أسماء صقر تكتب: لا تُقَبِّلوا أطفالكم بعد النوم (2)
"كم هم رائعون وهم نائمون!" جملةٌ سمعناها كثيرًا.. وقلناها كذلك مرهقين من الصغار المشاغبين، ثم نقبلهم بعد نومهم وأحيانًا نحتضنهم بمنتهى الحب والحنان، الحضن الذي كان يطلبه عشرات المرات خلال اليوم ولم ينله إلا بعد أن نام!
"كم هم رائعون وهم نائمون!"
جملةٌ سمعناها كثيرًا.. وقلناها كذلك مرهقين من الصغار المشاغبين، ثم نقبلهم بعد نومهم وأحيانًا نحتضنهم بمنتهى الحب والحنان، الحضن الذي كان يطلبه عشرات المرات خلال اليوم ولم ينله إلا بعد أن نام!
طلَبه حين التصق بنا..
طلَبه حين كان يزعجنا أثناء حديثنا على الهاتف مع آخرين..
طلَبه حين افتعل المشكلات لجذب اهتمامًا مِنَّا..
طلبه بأسئلته المتكرِّرة حتى الاستفزاز..
طلَبه حين استمر في الإلحاح والبكاء..
طلَبه حين وقف يحول بسخفٍ بيننا وبين شاشة التلفاز..
طلبه حين بدأ يتعلَّل بأشياء لنذهب معه في سريره..
وفي مراتٍ أخرى عديدة..
أسئلتنا اليوم هي:
كم الوقت لعبنا معهم اليوم؟
كم مرة قلنا "أحبك"؟
كم مرة شجعناه بكلماتٍ فخورة؟
ما الكلمات التي تبعت "أنت.. كذا" أغلب اليوم؟
كم مرة احتضناه بحنانٍ ولو سريعًا جدًا؟
ما الكلمات الطيبة الودودة التي استخدمتها خلال اليوم وتلك التي استبدلت بها كلمات أخرى (مثلاً: الملابس الغير نظيفة - مش جميل - مش ظريف)؟
كم حِوارًا إيجابيًّا دار بيننا اليوم؟
هل حكيت له قصة؟
كم عرفته عن ربه اليوم؟
كم معلومة جيدة تعلمها مني اليوم؟
كم حرفًا علمته من القرآن اليوم؟
وأخيرًا...
هل نام سعيدًا.. يعلم أننا نُحبُّه ونهتم لأمره كثيرًا؟
إن إجابة السؤال الأخيرة نكتب بها كل يوم أعوامًا طوالاً في كبره، في شخصيته، في سعادته في حياته، واستقراره نفسيًّا واجتماعيًّا.
لا يُحبونني!
على عكس ما نظن تمامًا فإن الطفل لا يعرف بشكلٍ بديهي أننا نُحبُّه فقط؛ لأننا نعمل بجهد لنطعمه أفضل طعام وندخل أفضل المدارس، إنه لا يستوعب ذلك إطلاقًا، ربما أعطيتموه حلوى بعشراتٍ الجنيهات ولكنها إن لم تُغلَّف باهتمامٍ وحُب فستكون عنده كاللبن أو الطعام ويظل الطفل يراقب كل نظرة وكلمة وفعل وردة فعل يعلم بها هل يحبونني أم لا؟ وهو إن لم نقلها لها صراحة لفظًا أو فعلاً فلن يفهمها ولن يراها!
أحد الأمهات فوجئت برغبة صغيرتها في البقاء مع الحاضنة (الدادة المنزلية) بينما هم ذاهبون للمصيف! الأم لم تستوعب ولكن الحقيقة أن الفتاة اختارت أن تكون مع من تظن أنها تحبها وتهتم لأمرها أكثر! حقيقة مؤسفة ولكنها الحقيقة.
التربيت على الظهر والرأس واليد، اللمس بحنان، التقبيل باستمرار، يُعبِّر بقوةٍ مما يُعبِّر عن الحب والاهتمام أيضًا عدم انقطاع الحوار والنقاش أبدًا منذ أن يستطيعوا الحديث، والعناية الدائمة بأحواله ومشاكله وسؤاله باهتمام عنها مهما بدت تافهة لنا وحل المشكلات معه وليس له فقط وإشراكه في البيت وتلمُّس ظروفه في المدرسة وحُب أصدقائه والاهتمام بهم وتوطيد علاقاته بهم وتدريبه على التعامل معهم وإبداءِ الاهتمام لهم كما فهمهم الهدايا والمفاجآت تعبر عن الاهتمام والحب بشكلٍ مباشر ومتألِّق.
ابتسمي يا أمي.. ابتسم يا أبي..
قد تمرُّ علينا أيام مشحونة، وأوقات عصيبة، ومشكلات خارج البيت أو داخله، والأبناء يراقبون، ويقلقون.
الطفل حين يعايش توترات في البيت فإنه يتوتر كثيرًا ويحتاج للمزيد المزيد من الاهتمام والرعاية والتأكيد على معاني الحب والأمان والاطمئنان.
ابنتي ذات الثلاث سنوات نظرت لي في إحدى هذه الأيام وقالت لي: "ابتسمي يا أمي"، لقد فوجئتُ رغم أنني كنتُ أراعي أن أُلاعبها كثيرًا وأهتم كثيرًا وغيره أنها منتبهة حتى لملامح وجهي.. لقد قلِقت أني لا أبتسم!
يحتاج أبناؤنا لابتساماتنا الدائمة ليشعروا بالاستقرار وأن الأمور بخير، فعلينا أن نُركِّز جيدًا ونداوم على الابتسامة الواسعة والروح المرحة وخاصة حال استيقاظهم واستقبالهم وتشجيعهم وطوال الوقت ما انتبهنا ونحتاج كذلك أن نخرجهم تمامًا من دوائر المشاكل والتوترات مهما كانت بسيطة، ولا نخطئ فنظن أنهم لا ينتبهون لنبرة أصواتنا المحتدة ولا لانفعالاتنا وحزننا وألفاظنا، والذي يحدث حولهم.
مبسوطة مني!
إنهم يحتاجون كذلك أن يشعروا أنهم أبناء جيدون، وأن ذلك لا يتحقق كثيرًا في أيام مشحونة بافعلْ ولمَ فعلت ولمَ لمْ تفعل؟
وأيضًا بسبب أنهم كثيرون الشغب والشجار وكذلك لكثرة أخطائهم، لأنهم أطفال!
فعلينا أن نتجاوز عن كل ما نستطيع أن نتجاوز عنه على مدار اليوم ونؤكد عليهم أنهم رائعون وأننا فخورون أنهم أبناؤنا حتى وسط الموقف الخطأ مع التأكيد على ثقتنا في نهم سيصلحون الخطأ وسينتبهون لذلك في المرة القادمة ولو تكرَّرت تلك المرة كثيرًا أحبك.. أحبك.. أحبك.. أحبك.. أحبك.. أحبك يا صغيري دائمًا.
حتى وأنا غاضب أحبك مهما فعلتَ، أحبك بلا شروط أقولها عدة مرات في اليوم، أقولها لفظًا في أوقات مختلفة ومناسبات متنوعة.
أقولها حين أعاقبك لتعلم أنك أخطأت وأني حزين منك ولكني أحبك أقولها بلا مناسبة وابتسم أقولها بمرحٍ ونحن نفترق لتذهب لمدرستك أو لأذهب إلى عملي أتصل بك هاتفيًّا.
أقولها حين أضمك بقوةٍ وأحيانًا أقولها بصمتٍ وأغمز لك مبتسمًا، وأنت تفهمني وأحيانًا أخرى أقولها باللعب والمرح معك، أعرف أن هذا الحب من أهم الحب عندك وأنت تستشعره بسلاسة!
سأجري خلفك وأنا أزمجر في مرح، سنلعب معًا كل الألعاب، أكبر وقت ممكن يوميًا، سنلعب معًا على الكمبيوتر مرة، وبالكرة مرة، وفي الخارج في الإجازة، ستكون لنا ألعاباً نخترعها خاصة بنا، ألعاباً مكتبية تارةً، وحركية تارةً، المهم أننا سنلعب كثيرًا لتسعد ولتعلم أني أحبك كثيرًا جدًايا صغيري سأظل أُخبِرك مرة بعد مرة.. كل يوم.. حتى تكبُر وأنت توقن كم أحبك الحب الحقيقي ما هو في ظنكم؟
إنه أن نحب لهم ونعلمهم طريق السعادة الحقيقة هنا في الدنيا وهناك في الآخرة، إنه أن نُعرِّفهم عن ربهم وندلَّهم عليه وعلى مرضاته، إنه بكل حرف نُعلِّمه لهم ونقرِّبهم ونتقرَّب به معهم علينا وإن كان أبناؤنا يلتحقون بما يعلمهم بعض ذلك ألا نبخل على أنفسنا أن يكون لنا ولو دقائق يوميًا نتعلم أية من القرآن أو قصة صغيرة أو حديثًا صحيحًا أو نظرة على عظمته عز وجل في الكون وغيرها وسيكون رائعًا لو نُعِدّ جدولاً شهريًّا أو أسبوعيًّا بهذه الدقائق اليومية وما فيها ولا ننسى كذلك أن نمارس قراءة مشتركة يوميًا.
نشاطًا علميًّا أو فنيًّا أو ثقافيًّا.
اهتمام خاص علينا استغلال أوقات الاستيقاظ وقبل النوم لبذل الكثير من الترحاب والاهتمام والحنان؛ بالكلمات والأحضان والمرح والتربيت وإشعارهم بأهميتهم وحُبنا، وكذلك حال نزولهم من البيت واستقبالهم أثناء عودتهم أو عودتنا نحن إلى المنزل وحين نجلس للمذاكرة.
علينا ألا ننسى التربيت والاحتضان والابتسام والتشجيع واستخدام جُمَل على غرار "ولا يهمك حاول تاني"... و"ممتاز"، "رائع"، "كم أنت سريع"، "يا عم ع الجمال"، "ابني عبقري يا ناس"، "لو نزبط دي شوية تبقى أكثر من ممتاز"، "دا لو أنا مكنتش عملتها روعة كده"، "سلام كبير"، "شفت لما بنركز بنعمل أحلى شغل"، "أنا واثق إنك هتقدر تفهمها بسرعة المرة دي هتشوف"، "حاول تاني"، "يلا مع بعض".
أسماء صقر
- التصنيف: