الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، صراع حول هوية الأمة
الخيرية والتمكين والاستقرار لهذه الأمة لا تستقيم وتتحقق ما لم نحقق شروطها، فَسُنَنُ الله في الكون لا تحابي أحداً وَلَا تَخَافُ مِنْ أَحَدٍ.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، شعيرةٌ اختصت بها أمة الإسلام من بين سائر الأمم في هذا الزمان، وأصبحت دليلاً على هوية الأمة الإسلامية، يقابلها في أمم الأرض الأخرى مؤسساتٌ وقوانين تؤدي مؤداها وتقوم بعملها، تختلف المسميات ولكن العبرة بما يكون في النهاية.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ارتبطت به خيرية أمة الإسلام بين سائر الأمم، إذ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينطلق من منطلق التشريع الإلهي، بخلاف بعض الأجهزة الأخرى التي توجد في بعض الدول الإسلامية وغير الإسلامية، والتي تقوم بذلك العمل من منطلق القوانين الوضعية التي يخالف بعضها الإسلام، وربما يصادمه وأحياناً يتناقض مع الضروريات الكلية التي تحفظها الشريعة الإسلامية وسائر الشرائع.
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أحد أسباب التمكين في الأرض والاستخلاف فيها، وأحد مقومات بقاء الأمم واستمرارها، وبتركه تستحق الأمم اللعنة وتسلب التمكين. ما نراه اليوم من هجومٍ سافرٍ على شعيرةِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتهجم على الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر تحت عدة مسمياتٍ، وفي مقابل هذا الهجوم نجد اندفاعاً نحو تبرير المنكرات تحت مسمى الحرية الشخصية، والمطالبة بسن قوانين وعقوبات، وإنشاء أجهزةٍ أخرى للرقابة على الآداب العامة، يطرح سؤالاً عميقاً عن حقيقة الهجوم والحملات المنظمة لتصيد الأخطاء وتضخيمها وماذا يراد بعد هذا الهجوم؟
أثبتت الأيام على مدى عقودٍ من الصراع مع التيارات العلمانية العربية والحركات الليبرالية في العالم العربي أن مشكلتهم جميعاً مع مجتمعاتهم ليست في التصرفات، ولا في المسميات، ولا في الحوادث والأخطاء، إنما مشكلتهم مع الإسلام كمنهج حياةٍ تجذّر في قلوب المجتمعات، فلم يستطيعوا إظهار مكنون نفوسهم بعداوة هذا المنهج، خشيةً من رفض المجتمع لهم، وافتضاح أمرهم، فلجؤوا للنيل من كل شعيرةٍ ترتبط بالإسلام، وتجعله منهج حياةٍ للأفراد والمجتمع، مرةً عبر شعارات الحرية، ومرةً عبر شعارات النقد ومرةً عبر شعارات التقدم وأخرى للتطوير.
الصراع على تغيير هوية المجتمعات صراعٌ طويلُ الأمد، ويحتاج لعقودٍ من المراوغة، واستغلالٍ للفرص السانحة وتوجيه الأحداث، والاستفادة منها لتأليب الرأي العام للتمرد على القيم الإسلامية، والعادات المجتمعية التي تشكلت وفق الرؤية المتكاملة للإسلام كمنهجِ حياةٍ. ل
ا أحد يقرّ ارتكاب الأخطاء أو يبرر للمخطئ، وفي المقابل لا يمكن قبول تضخيم الأخطاء، أو القبول بتجريم المخطئ قبل ثبوت ذلك خصوصاً حين يتعلق الأمر بقطاع واحد أو قطاعين، في مقابل العشرات من القطاعات التي تخطئ أيضاً، ويتقبل الإعلام خطأها ويبرر لها.
وضع الصراع بين الأفكار في موضعه الصحيح لغرض الإصلاح والرقي بالمجتمع دون لبسٍ أو تلبيسٍ، يعطي مساحةً أكبر للمجتمع ليميز الخبيث من الطيب، فقد أثبتت أحداث التاريخ ووقائع العصر أنه لا يمكن لأحد أن يعبث بمشاعر المجتمع طوال الوقت، أو يستغل سيطرته على الإعلام لفرض توجهٍ محدد مبتورٍ من سياق مجتمعٍ متكاملٍ، فالحقائق في نهاية المطاف لا يمكن إخفاؤها أو تشويهها طوال الوقت، خصوصاً مع ثورة الاتصالات والإعلام الجديد.
الخيرية والتمكين والاستقرار لهذه الأمة لا تستقيم وتتحقق ما لم نحقق شروطها، فَسُنَنُ الله في الكون لا تحابي أحداً وَلَا تَخَافُ مِنْ أَحَدٍ.
- التصنيف: