جولة شعرية على أنقاض الأمجاد الإسلامية

منذ 2014-01-20

كتبت هذه القصيدة منذ ٣٨ عام في العام ١٣٩٧ للهجرة خلال جولة للجامعة في بعض البلاد الإسلامية، ثم أُلقيت في حفل الحج السنوي أمام الملك خالد بن عبد العزيز عام ١٣٩٨هـ.

 
 
 
 
أهوَ حلمٌ في جفنِ هذا الوجودِ؟
 
قد ترنّحت في مداه البعيدِ
 
ثارَ في خاطري القريضُ، فعفواً
 
يارفاقي، إذا أزلتُ حدودي
 
وصحبت الخيال أسبح في الماضي 

على متن عزِّنا الموؤودِ
 
ياحياة رأيتها من كُوى التَّاريخ نشوى، 

إنِّي انطلقت فعودي 
يا خيالاً وصلتَني بسنا الأمجادِ 

هلاَّ أزلتَ عني جمودي
 
هَبْكَ ياقلب قد تمزَّقت حُزناً

فلماذا وقفتَ عن تأييدي
 
حرِّك العزمَ علَّني أصنعُ الأمجادَ، 

أبني صروحها من جديدِ
 
مُدَّ لي جسر ذكرياتي لعلِّي

أعبرُ الجسر نحوَ مجدٍ تليدِ
 
وأزرع الوردَ في طريقي فإني

أعشقُ السَّير في ظلالِ الورودِ
 
لم تزل تنزع الحروف بقايا

ذكريات تهزّ ركنَ وجودي
 
فوراءَ الرمالِ ألفُ حديثٍ

عن أبِيٍّ مناضلِ وشهيدِ
 
لم تزل تنبش القصائد عنها

خلف باب المفاخرِ الموصودِ
 
قد مضغنا كلَّ الحكايات عنهم

ونظمنا قصائد التمجيدِ
 
لو نهجنا طريقَهم وبذلنا

في سبيل الإسلام بعضَ الجهود
 
لرأينا الزمان يركض طوعاً

وضربنا بقبضةٍ من حديدِ
 
ذاكَ شأنُ الحياة، تخضع مهما

كان إعراضها، لكلِّ سديدِ
 
سافَر الشعرُ في عوالم إحساسي 

فرفقاً بالشاعرِ المهدودِ
 
سافرَ الشعرُ ياحروفُ أفيقي

واستقرّي كاللؤلؤ المنضودِ
 
سافرَ الشِّعرُ يامراكِبَ حسِّي

هاجَ شوقي إلى اللّقاء فعودي
 
راحِلٌ في مواطِني أقتل الرُّعبَ

 وأمضي على الطريق السديدِ
 
خاطِرُ الشعرِ لوعةٌ، وفؤادي

لوعةٌ، والأسى أشدّ القيودِ
 
هزَّةٌ عاطفيَّةٌ لو يشاء الله 

لاستجمعت رُفاتَ جدودي
 
غرِّدي ياقصيدتي فالمآسي

تتهاوى على لسانِ النشيدِ
 
وانقليني إلى صروح المعالي

رغم هذا المدى الطويل البعيدِ
 
لا تظنِّي ما بيننا من سِنِيِّ العمـرِ 

يقضي على اللّقاء السّعيدِ
 
لمْ أزل أنتشي لشدْو ابن زيدونَ

على سفحِ مجدِنا المفقود
 
لمْ تزلْ هاهُنا بقايا زهورٍ

غُرستْ حول رايَة التوحيدِ
 
إيهِ قصرَ الحمراءِ، ماذا دهاهم؟

أينَ من زيَّنوك بالتَّشييدِ
 
لم تزلْ في ثراكِ نكهة أمجادٍ 

أثارتْ صوتَ الرِّضى في قصيدي
 
وعلى السّفح طارقُ بن زيادٍ

أريحيّ الخُطا سليل الأسود
 
وخطا جُندِهِ أحاديث نصرٍ

ولسان الثَّرى حكاية عيدِ
 
مصرُ يا مصرُ قد تضيعُ الأماني

فتغنِّي برغم كلِّ حسود
 
قبّليني ففيك نكهة عمرو

ويقايا من الخباء المجيد
 
وعليهِ "اليمامتانِ" تبثَّانِ 

نشيداً يزيد صفو السعيدِ
 
وهنا الأزهر الشريف ولكن

ضاعَ صوتُ الشريف خلف السدودِ
 
مزِّقي صفحة الهوى وأفيقي

ولَقَد يعصف الهوى بالتَّليدِ
 
أيُّها الشَّام يا وثيقة عزٍّ

سُجِّلت في دفاتر التّأييدِ
 
نسيَ القومُ مجدنا والتَّآخي

وبطولاتِ خالدِ بن الوليدِ
 
نُسيتَ أيُّها العزيزُ وقامت

في بلادي وسائل التهويد
 
أيُّها الشّامُ قد أتيتُك مجروحاً 

فداوِ الجراحَ واحمل بريدي
 
وإذا ما أتيتَ مسجدنا الأقصى
 
وأحسستَ بالظلام العنيد
 
ورأيتَ الشموعَ موبوءة الأضواء 

مطعونةً برمح الجحود
 
ورأيتَ الأبطالَ تندى مآقيهم

وتهفو نفوسهم للقعودِ
 
فانتفض صارخاً وبدِّد سُباتَ 

القومِ واهتف بدعوة التوحيد
 
لترى ذلك النّؤوم وقد ثارَ 

وأهوى بسيفهِ المعهودِ
 
ذاكٓ طبع النفوسِ كالنّار يقوى

عزمُ أضوائها بفعل الوقود
 
غرِّدي يا عراق، فالشَّدْوُ نُعمى

في صداها يذوب كل جُحودِ
 
واحمليني على سفائن أشواقي 

إلى دوحة اللقاء السَّعيد
 
عانقي قلبي الحزينَ فإني

رغمَ حُرِّيَّتي أخاف قيودي
 
واعذريني إذا تغرّب ذهني

فثراك النّديُّ يُذكي شرودي
 
أنا في غُربتي أكبِّر للماضي 

وأحدوا قوافلَ التَّأييد
 
وأرى هاهنا معالمَ مجدٍ

عبقريٍّ وصورةً للرَّشيدِ
 
حينَ كانَ الوئامُ صورة أوطاني 

وكان الضلالُ رهنَ الرُّكودِ
 
ولبغدادَ عزّةٌ وإباءٌ

في ظلال الهُدى، ظلال الخلودِ
 
سامحيني، بغدادُ، قد سئم الشّعر 

وشاختْ وسائل التقليدِ
 
سامحيني إذا تبعثر إحساسي 

نشيداً وهمّت بالتَّرديدِ
 
فأنا شاعرٌ أحبَّك يا بغدادُ 

حُبَّاً تضيقُ عنه حدودي
 
مثلَ حُبّي لكُلِّ قطرٍ، عليهِ

رفرفتْ راية الكتاب المجيدِ
 
شاعرٌ يُطربُ القلوبَ ولكنْ

كم يُعاني من قلبهِ المفؤودِ
 
سُنَّة الشعر أنْ يعيشَ ذَوُوهُ

في شقاءٍ يخفُّ بالتّغريدِ
 
إنَّني يا عراقُ أنفثُ إحساسي 

وإبدي محبتي، أو صدودي
 
هو طبعي، فإنّ قلبي نقيٌّ

لا يُرائي، وذاكَ طبعُ الودودِ
 
ربّما يُوصِلُ النفاق لمن يَرْضى 

طريقَ النفاقِ للمقصودِ
 
وليكن ذاك إنهالمعة البَرْقِ 

ومن بعدها هديرُ الرُّعودِ
 
منطِقُ الحقِ خيرُ ما يذكر الشهم 

فسحقاً لمنطِقِ التمجيدِ
 
حكمة الله أن يظلَّ رفيعُ النّفـسِ 

وخْزاً في قلبِ كلّ حسودِ
 
أمّتي كيفَ تطلبينَ وفاءً؟

من غريقٍ، في غدرِهِ بالعهودِ
 
ها هُنا موعدٌ لإصلاحِ شأني

وهنا نظرة إلى تبديدي
 
وإذا أهدرت كريمة أصلٍ

أصلها، لم يعُدْ بلطْم الخدودِ
 
أمَّتي لم يزلْ يُحرِّك عزمي

أملٌ في طريقكِ المنشودِ
 
فثراكِ الطهور، يا أمّة الإسلام 

كم فيه من رُفاتِ شهيد
 
أمَّتي ثارت الجِراحُ فثوري

وأفيقي على زوالِ اليهود
 
 
المصدر: عبد الرحمن العشماوي
  • 3
  • 0
  • 4,842

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً