تذكير المؤمنين بآية التمكين

منذ 2007-02-10
تحدثت في مقالة السابقة عن سنن الله الكونية ووجوب تدبرها وحمل واقع الأمة ـ في كل عصورها ـ عليها، وذكرت (شروط النصر) كمثال حي على ذلك. ومن تلك السنن أيضا الواجب الوقوف عندها وتذكير الأمة بها (شروط التمكين)، فأمة الإسلام في أمس الحاجة ـ وهي تمر هذه الأيام بفترة نوازل جسام وتصاب ببلايا عظام ـ لمعرفة هذه الشروط واستقرائها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لتسعى إلى تحقيقها على قدر استطاعتها وحسب حدود إمكانيتها.

أمران مهمان يجب التنبيه عليهما في البداية:

الأول: لقد قلت أكثر من مرة وأعيد اليوم الكرّة منبها الدعاة والوعاظ الذين همتهم أحوال الأمة: نحن لا نمنع الكلام عن مشاكل الأمة وفساد أحوالها وتداعي أمم الكفر عليها، ولكن ينبغي إن يكون الحديث عن هذه المواضيع بحذر وبقدر، فالبعض هداهم الله يتكلمون عن هذا الواقع بصورة تزرع اليأس في النفوس وتوصد أمام العوام أبواب الأمل وتشيع روح الهزيمة بين صفوف الدعاة المصلحين وتنفي الخيرية عن هذه الأمة، مع إن الواجب الشرعي يحتم عليهم بعث الأمل في النفوس وتعليق القلوب بالله وتوضيح سنن الله الكونية في خلقه مع تشخيص الداء وطلب الدواء وإرشاد الأمة إلى الأخذ بأسباب التمكين ومعرفة شروطه، فالسيرة النبوية تحدثنا أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو محاصر في المدينة من قبل الأحزاب كان يبشر الصحابة بوعد الله لهم بتملك كنوز كسرى! إنها الثقة بنصر الله وعدم الانهزام أمام الواقع.

الثاني: إن التمكين في الأرض لأمة الإسلام ليس بالأمر السهل ولكنه في نفس الوقت ليس أمرا مستحيلا إن حققت الأمة شروطه وبذلت أسبابه بصدق فعلى الرغم من الحرب الضروس التي تشن على أمة الإسلام، فان المؤمن الصادق يوقن بوعد الله لها بوراثة الأرض وبصدق بشرى رسولها لها بالثناء والتمكين مصداقا لقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:105] وقوله صلى الله عليه وسلم: «بشروا هذه الأمة بالسناء والرفعة والنصر والتمكين في الأرض» رواه احمد.

الآيتان (55) و(56) من سورة النور أشارتا إلى شروط التمكين ولوازم بقائه واستمراره، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:55].

وقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النور:56] فالشروط: الإيمان الصادق بالله وتصديقه بالعمل الصالح، وتحقيق العبودية له، ومحاربة الشرك بكل أنواعه وأشكاله. ولوازم الاستمرار: إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم.

إن الأمة حين تلتزم بتحقيق هذه الشروط في جميع مناحي حياتها وتسير على النهج الذي رسمته لها هاتان الآيتان تحقق لها ـ بإذن الله ـ موعود الله لها بالتمكين والعز والأمن، ولكنها متى ما خالفت هذا المنهج وفرطت في تحقيق هذه الشروط تخلى الله عنها ووكلها إلى نفسها فسامها أعداؤها سوء العذاب ولن يكون لها بعد ذلك ـ وحين جنت على نفسها ـ عزاء بأي مصاب!...

يقول العلامة السعدي في كتابه الماتع (قصص الأنبياء) في فوائد قصة موسى عليه السلام: منها: "أن الأمة المستضعفة ولو بلغت في الضعف ما بلغت لا ينبغي أن يستولي عليها الكسل عن السعي في حقوقها ولا اليأس من الارتقاء إلى أعلى الأمور خصوصا إذا كانوا مظلومين، كما استنقذ الله بني إسرائيل على ضعفها واستعبادها لفرعون ومَلَئه منهم ومكنهم في الأرض وملكهم بلادهم"، ومنها: "أن الأمة ما دامت ذليلة مقهورة لا تطالب بحقها لا يقوم لها أمر دينها كما لا يقوم لها أمر دنياها".

ما أحوج الأمة اليوم إلى الاعتبار بقصص القرآن والاستفادة من دروسها وعبرها وما أحوجها على وجه الخصوص إلى دراسة سيرة نبيها صلى الله عليه وسلم والاعتبار بتاريخها الماضي لتقف على أسباب التمكين وفقا لسنة رب العالمين.

داود بن عبد الوهاب العسعوسي

خطيب مسجد الإمام احمد بن حنبل- الفيحاء- الكويت

  • 6
  • 3
  • 23,739
  • عادل

      منذ
    [[أعجبني:]] زرعتم الامل من جديد فى همة الامة
  • حسان صبح

      منذ
    [[أعجبني:]] الحمد لله : إن الله سبحانه وتعالى وعد المؤمنين بالتمكين والنصر إذا ما كانوا مؤنين ثم إن الله سبحانه وتعالى غيور على دينه أغير من كل خلق خلقه وحريص على دينه والنصر والتمكين وعدان من الله فإن لم يكونا على أيدينا فعلى أيدي قوم يحبهم الله ويحبونه أعزة على الكافرين أذلة على المؤنين لا يخافون في الله لومة لائم وبالتالي القضية محسومة والإسلام منتصر ولكن هل نستحق نحن أهل هذا العصر أن نكون السبب في النصر هذا إذا ما غيرنا ما في نفوسنا فأصبحنا أمة متواضعة لله عزيزة في المجتمع
  • أحمد عبد التواب سلطان

      منذ
    [[أعجبني:]] أعجبني الإشارة إلي هذا الموضوع الحيوي. [[لم يعجبني:]] طريقة التناول باهتة وتروج للسلبية والفتور واللامبالاة أين سنة التدافع مثلا؟ أين سنة الأخذ بالأسباب؟ أين العدالة؟ اين سنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ أم أنها سنن مكلفة، ومتعبة ، و..... يجب أخذ السنن كلها معا فعي من الشرع الذي أمرنا بالإلتزام به ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلي أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون ).
  • قاسم

      منذ
    [[أعجبني:]] الاسلام هو الاسلام.لا زال قادر على ان ينهى شقاء البشرية

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً