القدس في ظل العلاقة اليهودية الرومية

منذ 2014-01-30

لقد شهدت العلاقات اليهودية الرومية في سِنيِّها المتأخرة تطوراً ملحوظاً من حيث موقف الأُمَّتين من مسألة القدس، وهو حراكٌ ينبئ عن رجحان الكفة الرومية على اليهودية. ولعل سرداً لتطور هذه العلاقة يبين هذا التفوق الصليبي الذي يحاول التسلل إلى القدس دون أن يحدث صوتاً! وسأكتفي بالإشارة إلى الأحداث المهمة التي ميزت هذه العلاقة دون الدخول في التفاصيل.


 
 
ها هو رئيس الوزراء الإسرائيلي يتملق بابا النصارى «فرنسيس» واصفاً إياه بـ «راعٍ عظيم لتراثنا المشترك»، وهو وصف قريب مما وصف به «بيريز» البابا المُقال «بندكت السادس عشر» حين قال: «إننا نرى فيك راعياً للسلام، وزعيماً روحياً عظيماً، وحمّالاً لرسالة السلام إلى هذه البلاد [فلسطين] والعالم أجمع»[1].
 
لقد شهدت العلاقات اليهودية الرومية في سِنيِّها المتأخرة تطوراً ملحوظاً من حيث موقف الأُمَّتين من مسألة القدس، وهو حراكٌ ينبئ عن رجحان الكفة الرومية على اليهودية. ولعل سرداً لتطور هذه العلاقة يبين هذا التفوق الصليبي الذي يحاول التسلل إلى القدس دون أن يحدث صوتاً! وسأكتفي بالإشارة إلى الأحداث المهمة التي ميزت هذه العلاقة دون الدخول في التفاصيل.
 
في شهر أكتوبر من عام 1991م عُين رئيس الكونجرس اليهودي العالمي «إدجَر برونفمان» رئيساً للجنة اليهودية الدولية لحوار الأديان من أجل إدارة العلاقة بين الفاتيكان و«دولة إسرائيل».
 
وفي مارس من عام 1992م صرح محافظ القدس «تيدي كوليك» بأن «على الحكومة الإسرائيلية أن تلبي مطلب الفاتيكان بمنح وضع خاص للقدس».
 
وفي غرة أبريل من العام نفسه زار الكاردينال «جوزيف راتسينجر» (البابا بندكت السادس عشر فيما بعد) فلسطين واكتفى بلقاء محافظ القدس «تيدي كوليك»، إذ لم تكن تعنيه القضية الفلسطينية إلا بقدر ما يجني منها من مكاسب للكنيسة[2].
 
وفي عام 1992م بدأت المساعي الحثيثة من قبل الفاتيكان للاستئثار بالقدس نظراً للتسهيلات التي قام بها نائب وزير الخارجية «يوسي بيلين» ورئيس المحكمة الكاثوليكية في أوستن - تكساس، ديفيد يايجر، الذي كان يهودياً أرثوذكسياً ثم اعتنق الكاثوليكية وأصبح «أباً كاثوليكياً»، وهو أمر لا يخلو من غرابة[3]. 

نتج عن هذا صدور وثيقة كتبها «يوسي بيلين» بعنوان «عدم شرعية السيادة الإسرائيلية على القدس» تضمنت برنامجاً لتعامل الحكومة الإسرائيلية مع مستقبل القدس يدعو إلى تقسيم مدينة القدس القديمة إلى «كانتونات» تشرف على رسم حدودها الأممُ المتحدة؛ وهو مجرد صياغة أخرى لمشروع التقسيم منذ الانتداب البريطاني.
 
وفي شهر ديسمبر من عام 1993م عُقدت اتفاقية تاريخية عرفت باسم «الاتفاقية الأساسية بين الكرسي الرسولي ودولة إسرائيل»، ومع أهميتها لم تحظ بتغطية إعلامية[4].

بعدها بستة أشهر تقريباً (مايو 1994م)، أعلن نائب محافظ القدس «شموئيل مِئير» في مؤتمر صحفي، أنه تلقى معلومات تفيد بأن البقاع التي وُعدتها الفاتيكان سيكون لها وضع دولي. وفي الشهر نفسه كشف الفيلسوف الفرنسي المقرب من بيريز لمجلة «هاشيشي» العبرية، عن أنه حمل رسالة من بيريز إلى البابا في سبتمبر 1993م يعده فيها بتدويل القدس، ومنح الأمم المتحدة الهيمنة السياسية على القدس القديمة، بينما تمنح الفاتيكان الهيمنة على البقاع المقدسة داخلها. أما المقدسات الإسلامية فستكون داخل نصيب الفاتيكان وستكتفي الأردن بمجرد الإشراف عليها، بناء على اتفاقية وُقعت عام 1994م.
 
في عام 1995م سُرّبت برقية إلى إذاعة «عروتس شيبع» تؤكد تسليم بيريز القدس إلى الفاتيكان، ونشرت هذه البرقية على الصفحة الأولى من صحيفة «هآرتس». لكن بيريز زعم أن البرقية حرفت، وأنه كتب أنه «لن» يسلم القدس. لكنه في لقائه مع كلينتون عام 1997م قال: «كما وعدتُ الكرسي البابوي مسبقاً».
 
وفي نوفمبر من عام 1997م وقعت «اتفاقية الشخصية القانونية»، وأكدت فيها إسرائيل الفعالية التامة لقانون الاستقلال القانوني الممنوح للكنيسة الكاثوليكية داخل البقاع المقدسة[5].
 
وفي عام 2000، في خطابٍ أمام الأمم المتحدة، أعلن الكاردينال «ريناتو مارتينو» أن «انفراد القدس بكونها مدينة مقدسة لدى أديان ثلاثة عظيمة، يجعل من الضروري أن يشرف عليها زعماء دينيون لا ساسة». وفي الشهر ذاته أكد البابا يوحنا بولس الثاني ضرورة منح القدس «وضعاً دولياً مضموناً بشكل خاص».
 
ونحن اليوم نشهد توسعاً في الموقف اليهودي الإيجابي من المبادرة الفاتيكانية؛ ففي أعقاب اختيار البابا الحالي خورخي برجوليو (فرنسيس) من قبل صحيفة «التايم» ليكون «شخصية العام»، نشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً بعنوان: «شخصية العام: ليس بإمكان البابا فرنسيس أن يخلصنا»[6]. 

وهو مقال كاشف يبين تملق الصحافة اليهودية والغربية للبابا اليسوعي الحالي، وينعى أن لم يجد الكتّاب ما يسطرون سوى مدح هذا الرجل!
 
جاء في استهلال المقال: «ألم يجد كُتّاب الأعمدة اليهودُ قضايا ساخنة يكتبون عنها حتى أصبحت آخر صيحة عندهم أن يسبّحوا بحمد البابا؟ لم يعد يمر أسبوع في الأشهر الأخيرة دون أن تَنشر صحيفةٌ مهيبةٌ في أمريكا أو بريطانيا أو إسرائيل عموداً لأحد كبار كُتابها، ويصادف أن يكون ممن ينتمون إلى حزب الممجدين لفضائل البابا».
 
ثم يضيف المقال: «إن علاقة الحب اليهودية مع فرنسيس ستزداد ولوعاً في الأشهر الستة القادمة، كلما اقتربنا من زيارته المزمعة [للقدس] في مايو 2014. سنستمر في مقارنته بسياسيينا وأحبارنا، لنجدهم قاصرين عنه جداً».
 
إن «الفاتيكان» تسعى حثيثاً لتزحزح الهيمنة اليهودية عن القدس بشكل تدريجي، ولن يتم هذا حتى يكون البديل المخلِّصُ الرومي سائغاً لدى الجماهير، وهذا ما يمهد له البابا «فرنسيس» وتُعينه عليه الأمم المتحدة. وثمة حقيقة في نظري رددتها مراراً ولا أزال؛ وهي أن الصهاينة أمثال «نتنياهو» و«بيريز» لا يعدون كونهم عملاء للاستعمار الغربي الرومي، يُتوصل بهم إلى ما يريد أسيادهم. ومن تتبع موقف اليهود الأرثوذكس من الحكومة الصهيونية، علم أن قلوب القوم شتى، وأن المتدينين الحقيقيين داخل «إسرائيل» قلة[7]، وأنهم أبعد ما يكونون عن السلطة وإدارة البلاد، وإن جابوا الطرقات ورفعوا اللافتات؛ وإنما يدير البلاد ذوو الهوى الغربي، كما هو الحال في غيرها من بلاد المشرق. لكن هذا لا يعني غياب المقاومة الداخلية لسياسة البلاد، وهو ما قد يبَطئ المشروع ولا يصدُّه، إلا أن يأذن الله بذلك، فهي مقاومة لا ترقى إلى الصورة المنطبعة في أذهاننا عن متديني اليهود.
 
فيصل بن علي الكاملي 

:: مجلة البيان العدد  319 ربيع الأول 1435هـ، يناير  2014م.
 
[1] http://www.israelnat...2#.UrAy-NIW2Jo.
 
[2] http://www.jta.org/2...i-and-the-jews.
 
[3] http://www.custodia....779&id_n=10538.
 
[4]http://www.vatican.v...sraele_en.html.
 
[5]http://www.mfa.gov.i...rael-holy.aspx.
 
[6] http://www.haaretz.c...emium-1.562006.
 
[7] أظهر استطلاع قام به «معهد الديمقراطية الإسرائيلي» عام 2007م، أن 27% فقط من يهود إسرائيل يلتزمون «السبت»، بينما 53% لا يلتزمونه البتة. 
المصدر: مجلة البيان
  • 2
  • 0
  • 2,080

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً