بيان بشأن وضع الجهاد الشامي والمخاطر المحيطة به

منذ 2014-01-13
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، وسلم تسليمًا كثيراً.

أما بعد:



فإن أمة الإسلام أصبحت تدرك في عصرها الحاضر أن نهضتها وعزتها لن تكون إلا بتحكيم شرع الله وإقامة الجهاد في سبيل الله. فتحكيم شرع الله هو الواجب الأعظم على الأمة أفراداً وجماعات، وهو المقصد الذي شرعت الولاية في الدين لحفظه، بل هو مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والجهاد في سبيل الله هو ذروة سنام الإسلام، الذي إذا تركته الأمة تسلّط عليها الأعداء، وتمكّنوا منها، وضُربت عليها الذلة، وإذا قامت به على الوجه المشروع لم يُفتن المسلمون في دينهم، وخُلي بين الناس وشريعة الإسلام، وكان الدين كله لله كما قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ[الأنفال من الآية:39]. وحينها سيهابها أعداؤها، ولن ينتقص من حقوقها وسيادتها.



إلا أن الأمة في طريقها لتحقيق هذين الأمرين، فوجئت بعوائق وعقبات يعجز القلم عن وصفها، من أشدّها وأنكاها: الفرقة والاختلاف المصحوبة بالأهواء والتباس الحق بالباطل، وهو الباب الذي نفذ منه الأعداء، فقاموا باختراق صفوف الدعاة والمجاهدين بزرع الموالين لهم، وشراء الذمم، وصنع ولاءات خفيّة تحت أغطية لا يعرف حقيقتها إلا القليل، ويُخدع بها الكثير، فتنشأ من جرّاء ذلك الخصومات، ويكون بأس المجاهدين بينهم بسبب مصالح حزبية أو فردية، أو بسبب تحريش المندسين بينهم، كما شاهدناه في أفغانستان والعراق، وكما هو حاصل في سوريا الآن التي يُخشى أن يكون مصيرها كمصير غيرها إن لم تتخذ الإجراءات الشرعية لتلافي ذلك.



وإننا إذ نبارك لأهلنا المجاهدين في الشام انتصاراتهم، ونضع أيدينا في أيديهم، انتصاراً لهم على من ظلمهم وبغى عليهم، خاصة وأن أخبار فتوحاتهم تصلنا يوماً بعد يومٍ، فإننا نستشعر بأن أشدّ ما يلاقيه المجاهدون على أرض الشام في هذه الأيام: الاستهانة بالدماء، والمسارعة في التكفير، ومحاولة الصد عن الجهات الشرعية التي يجب الرجوع إليها، وتخوين العلماء والقادة والناصحين.



ورغبة منا في الحيلولة دون ضياع جهد إخواننا المجاهدين على أرض الشام، وتحذيرًا للمجاهدين ومن يعينهم على جهادهم بالمال وغيره من المكائد والانخداع بها، وبعد سبرٍ طويل للواقع وجذور الخلاف وتتبعٍ لأبعاده التي تصبّ في مصلحة أعداء الجهاد والمتربصين به، فإننا نؤكد لعموم المسلمين وللمجاهدين منهم خصوصاً على ما يأتي:


 
• أولاً: نذكر إخواننا المجاهدين الصادقين بالمقصد الحقيقي للجهاد في سبيل الله، وهو كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» (رواه البخاري ومسلم). وإن من مقتضى ذلك، أن يحذر المجاهد غاية الحذر من أن يذهب دمه هدراً في غير سبيل الله، أو أن يقع في الاستهانة بدماء المسلمين، أو الحكم على أهل القبلة بالكفر والردّة بذرائع لا تنهض لذلك في ميزان أهل العلم والتحقيق.

• ثانياً: ندعو كافة الفصائل المجاهدة إلى الاعتصام بالكتاب والسنة، ورد كل ما اختلفوا فيه إليهما، مع السير على منهج سلف هذه الأمة في التعامل مع الأحداث والنوازل، خصوصاً ما كان من أهل القرون المفضلة. ومن المهم التذكير في هذا المقام بما ثبت عند البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "من بايع رجلاً على غير مشورة المسلمين، فلا يتابع هو ولا الذي بايعه، تَغِرة أن يقتلا". قال الإمام ابن حجر في شرح الحديث: " أي حذراً من القتل، وهو مصدر من أغررته تغريراً أو تغرة، والمعنى أن من فعل ذلك فقد غرر بنفسه وبصاحبه وعرضهما للقتل" أ.هـ. ولذلك فإن فرض فصيل معين لنفسه على أنه الجهة الوحيدة ذات المشروعية، وأنه يجب على الفصائل الأخرى الدخول تحت ولايته دون مشورة المسلمين، وإلا فسيكونون من الخوارج الذين تستباح دماؤهم، كل ذلك من الاستبداد المحرم، واغتصاب السلطة غير المشروع، وهو السبب الرئيس للفرقة والتقاتل، والواجب هو التكاتف والتعاون لرد العدو الصائل، وعدم إشغال المجاهدين عن هدفهم الأسمى بمعارك حزبية خاصة، وعدم الانسياق وراء لافتات وهمية ليس لها رصيد من المشروعية الدينية والواقعية.



• ثالثاً: نؤيد ما ذهب إليه عدد من أهل العلم من وجوب وجود محكمة شرعية مستقلة عن جميع الفصائل، يخضع لحكمها جميع المجاهدين من أمراء وقادة وأفراد، وتفصل فيما ينتشر اليوم في ساحة الجهاد الشامي، من دعاوى بقتل المجاهدين أو اعتقالهم أو حبسهم أو تعذيبهم أو الاستيلاء على أموالهم، وأن واجب إنشاء هذه المحكمة والرضوخ لحكمها يقع على جميع الفصائل ذات الشوكة في أرض الشام، ونؤكد على أن من أبى الخضوع لشرع الله عند التنازع، فكيف يُصدّق بأنه سيطبق الشريعة كاملة إذا تحررت الشام من الباطنيين والصفويين ؟!



• رابعاً: نحذر من الغلو والبغي الذي يجهض الجهاد ويسيء إليه، ونؤكد على أن واجب مواجهته يقع على عاتق الجميع من العلماء والدعاة وأصحاب الرأي وقادة الفصائل المجاهدة، وأن المبادرة بالإنكار لهذا الغلو وبيان مخاطره، وتواطؤ الجميع على التحذير منه سيكون سببًا بإذن الله في تحصين المجاهدين وتوعية من يذهب إليهم، وربما كان علاجًا لمن تلبّس بشيء من هذه الآراء كما يشهد به الواقع.



• خامساً: نذكر المجاهدين ومن يقف وراءهم بالاعتبار بما جرى في ساحات الجهاد الأفغاني والعراقي وغيرها، من التقاتل والفرقة التي أفشلت جهاد الأمة في عصرها الحديث، وأجهضت نهضة الجهاد المعاصر، وأن من أهم أسباب ذلك افتئات بعض الفصائل على بعض، وقد قال الله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ[الحشر من الآية:2]، وقال سبحانه: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ[الأنعام:11].



• سادساً: نحذر أهل الجهاد من أن الفرقة بينهم فضلاً عن التقاتل، وعدم نزع أسباب ذلك، هي التي تمكن المتربصين بالجهاد الشامي من تمرير مشاريعهم السياسية لإجهاض الجهاد واختطافه، سواء كانت مشاريع دولية أو إقليمية خارجية أو داخلية، وتحقق القضاء على أمل الأمة في إقامة دولة إسلامية عادلة في بلاد الشام، ونوصيهم بالعمل على تهيئة الظروف واتخاذ السبل وفق السياسة الشرعية للمحافظة على ثمرة جهادهم.



• سابعاً: نستنكر محاولات تخوين وإسقاط العلماء والدعاة الصادقين، وقادة الفصائل والتنظيمات المؤيَّدة منهم، بدون بينة ولا برهان ولا محاكمة، ونؤكد بأن هذه المحاولات ستفضي بلا شك إلى تعميق الخلاف ووقوع الفرقة والتنازع في صفوف المجاهدين، وجعلهم شيعًا وأحزابًا متفرقين متناحرين. وهذا الذي حذّر الله عز وجل منه ومن آثاره السيئة، وذلك في قوله جلّ وعلا: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ[الأنفال من الآية:46].
 

• ثامناً: ندعو الإخوة الداعمين للجهاد، إلى أن يتقوا الله في أموالهم بوضعها في الأيدي الأمينة، حتى لا تكون سببًا في إراقة دماء المسلمين أو إيذائهم، وتمكين العدو من رقابهم من حيث لا يشعرون، أو إثارة الفرقة والخلاف بينهم.


وختاماً، نسأل الله أن يحفظ إخواننا المسلمين والمجاهدين في كل مكان، وأن يجمع كلمتهم على الحق، وأن يكف بأس الذين كفروا عن المسلمين في كل مكان، والله أعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه والحمد الله رب العالمين.
 

يوم الأربعاء 7/3/1435هـ

.



الموقعون:



1. فضيلة الشيخ العلامة/ د.عبدالله بن محمد الغنيمان
2. فضيلة الشيخ/ د.عبدالرحمن بن صالح المحمود
3. فضيلة الشيخ/ د.محمد بن ناصر السحيباني
4. فضيلة الشيخ/ أ.د.سعد بن عبدالله الحميد
5. فضيلة الشيخ/ أ.د.ناصر بن سليمان العمر
6. فضيلة الشيخ/ أ.د.علي بن سعيد الغامدي
7. فضيلة الشيخ/ أحمد بن عبدالله آل شيبان
8. فضيلة الشيخ/ أ.د.سليمان بن حمد العودة
9. فضيلة الشيخ/ د.محمد بن سعيد القحطاني
10. فضيلة الشيخ/ د.عبدالله بن حمد الجلالي
11. فضيلة الشيخ/ د.عبدالعزيز بن عبدالمحسن التركي
12. فضيلة الشيخ/ د.خالد بن عبدالله الشمراني
13. فضيلة الشيخ/ د.عبدالله بن عبدالرحمن الوطبان
14. فضيلة الشيخ/ د.حسن بن صالح الحميد
15. فضيلة الشيخ/ د.خالد بن عبدالرحمن العجيمي
16. فضيلة الشيخ/ د.محمد بن عبدالله الخضيري
17. فضيلة الشيخ/ عبدالله بن ناصر السليمان
18. فضيلة الشيخ/ شاكر بن منير الحربي
19. فضيلة الشيخ/ د.محمد بن عبدالله الدويش
20. فضيلة الشيخ/ علي بن يحيى القرفي
21. فضيلة الشيخ/ محمود بن إبراهيم الزهراني
22. فضيلة الشيخ/ د.ناصر بن محمد الأحمد
23. فضيلة الشيخ/ محمد بن عبدالعزيز اللاحم
24. فضيلة الشيخ/ مسفر بن عبدالله البواردي
25. فضيلة الشيخ/ د.محمد بن عبدالعزيز الخضيري
26. فضيلة الشيخ/ مسعود بن حسين بن سحنون
27. فضيلة الشيخ/ د.عبدالله بن ناصر الصبيح
28. فضيلة الشيخ/ سعد بن ناصر الغنام
29. فضيلة الشيخ/ د.عبدالعزيز بن عبدالله المبدل
30. فضيلة الشيخ/ د.عبداللطيف بن عبدالله الوابل
31. فضيلة الشيخ/ عيسى بن درزي المبلع
32. فضيلة الشيخ/ عبدالله بن علي الغامدي
33. فضيلة الشيخ/ محمد بن سعيد بافيل
34. فضيلة الشيخ/ د.عبدالعزيز بن محمد العبداللطيف
35. فضيلة الشيخ/ محمد بن عبدالعزيز الماجد
36. فضيلة الشيخ/ حمود بن ظافر الشهري
37. فضيلة الشيخ/ د.سليمان بن عبدالله السيف
38. فضيلة الشيخ/ د.عبدالحميد بن عبدالله الوابل
39. فضيلة الشيخ/ أحمد بن محمد باطهف
40. فضيلة الشيخ/ سعد بن علي العمري
41. فضيلة الشيخ/ حمد بن عبد الله الجمعة
42. فضيلة الشيخ/ إبراهيم بن عبدالرحمن التركي
43. فضيلة الشيخ/ عبدالله بن فهد السلوم
44. فضيلة الشيخ/ أحمد بن صالح الصمعاني
45. فضيلة الشيخ/ عبدالرحمن بن علي المشيقح
46. فضيلة الشيخ/ محمد بن عدبالعزيز الحامد
47. فضيلة الشيخ/ خالد بن محمد البريدي

 

 

 

  • 3
  • 0
  • 2,887

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً