ثمارها ألا يكون فى أداء العبادات المفروضة خير، كما أنها تُذْهِبْ بألباب العقول؛ فَتُدْلِي بصاحبها إلى اقتراف الصغائر التي تَذْهَبُ بالمروة واقتراف الكبائر التي تُوجب اللَّعن، وعين الخصومة عمياء لا ترى الفضائل وتعظم الرذائل وتجر صاحبها إلى التخيل، وافتراء الأكاذيب.
علاج القلوب من الحقد من أفضل القربات:
ومن ذلك إصلاح ذات البين روى الترمزي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » قالوا: "بلى إن شئت يا رسول الله". قال: « ».
وروى الترمذي عن الزبير بن العوام رضى الله عنه: أن النبي صلى الله قال:« ».
فالشيطان وإن عجز من أن يجعل من الرجل العاقل عابد صنم، فإنه لم ييأس من إيقاد نار العداوة في القلوب، فمن حقده يود إهلاك بنى آدم يقول رب العزة: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة:91].
وروى مسلم فى صحيحه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: « ».
النهي عن التقاطع والتدابر؛ روى البخاري فى صحيحه عن أبي هريرة رضى الله عنه: قال رسول الله صلى الله غليه وسلم: «ل »، وفى رواية عند أبى داود: « »، وما جعل الإسلام تلك الثلاث إلا لتهدأ فيها النفس وتراجع نفسها فالإنسان عند الخصومة أحد شخصين:
إما ظالم فأوجب الإسلام عليه التوبة إلى الله تعالى ورد المظلمة إلى أهلها. روى البخاري عنى أبى هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عله وسلم قال: « ».
وإما مظلومًا فقد رغب الإسلام في العفو وقبول المعذرة فعدم قبول المعذرة خطأ كبير روى ابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « »، وفى رواية عند الطبراني قال صلى الله عليه وسلم: « ».
النهي عن الافتراء على الناس؛ روى مسلم عن أبى هريرة قال رسول الله: « » قالوا الله ورسوله أعلم. قال: « »، ثم تلا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [ سورة الأحزاب:58].
كشف الأسرار وإشاعتها؛ وفى ذلك يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور:19].
النهى عن الغيبة؛ قال رسول الله: « » قالوا: "الله ورسوله أعلم" قال: « » قيل: "أرأيت إن كان فيه ما نقول؟" قال: « ».
النميمة؛ قال رسول الله: « »، وقال: « » وفى رواية « ».
إفشاء السلام؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ».
وقد وضع الإسلام علاج للقلب يومي روى ابن ماجه قال رسول الله: «ث ».
وآخر أسبوعي، فالأعمال تعرض على الله كل اثنين وخميس، روى مسلم: قال رسول الله: « ».
وفى كل عام يقول رسول الله: «إ ».
أبو عبد الله محسن بن أحمد
- التصنيف:
- المصدر: