هل يقود بابا الفاتيكان الحرب الصليبية الجديدة؟

منذ 2006-12-04

التصريحات التي أدلى بها بابا الفاتيكان المسمى "بينيدكت السادس عشر" وأساء فيها إلى الإسلام والنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ليست مفاجئة لا من حيث الشخصية التي صدرت عنها ولا من حيث توقيتها ولا حتى سوابقها التاريخيه

التصريحات التي أدلى بها بابا الفاتيكان جوزف راتسينجر المسمى "بينيدكت السادس عشر" في محاضرته التي ألقاها بجامعة رتيسبون الألمانية التي كان يعمل بها منذ عام 1969، وأساء فيها إلى الديانة الإسلامية والنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في حقيقتها ليست مفاجئة أو مدهشة لا من حيث الشخصية التي صدرت عنها، ولا توقيتها، ولا حتى في السياق التاريخي الذي جاءت فيه.

 فمن الناحية الأولى نجد أن بابا الفاتيكان له تاريخ معهود مشهود من التشدد والتعصب ضد الإسلام والمسلمين، فقد سخر قبل توليه منصب البابوية من فكرة انضمام تركيا لأوروبا المسيحية، وقال: "عبر التاريخ كانت تركيا دائما تمثل قارة مختلفة دائمة التباين مع أوروبا المسيحية، ومن الخطأ محاولة جعلهما متطابقتين".

 وفي نوفمبر 2004 انتقد بينيدكت المسلمين لتسييسهم الإسلام، وشدد على أن على المسلمين تعلم الكثير من المسيحية بقوله: "يجب على المسلمين أن يتعلموا من الثقافة المسيحية أهمية الحرية الدنية والفصل بين الكنيسة والدولة".

 وعلى جانب آخر، نجده شديد القرب من اليهود حتى أنه لم يتم تنصيب حاخامات يهود في ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية حتى تولى هو منصب البابوية، كما حرص بعد توليه منصبه البابوي على زيارة معسكر النازي لأداء الصلاة على "الضحايا".

 وتوقيتها أيضا لم يكن مفاجئا بالمرة، فهي جاءت في أوج الحملة التي تشنها الولايات المتحدة والغرب عامة على تنظيم القاعدة في الذكرى الخامسة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، وهي المناسبة التي وجد فيها زعماء الغرب فرصة مواتية لوصم المسلمين بالإرهاب والعنف، ليأتي بابا الفاتيكان ليكمل الحلقة المرسومة بوصم الإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم بتلك البذاءات التي خرجت من فيه.

 أما عن السياق التاريخي فهو مشاهد ومعروف لمن كان له قلب يعي به مجريات الأمور، حتى من غير كبير جهد وإمعان نظر وتفكير، فقد تحالفت قوى الغرب المسيحي على العالم الإسلامي، بل وعلى مسلميها أيضا وراحت تدمغ الجميع بالإرهاب والعنف وعدم الحداثة وما إلى غير ذلك من الأوصاف التي يحويها قاموس الظلامية الذي صكه الغرب مرادفا بما بين دفتيه للإسلام والمسلمين..

نمو النزعة المسيحية التصادمية

تصريحات بينيدكت إذا ليست بدعة من الغرب محدثة تحتاج إلي فغر الفاه دهشة وزيغ البصر تعجبا، فالغرب نضحت ألسنتهم بما تضمره قلوبهم تجاه الإسلام والمسلمين على اختلاف ألوانهم وأجناسهم، وراحوا يبحثون مجددا عن هويتهم المسيحية المتعصبة التي ما وجدوا من سبيل للرجوع إليها والوصول لها إلا التعرض للإسلام وأتباعه.

 ونمو النزعة المسيحية المتعصبة، هذه ليست وليدة اليوم في حقيقة الحال، ولم تقتصر على رجال الكنيسة بل تعدت إلى رجال السياسية والحكم في الغرض عامة.

 فعلى مستوى رجالات الكنيسة، سبق وطرحه البابا الراحل يوحنا بولس الثاني عندما صرح في إحدى مواعظه بأن "أوروبا بدأت تعي وحدتها الروحية وتستند إلى القيم المسيحية". وظهر ذاك الطرح مرة أخرى مع تولى بينيدكت منصب البابوية، حيث يولي موضوع "الجذور المسيحية لأوروبا" اهتماما خاصا في أجندته.

 ففي محاضرة ألقاها في 27 فبراير 2006، أثناء لقائه في الفاتيكان بمجموعة من الكهنة الأرثوذكس اليونان صرح بقوله: "علينا أن نواجه التحديات التي تهدد الإيمان، وننشر السماد الروحاني الذي غذى لقرون أوروبا، بإعادة التأكيد على القيم المسيحية، ودعم السلام والتلاقي حتى في الظروف الأكثر صعوبة، وتعميق العناصر المستمدة من الإيمان والحياة الكنسية التي من شأنها أن تؤدي إلى غاية الاتحاد الكامل في الحقيقة والمحبة".

 وشدد على "الجذور المسيحية" لأوروبا خلال "صلاة التبشير" التي أقيمت في فالي دوستا شمال ايطاليا، وقال: "يبدو من الطبيعي التوقف عند ما قدمته المسيحية وما زالت تقدمه من مساهمات لبناء أوروبا".

 وصدر ذلك الطرح سياسيا أيضا من قبل قيادة حزب الإتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ في ألمانيا حيث أكدت، قبيل تولي أنجيلا ميركيل منصب المستشارية، على أن أولوية سياسته الخارجية ستركز على "العلاقة الخاصة" مع الولايات المتحدة الأمريكية وتنشيط آليات التعاون مع الحليف الأطلسي الأكبر، بالإضافة إلى تحديد هوية وماهية الإتحاد الأوروبي التي تقوم على الجذور والإرث المسيحي لأوروبا.

 كما كرر برنامج الحزب المسيحي المحافظ رفضه القاطع لانضمام تركيا للإتحاد الأوروبي وتقديمه عرضاً بديلا للحكومة التركية أطلق عليه اسم "الشراكة المميزة"، حيث ترفض ميركيل عضويتها الكاملة رفضا قاطعا، مشيرة إلا أن انضمامها إلى الإتحاد الأوروبي سيغير من "هوية أوروبا القائمة على الإرث المسيحي".

 ومنذ وقت قريب انتهز الرئيس الأمريكي جورج بوش فرصة التعليق على ما أعلنته السلطات البريطانية، بشأن إحباط "مؤامرة إرهابية" تستهدف تفجير طائرات ركاب في الجو، فذكر سامعيه بأن الولايات المتحدة في حالة حرب مستمرة مع "فاشيين إسلاميين".

 ومن قبل كانت بالطبع "زلاته" المعتادة عن "الحرب الصليبية الجديدة" التي بشر بها من قبل الرئيس الأمريكي أيضا رونالد ريجان، وجورج بوش الأب.

 وفي إيطاليا، حيث معقل الكاثوليكية ومقر البابوية، أطلق رئيس مجلس الشيوخ "مارتشيللو بيرا" منذ أشهر قطارا أطلق عليه "قطار الغرب السريع" تحت ذريعة الحفاظ على الهوية الغربية المسيحية التي يعتبرها مهددة من طرف الإسلام.

 وحمل القطار الذي انطلق من العاصمة روما قافلة ضمت أكثر من 500 سياسي، فيما كُتب على بعض عربات القطار عبارة "أصول مسيحية".

 وقال مارتشيللو عقب وصول القطار إلى بولونيا "إن الإسلام يصبح خطرا على ثقافتنا في حال افتقادنا لهويتنا،[...]، لمواجهة هذا الخطر على الغرب وأوروبا عدم الخضوع لفكرة مجتمع متعدد الجنسيات".

 واختتم حديثه أمام أكثر من 3 آلاف متظاهر، قائلاً: "سننطلق بقطارنا إلى باريس، مدريد، إسطنبول، وسنتعدى بقافلتنا حتى نصل إلى المحيط الأطلسي".

  الحرب الصليبية الجديدة

تلك التصريحات التي أدلى بها البابا أججت بصورة تكاد تكون نهائية الصراع ما بين الغرب المسيحي والعالم الإسلامي.. ونصبت من بابا الفاتيكان قائدا مُنَظرا ومشرعا للحروب الصليبية التي تشنها الولايات المتحدة و"وتحالف الراغبين الدائمين".

 فصدورها من أعلى سلطة كنسية كاثوليكية واستشهاده بمقولات وحوارات تاريخية لا يدع مجالا لتأويلات خادعة من طبيعة تلك المخادعات التي روجت لتبرير تصريحات بوش، من كونها زلة لسان سياسي.. أو تلك المتعلقة بالإساءة التي صدرت من عدة صحف أوروبية قبل أشهر وانتهكت حرمة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهو ما عرف في حينه بقضية الرسوم المسيئة، بدعوي حرية الرأي والتعبير.

 الأخطر في تلك التصريحات إذن ليس مضمونها الفارغ، وكشفها لحقد دفين وجهل فاضح عند القيادات الكنسية، ولكن في كونها أعطت مبررا كنسيا لتلك الحروب التي يشنها الغرب ضد العالم الإسلامي، إذ أن القضاء على "الشر" الذي جاء به نبي الإسلام ـ كما تفوه بينيدكت ـ سيكون حتميا كي يعيش الغرب المسيحي في أمن وسلام من هذا الدين الذي امتطى سطوة السيف ليروض به الناس ويرغمهم على اعتناقه!!

الحادث إذن أننا أمام راع بقر أمريكي مصاب بلوثة الصهيومسيحية، دفعته دفعا لشن حروبه تحت مزاعم ومبررات شتى ضد العالم الإسلامي، ويقف من أمامه متعصب لا يرى في الإسلام إلا عنفا وشرا يقدم له المبررات الكنسية التي تسعر من لهيب الحرب وتشعل أتونها دوما وبلا انقطاع.

ماذا بعد تصريحات بابا الفاتيكان؟

في رأينا أن تلك التصريحات المقيتة الصادرة من بابا الفاتيكان يمكن أن تخلف ثلاثة آثار، ستلقى بظلال أكثر ضبابية على العلاقة بين الغرب المسيحي والعالم الإسلامي:

  أولا: انتهاء ما يسمى بالحوار بين الأديان والحضارات

فحتى وقت قريب كان لأصحاب نظرية الحوار بين الحضارات وإمكانية التلاقي ما بين الأديان راية مرفوعة وحديث مسموع في بعض المجالس والمنتديات، لكن غالب الظن أن تصريحات بينيدكت ستقطع على هؤلاء الطريق وستقضى على تلك الدعاوى بالضربة القاضية لكونها صادرة من أعلى سلطة كنسية، وهي غير مبررة ولا يمكن ليّ مضمونها وما جاء فيها أو الاعتذار عنها بشيء من قبيل ما يعتذر به للسياسيين من قلة وعي واطلاع، أو الحرص على إرضاء شريحة يستميل أصواتها لعملية انتخابية، أو ما إلي ذلك.

 وقد بدأت بالفعل إرهاصات هذه القطيعة، حيث طالب د. نصر فريد واصل، مفتي مصر الأسبق، "أن تكون معاملتهم [الغرب] لنا بالمثل من حيث الحوار والتفاهم السلمي، فإن لم يفعلوا وأخذوا في إصدار التصريحات المستفزة ضد ديننا ورسولنا فيجب أن نتخذ مواقف حازمة، خاصة أن التصريحات هنا صادرة عن رأس الديانة المسيحية الكاثوليكية في العالم ما يعد تمهيدا لحرب صليبية جديدة يشارك فيه رجال الدين وليس القادة السياسيون فقط مثل الرئيس بوش الذي أعلن أكثر من مرة بأنه يقود حربا صليبية ضدنا ونحن لا نصدق أنها زلة لسان وإنما هي تعبير عما في قلبه".

 كما دعا د. محمد المسير، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، إلى إلغاء لجان حوار الأديان بين الأزهر والفاتيكان، مؤكدا أن هذا لا يعني مقاطعة البشرية وإنما "علينا أن نحترم ونتحاور مع من يحترمنا ويريد الحوار الجاد المتكافئ معنا وليس المتاجرة بحوار الأديان وطعننا في ديننا وإهانة مقدساتنا ورسولنا".

  ثانيا: تزايد الهوة والقطيعة مع الجاليات المسلمة

فالجاليات المسلمة في الغرب لا يمكن أن تنبت عن دينها، وتقف مكتوفة الأيدي وهي ترى ذلك التعصب وهذا الحقد على دينها ومعتقداتها الراسخة، ومن ثم فإن قطيعة بل صراعات عنيفة قد تأخذ مداها في الدول الغربية على نحو ما رأينا في فرنسا منذ أشهر عدة إذا لم تجد تلك الجاليات من يحفظ لها هيبة دينها واحترام مقدساتها.

 وما يمكن أن يغذي هذا المنحى من القطيعة والنفور أن الدول الغربية على اختلافها تشكل لها الجالية المسلمة هاجسا ديموغرافيا مقلقا ألقى بظلاله على عمليات عنف عنصرية طالت الجالية المسلمة في أكثر من دولة.

 فقد ظلت أوروبا تعول طيلة عقود من الزمن على قوة جاذبيتها وقدرتها على صهر الوافدين الجدد في بوتقتها البراقة الخادعة، ولكن تجلت خيبة آمالها، حينما اكتشفت أن جهودها وتصوراتها ذهبت هباء منثورا، بعد ما اتضح لها أن المحرك الأساس لهؤلاء الوافدين هو هويتهم الدينية وثقافتهم المرجعية وليست الثقافة الوافدة التي حاولت أن تصبغهم وتطليهم بها.

 وقد أشار "أوليفيي روي" في كتابه "الإسلام المعولم" إلي تلك الظاهرة بقوله: "من بين 379 مليون نسمة يعيشون في أوروبا، هناك اثني عشر مليونا قادمون من دول ذات ثقافة إسلامية[...]، ولقد ظنت الدول الأوروبية طيلة عقود أن نماذج كل واحدة منها سوف تسمح لهذه الجاليات الجديدة أن تجد داخلها مكانا مراهِنة في ذلك على القوة الإدماجية لبعض الأقطار التي تنعم بالرفاهية وبنظام حياة جاذب؛ وذلك عن طريق السوق والمبادرة الفردية، أما اليوم فإن أغلب الدول الأوروبية أصبحت تعيد النظر في هذه النظرة التفاؤلية".

 وفي معرض تفسيره لتلك الظاهرة قال: "إن الفجوة بين المجتمعات المعلمنة والجاليات التي يبقى الدين بالنسبة لها دليل سلطة وقوة أصبحت مصدر إشكال، فالمتدينون الملتزمون يعتبرون القرآن مصدر تشريع يتجاوز الهويات الوطنية".

  ثالثا: إعطاء المبرر والغطاء لعمليات عنف في الغرب

كثيرا ما يعول تنظيم القاعدة الذي يقوده أسامة بن لادن على البعد الديني الذي يدفع الغرب إلى احتلال ديار الإسلام وهتك عرض المسلمين ونهب ثرواتهم، وهم ما جعله مبررا لشن عمليات مماثلة حتى يرعوي الغرب ويقف عن طغيانه وجبروته المسلط على رقاب المسلمين.

 والذي لاشك فيه أن تلك التصريحات المشينة الصادرة من رأس النصارى الكاثوليك سيعزز من مصداقية التنظيم، ويسهل له عملية تجنيد خلايا ملؤها الغضب من إهانة دينها ومعتقداتها في الغرب لتتمكن فيما بعد من تنفيذ عمليتها.

 ففي تسجيله الأخير خاطب الرجل الثاني في التنظيم د. أيمن الظواهري الغربيين بقوله: "إن قادتكم يخفون عنكم حقيقة الكارثة، وإن الأيام حبلى وستلد أحداثًا جديدة بمشيئة الله وهدايته،[...]، وإن أية هجمات تشن على غربيين ويهود في أي مكان هي هجمات عادلة"، لأن "السياسة الدولية تقوم على قمع المسلمين".

إن المتأمل لمجريات الأحداث، يخرج بانطباع ملزم بأن الإسلام أصبح عدوا مشتركا، وصداعا مزمنا في قلب العالم الغربي الذي اختار الصراع طريقا، والحرب نهجا في تعامله مع الإسلام، مدفوعا بروح التعصب المسيحي.. والمسيح منه براء.

المصدر: مفكرة الإسلام
  • 1
  • 1
  • 11,736
  • nada

      منذ
    لابد ان يعلم النصارى انه لا دين فى مصر غير الاسلام
  • Walid Khier

      منذ
    [[أعجبني:]] for this man and his alike. He removed the need for a mediator between the individual and his God. He declared equality among races and genders, thus was the first in history to acknowledge human rights. He brought a religion with no institutes, churches, temples . No monks are needed, no wholy father running here and there wearing golden crowns enjoying unlimited power. Sure that is too evil.
  • أبومبارك

      منذ
    [[أعجبني:]] كل مافي المقاله شئ طيب وجزاه الله خيرا

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً