قلوب أهل الجنة

منذ 2014-01-12


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا.

وبعد؛

إن الحديث عن القلب وأحواله حديث بالغ الأهمية في وقت انشغل فيها الناس بالظواهر واستهانوا بأمر القلوب والبواطن وما علِموا أن شأنها عند الله عظيم.

ونحن الآن نشكو إلى الله الغفلة عن قلوبنا، وأننا نهتم بأنفسنا كثيرًا، نهتم بمظهرنا، بيوتنا، بمراكبنا، مأكولاتها، مشروبنا، ولكنا نغفل كثيرًا عن قلوبنا، أن نراقب هذا القلب أن نرعاه أن نحرص عليه لا نهمله كثيرًا ونغفل عنه بالتالي يمتلئ بغضًا على فلان وحقد على فلانة، وسوء ظن بفلانة فتجتمع والعياذ بالله نكت سوداء نكته نكته حتى يصبح القلب «أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا، لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا» (رواه مسلم) والعياذ بالله.

قال تعالى: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88-89]، فلن ينجو يوم القيامة إلا صاحب القلب الطاهر السليم قال ابن القيم رحمه الله: "القلب السليم هو الذي سلم من الشرك، والغل والحقد، والحسد والشح، والكِبر وحب الدنيا والرئاسة فسلم من كل آفة تُبعِده عن الله وسلم من كل شبهة تُعارِض خبره ومن كل شهوة تعارض أمره، وسلم من كل إرادة تزاحم مراده، وسلم من كل قاطع يقطعه عن الله" (سلامة الصدر؛ محاضرة للأستاذه: وفاء الفاضل).

والقلب محل نظر الرحمن كما جاء في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى أجسادكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم» (رواه مسلم).

لذا فإن دين الإسلام حرص حرصاً شديدا على أن نكون الأمة أمة واحدة في قالبها وقلبها تسودها عواطف الحب والود والتعاون علىا لبر والتقوى، والتناصح البناء الذي يثمر إصلاح الأخطاء مع صفاء القلوب وتآلفها دون فرقة وغل وحسد.

وقد جاءت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية منسجمة متناسقة متضافرة، لتحقيق ذلك المقصد الشرعي الكبير.

فمن تلك الآيات قوله عز وجل في الطائفتين المتقاتلتين من المؤمنين: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات:10]، فالأخوة الإيمانية تعلوا على كل الخلافات مهما أشدت وطأته واضطرمت شدته وبلغ حد الاشتباك المسلح.

وأما الأحاديث فمنها قوله عليه الصلاة والسلام: «لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانًا» (رواه الشيخان).

ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه» (رواه الشيخان).

وقد امتدح الله نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله؛ {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]، ولنا فيه قدوة حسنه، فقد كان من دعائه: «واسلل سخيمة صدري» «سخية صدري»: أي غشه وحقده وغله (الحديث أخرجه الأربعة: أبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجة، وابن حبان).

قد ضرب عليه الصلاة السلام أروع الأمثلة في الصفح والعفو؛ وعندما اجتمعت قريش في المسجد يوم الفتح قريش التي مازالت تقاتله وتسبه وقد أخرجته من بلده قال صلى الله عليه وسلم: «يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟»، قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم فقال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء» (رواه بن إسحاق في السير).

وهذا الخلق هو خلق الأنبياء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَال: "كَأَنِّي انْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَحْكِى نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ، وَهْوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُ»" (أخرجه البخاري: [3477]، و[6929]، ومسلم: [1792]).

قال النَّوَوِيّ: "هَذَا النَّبِيّ الَّذِي جَرَى لَهُ مَا حَكَاهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَقَدْ جَرَى لِنَبِيِّنَا نَحْو ذَلِكَ يَوْم أُحُد".

ولقد ضرب الصحابة رضي الله عنهم أروع الأمثلة في سلامة القلوب وطهارة الصدور، فكان لهم من هذه الصفة أوفر الحظ والنصيب فقد قال الله عز وجل فيهم: {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر من الآية:9].

وقال: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح من الآية:29].

ولقد كان لسلامة الصدر عندهم منزله كبرى حتى إنهم جعلوها سبب التفاضل بينهم، قال إياس بن معاوية بن مرة عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: "كان أفضلهم عندهم أسلمهم صدرًا وأقلهم غيبة"، ولنا في سلفنا الصالح قدوة.


 

وقد قال سفيان بن دينار لأبي بشير أحد السلف الصالحين: "أخبرني عن أعمال من كان قبلنا؟ قال: كانوا يعملون يسيرًا ويؤجرون كثيرًا. قال سفيان: ولم ذاك قال أبو بشير: لسلامة صدورهم".

فهاهو الإمام أحمد قد جعل كل من آذاه في حلٍ إلا أهل البدع وكان يتلو في ذلك قوله تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} [النور من الآية:22]، ويقول: "ما ينفعك أن تعذّب أخوك المسلم بسببك؟".

وقد قال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى:40].

يقول الشيخ عبد العزيز السدحان: "سألت الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن سبب محبة الناس له؟ فكأنه لم يروِ الإجابة ولما كرَّرتُ السؤال؛ قال: لا أعلم في نفسي غلًا على مسلم ولم أعلم بين اثنين شحناء إلا سارعت الإصلاح بينهما".

فضائل سلامة الصدر:

1- أنها صفة أهل الجنة الذين هم خير أهل ومعشر قال تعالى: {

يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}.

2- أن صاحبها خير الناس وأفضلهم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد سُأِلَ أي الناس أفضل؟

فقال: «كل مخموم القلب، صدوق اللسان»، قالوا: فما مخموم القلب؟ قال صلى الله عليه وسلم: «هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد» (رواه ابن ماجة في الزهد: [4216] بسندٍ لا بأس به).

3- إن سلامة القلب من موجبات الجنة فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَطْلع الآنَ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ»، فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ مَاءِ وُضُوئِهِ، قَدْ عَلَّقَ نَعَلَيْهِ بِيَدِهِ الشِّمَالِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرَّةِ الأُولَى، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الأَوَّلِ، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، فَقَالَ: إِنِّي لاحَيْتُ أَبِي، فَأَقْسَمْتُ أَنِّي لا أَدْخُلُ عَلَيْهِ ثَلاثًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ فَعَلْتَ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ أَنَسٌ: فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنْ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ الثَّلاثَ اللَّيَالِيَ فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ تَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَبَّرَ حَتَّى صَلاةِ الْفَجْرِ".

"قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلا خَيْرًا، فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلاثُ اللَّيَالِي وَكِدْتُ أَنْ أَحْتَقِرَ عَمَلَهُ، قُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي غَضَبٌ وَلا هِجْرَةٌ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ لَكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلاثَ الْمَرَّاتِ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ فَأَنْظُرَ مَا عَمِلْتَ فَأَقْتَدِيَ بَكَ، فَلَمْ أَرَ عَمِلْتَ كَبِيرَ عَمَلٍ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: مَا هُوَ إِلا مَا رَأَيْتَ، فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلا مَا رَأَيْتَ، غَيْرَ أَنِّي لا أَجِدُ فِي نَفْسِي لأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا، وَلا أَحْسُدُهُ عَلَى شَيْءٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: هَذَا الَّذِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي لا نُطِيقُ" (إسناده على شرط البخاري ومسلم، الترغيب والترهيب: [4/32]).

4- أنها تجمع القلب على الخير، والبر، والطاعة والصلاح فليس أروح للمرء ولا أطرد للهم ولا أقر للعين من سلامة الصدر على عباد الله المسلمين.

5- أنها تقطع سلاسل العيوب وأسباب الذنوب فإن من سلم صدره وطهر قلبه عن الإرادات الفاسدة والظنون السيئة عف لسانه عن الغيبة والنميمة وقالة السوء.

6- ان فيها صدق الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه صلى الله عليه وسلم أسلم الناس صدرًا وأطيبهم قلبًا وأصفاهم سريرة، كما مرَّ سابقًا.

علاج عدم سلامة القلب:

أولًا: الإخلاص


 

عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن: إخلاص عمل، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من ورائهم» (رواه أحمد، وابن ماجة).

ومن المعلوم أن من أخلص دينه لله عز وجل فلن يحمل في نفسه تجاه إخوانه المسلمين إلا المحبة الصادقة، وعندها سيفرح إذا أصابتهم حسنه، وسيحزن إذا أصابهم مصيبه، سواءً كان ذلك في أمور الدنيا أو الآخرة.

ثانيًا: الرضا بقضاء الله وقدرة


 

والعلم أنه سبحانه وتعالى حكم عدل وأن الخير فيما أختاره الله وأن الله أرحم بالعباد من أنفسهم: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف من الآية:32].

وقال صلى الله عليه وسلم: «وأرض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس» (غريب من حديث الحسن تفرد به جعفر عن أبي طارق؛ حلية الأولياء: [6/321].

قال ابن القيم: "وكلما كان العبد أشد رضا كلما كان قلبه أسلم".

ثالثًا: أن يتذكر العبد تقصيره في حق الله عز وجل وهو أعظم الحقوق.

فماهو حق الله؟ فإذا كنت مقصرًا في حق ربك فلما تريد أن تتقاضى حقك كاملًا من المخلوقين؟


 

وكذلك العبد من المقاصاة مع المخلوقين: أن تتذكر تقصيرك أنت في حقهم فلماذا لا تتحمل منهم ما تريد أن يتحملوا منك؟ 

فعلى الإنسان أن ينشغل بعيوب نفسه ويعمل على إصلاحها.

رابعًا: قراءة القرآن وتدبره

فهو دواء لكل داء والمحروم من لم يتداو بكتاب الله، قال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت:44].

وقال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً} [الإسراء:82]، فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة.

خامسًا: تذكر الموت والزهد في الدنيا

والعلم بحقارتها وسرعة زوالها وأنها لا تدوم على حال يقول أبو درداء رضي الله عنه: "ما أكثر عبد ذكر الموت إلا قل فرحه، وقل حسده".

ومنه أيضاً الزهد فيما في أيدي الناس وهذا مدعاة لحبهم لقوله صلى الله عليه وسلم: «وأزهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس» (رواه ابن ماجة).

سادسًا: الدعاء

فيدعوا العبد ربه دائماً أن يجعل قلبه سليمًا على إخوانه وأن يدعو لهم أيضًا فهذا دأب الصالحين، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر من الآية:10].

وكذلك الدعاء للإخوان لا سيما من ظلمك إذ لها أثر طيب على القلب، ومنها الجود بالعرض كما فعل أبو ضمضم وهذا من العلاجات الناجحة والمجربة.

سابعًا: الصدقة

فهي تطهر القلب وتزكي النفس ولذلك قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {خُذْ مِنْ أَمْوَالهمْ صَدَقَة تُطَهِّرهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة من الآية:103].

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «داووا مرضاكم بالصدقة» (صحيح الترغيب)، وأحق المرض بالمداوة مرض القلوب، وأحق القلوب بذلك قلبك الذي بين جنبيك.

ثامنًا: كظم الغيض وضبط النفس

في كل ميدان ولا سيما مجال الحوار والنقاش ووزن الكلام قبل الشروع في نطقه.

تاسعًا: العفو والصفح ثم الدفع بالتي هي أحسن ابتغاء مرضاة الله قال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ . وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:34-35].

عاشرًا: حسن الظن بالآخرين والتماس العذر لهم

قال أحد السلف: "التمس لأخيك عذراً إن لم تجد له عذراً فاتهم نفسك بسوء الفهم".

الحادي عشر: ثلاثة أيام

لقوله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بما يذهب وخر الصدر؟ صوم ثلاثة أيام من كل شهر» (إسناده صحيح أو حسن، الترغيب والترهيب: [2/135])، ووحر الصدر: هو الغل".

والحكمة في ذلك أن الإنسان صاحب قوتين: "قوة غضبية، قوة شهوانية"، ومن أنفع الأشياء لتسكين ذلك الصوم لأنه يضعف إرادة الانتقام والتشفي (قوة غضبية).

الثاني عشر: السعي للإصلاح والقضاء على المشاكل والخلافات أول بأول بالمصارحة الودية حتى لا تتراكم في النفس وعدم التعجل في اتخاذ الحكم على الآخرين.

الثالث عشر: تذكر قوله تعالى: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه} [فاطر من الآية:43]، قال السعدي رحمه الله: "أي الذي مقصودة سيئ ومآله وما يرمي إليه سيئ باطل فمكره إنما يعود إليه).

وأخيرًا أقول لكم الفرق بين سلامة الصدر، والبَلَه:

فأنقل كلام ابن القيم حيث قال: "الفرق بين سلامة الصدر والبله والتغفُّل: أن سلامة القلب تكون من عدم إرادة الشر بعد معرفته، فيسلم قلبه من إرادته وقصده لا من معرفته والعمل به، وهذا بخلاف البله والغفلة فإنها جهل وقلة معرفة، وهذا لا يحمد إذا هو نقص، وإنما يحمد الناس متى هو كذلك لسلامتهم منه، والكمال أن يكون عارفًا بتفاصيل الشرَّ سليمًا من إرادته".


 

قال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: "لست بخب ولا يخدعني الخب". وكان عمر أعقل من أن يخدع وأروع من يخدع".

وختامًا:

فقضية سلامة الصدر قضية تحتاج إلى التدرج في البناء الأخلاقي حتى نصل إلى ماهو أفضل وقد خلق الله الدنيا في ستة أيام مع أنه قادر على أن يخلقها بكلمة {كُنْ}. ولكن الله أختار لنفسه سنة الإنشاء والتدرُّج، فلا تيأسي إذا أخفقتِ مرة أو مرتين في التخلُّص من صفةٍ سيئة بل توكلي على الله واستعيني به مع الإخلاص والمجاهدة قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت من الآية:69].

اللهم إنا نسألك صدورًا سليمة وقلوبًا طاهرة نقية.


 

اللهم طهر قلوبنا من الشرك والشك والنفاق وسائر الآفات.


 

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين.

ــــــــــــــــــــ

مراجع المحاضرة:

[1]- (سلامة الصدر؛ محاضرة للأستاذه: وفاء الفاضل).

[2]- (مطوية عن: سلامة الصدر، للشيخ: عبد الملك القاسم).

[3]- (خطبة سلامة الصدر).

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

العنود المحيسن

- خريجة كلية الشريعة - تخصص فقه مقارن / جامعة الملك سعود بالرياض - محاضرة ومدربة في معهد معلمات القرآن الكريم بغرب الرياض - مديرة دار الإمام محمد بن سعود لتحفظ القرآن الكريم بغرب الرياض

  • 8
  • 0
  • 25,855

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً