السنة تحض على التواضع

منذ 2014-01-28

رغَّب الإسلام في التَّواضُع وحثَّ عليه ابتغاء مرضاة الله، وأنَّ مَن تواضع جزاه الله على تواضعه بالرِّفعة، وقد وردت نصوصٌ مِن السُّنَّة النَّبويَّة تدلُّ على ذلك.

 


 

رغَّب الإسلام في التَّواضُع وحثَّ عليه ابتغاء مرضاة الله، وأنَّ مَن تواضع جزاه الله على تواضعه بالرِّفعة، وقد وردت نصوصٌ مِن السُّنَّة النَّبويَّة تدلُّ على ذلك:




 

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ،  وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ» (رواه مسلم: [2588]).




 

قال القاضي عياض في قوله صلى الله عليه وسلم: «وما تواضع أحد لله إلَّا رفعه الله»: "فيه وجهان: أحدهما: أنَّ الله تعالى يمنحه ذلك في الدُّنْيا جزاءً على تواضعه له، وأنَّ تواضعه يُثْبِتُ له في القلوب محبَّةً ومكانةً وعزَّةً، والثَّاني: أن يكون ذلك ثوابه في الآخرة على تواضعه" (إكمال المعْلِم شرح صحيح مسلم للقاضي عياض: [8/59]).




 

وعن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّ الله عليه وسلم: «وَإِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلَا يَبْغِ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ» (رواه مسلم: [2865]).




 

يعني: أن يتواضع كلُّ واحدٍ للآخر، ولا يترفَّع عليه، بل يجعله مثله أو يكرمه أكثر، وكان مِن عادة السَّلف رحمهم الله: أنَّ الإنسان منهم يجعل مَن هو أصغر منه مثل ابنه، ومَن هو أكبر مثل أبيه، ومَن هو مثله مثل أخيه، فينظر إلى ما هو أكبر منه نظرة إكرام وإجلال، وإلى مَن هو دونه نظرة إشفاق ورحمة، وإلى مَن هو مثله نظرة مساواة، فلا يبغي أحدٌ على أحدٍ، وهذا مِن الأمور التي يجب على الإنسان أن يتَّصف بها، أي بالتَّواضُع لله عزَّ وجلَّ ولإخوانه مِن المسلمين. (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين: [3/524]).




 

  وعن معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّ الله عليه وسلم: «مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسَ تَوَاضُعًا لِلَّهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ حُلَلِ الْإِيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا» (رواه الترمذي: [2481]، و صححه الألباني في صحيح الجامع: [614]).




 

قال ابن عثيمين: "وهذا يعني أنَّ الإنسان إذا كان بين أناسٍ متوسِّطي الحال لا يستطيعون اللِّباس الرَّفيع، فتواضع وصار يلبس مثلهم، لئلَّا تنكسر قلوبهم، ولئلَّا يفخر عليهم، فإنَّه ينال هذا الأجر العظيم، أمَّا إذا كان بين أناسٍ قد أنعم عليهم، ويلبسون الثِّياب الرَّفيعة لكنَّها غير محرَّمةٍ، فإنَّ الأفضل أن يلبس مثلهم؛ لأنَّ الله تعالى جميلٌ يحبُّ الجمال، ولا شكَّ أنَّ الإنسان إذا كان بين أناس رفيعي الحال، يلبسون الثِّياب الجميلة، ولبس دونهم فإنَّ هذا يُعَدُّ لباسَ شهرةٍ؛ فالإنسان ينظر ما تقتضيه الحال" (شرح رياض الصالحين: [4/317-318]).




 

  وعن حارثة بن وهب رضي الله عنه أنَّه سمع النَّبيَّ صلّ الله عليه وسلم يقول: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ؟» ، قَالُوا: بَلَى، قَالَ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ» ، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟» ،قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «كُلُّ عُتُلٍّ[1]جَوَّاظٍ[2] مُسْتَكْبِرٍ» (رواه البخاري: [4918]، ومسلم: [2853])




 

قال القاضي عياض: "وقوله في أهل الجنَّة: "كلُّ ضعيفٍ متضعِّف..."، هو صفة نفي الكِبْرَياء والجبروت التي هي صفة أهل النَّار، ومَدَح التَّواضُع والخمول، والتَّذلُّل لله عزَّ وجلَّ، وحضَّ عليه" (إكمال المعْلِم شرح صحيح مسلم للقاضي عياض: [8/383]).




 

عن أبي الدَّرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّ الله عليه وسلم يقول: «ابْغُونِي الضُّعَفَاءَ فإِنَّما تُرْزَقُونَ وتُنْصَرُونَ بِضُعفائِكُمْ» (رواه ابوداود: [2594]، والتِّرمذي: [1702]، وابن حبان: [11/85]).




 

قال الطِّيبيُّ في معنى الحديث: "فيه نهيٌ عن مخالطة الأغنياء، وتحذيرٌ مِن التَّكبُّر على الفقراء، والمحافظة على جبر خواطرهم، ولهذا قال لقمان لابنه: لا تحقرنَّ أحدًا لخُلْقَان ثيابه؛ فإنَّ ربَّك وربَّه واحدٌ".




 

وقال ابن معاذ: "حبُّك الفقراء مِن أخلاق المرسلين، وإيثارك مجالستهم مِن علامات الصَّالحين، وفرارك منهم مِن علامات المنافقين" (فيض القدير للمناوي: [1/109]).

________________________________________
________
 

[1] عتلٍّ: الجافي الشديد الخصومة بالباطل وقيل الجافي الفظ الغليظ. انظر: (شرح مسلم) للنووي [17/188].

[2] جوَّاظٍ [755] الجوَّاظ: الجموع المنوع وقيل كثير اللحم المختال في مشيته وقيل القصير البطين وقيل الفاخر. انظر: (شرح مسلم) للنووي [17/188].

 

المصدر: الدرر السنية
  • 4
  • 0
  • 27,494

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً