أصغر داعية في العالم !

منذ 2002-06-25

حدثني شيخ جليل صادق فقال:
هل تعرف أصغر داعية في العالم ؟!
قلت : عيسى بن مريم عليه السلام ! قال : لا ... في هذا الزمان ؟ قلت : هات !
قال اسمع :

لي قريب فتح الله عليه الدنيا ؛ فأُغدِقت عليه الأموال والجاه . فأصبح له شأن في الناس كبير ؛ وله في كل شيء نصيب إلاَّ في العلاقة مع الله ! فهي مقطوعة تماماً ؛ لا يعرف الصلاة ولا يطرق للمسجد باباً مع وفور صحته وسعة رزقه !.

رَزَقه الله فوق ذلك ابناً جميل الطلعة ؛ جمع الله فيه ما فرَّقه في سائر الأطفال من الجمال والذكاء والفطنة والفصاحة واللباقة ؛ وهو مع هذا لم يتجاوز عمره الست سنوات !! أي أنه لم يدخل المدرسة بعد .

جاء يوماً إلى مجلس أبيه ؛ وأبوه سادر في غيّه ؛ قد سمّر عينيه في شاشة التلفاز و(الريموت كنترول ) بين يديه يقلب القنوات ؛ وفَغرَ فاه كالأبله وغاب عن الوعي ! . دخل الطفل على أبيه ورأسه ينطف بالماء ووجهه كذلك ؛ مشمراً عن ذراعيه الصغيرتين اللتين يقطر منهما الماء أيضاً .. وقف أمام أبيه .. نظر إليه نظرة طفولية فيها كل معاني البراءة !
قال له أبوه :
- سلامات ! إلى أين إن شاء الله ؟!
- قال بلهجة بريئة فيها لثغة (إلى المثجد ..أروح أثليّ مع الناث ..مع المثلمين ماني ذيّك يهودي ..أنت يابابا يهودي ما تحب الثلاة ) وترجمة هذه العبارة ( إلى المسجد أذهب أصلّي مع الناس مع المسلمين لست مثلك يهودياً ؛ أنت يا أبي يهودي لا تحب الصلاة ) ..
- ( غص الأب برِيقه ) .. يا ولد ما هذا الكلام ؟!
- والله ثحيح ! (صحيح ) .. ثم ولّى وترك الأب في دهشته ..!

مكث الأب ساعة إلاّ ربعاً يدور في المنزل لا يلوي على شيء يفكر في ابنه الصغير الذي قذف في وجهه بهذه القنابل الإيمانية وذهب .
انتظره بفارغ الصبر .. وفجأة فُتح الباب بهدوء وإذا بالصغير يدخل ...
- لماذا تأخرت ..!
- (قلت لك باروح أثلّي ! مع الناث )
أقسم الأب أن الله يحمي هذا الصغير منه فلا يستطيع أن يمسه بسوء ولا أن يمد نحوه يده بالضرب ؛ ولا لسانه بالشتم ؛ رغم ما كان يُعرف عن هذا الأب من شدة وجبروت ..

* * *

مكث على هذا الحال سنتين كاملتين .. قال : تأخر الطفل مرة للَّعب خارج البيت ؛ فجُنَّ جنون الأب وقرر الخروج للبحث عنه ؛ وبينما هو يُهم بالخروج إذ بالباب يُفتح ....و..
- أين كنت ؟ بحثنا عنك في كل مكان .. وفي كل غرفة .. مابقي إلاَّ أن نستعين بالشرطة للبحث عن حضرة جنابك الكريم !
- (يا بابا.. يا بابا .. أنت ليش ما تفهم .. أنت يهودي يا بابا اللي ما يحب الصلاة يهودي ! لعبت وبعدين صليت المغرب وتكلمت مع جارنا عبدالعزيز وجئت مباشرة .. ما تأخرت) ..
- قال الأب : لم أعِ بنفسي إلاَّ ودموعي تنهال على خدي ...إلى متى هذه الغفلة .؟ إلى متى وأنا أتلقى هذه المواعظ البريئة وأنا في ظلمة الذنب ؛ من طفل أنطقه الله تعالى بالحق ؟ .والله لم يكن لأحد تأثير عليه حتى أمه رغم صلاحها لم تكن تلقنه هذا الكلام ولكنه الله عز وجل إذا أراد شيئاً كان !.
تأملته طويلاً .. وقد دخلتني هيبة منه ؛ وقذف الله له في قلبي محبة ممزوجة برهبة ..لم تكن فيَّ من قبل ! .. برهة من الوقت مرت بنا .. وصمت ونظرات .. لم يقطع ذلك الصمت إلاّ صوت الحق ينادي لصلاة العشاء .. صوت الأذان الجميل الذي انطلق من المسجد المجاور الذي لا أتذكر متى آخر مرة دخلته !

نظر إليَّ ولدي كمن يقول لي : يا أبي خذ بيدي وهيا بنا سوياً إلى رحاب الله ...قفزت ! وحملته بين ذراعيّ بعد أن توضأت وقبلّتُه قبلة طويلة خرجت من أعماق قلبي ودموعي تغطي خده الصغير وذهبت به إلى المسجد ولم أكد أضع أول قدم على عتبة المسجد حتى رأيت ابني يكاد يطير من الفرح ؛ كلما لقي أحداً من المصلين الذين يعرفهم ؛ عرّفهم عليّ :
- هذا بابا .. يا عم ( أحمد )..! يا عم (فهد) هذا بابا .. هذا بابا يا ..
توافد المصلون من أصدقاء الداعية الصغير يهنئون أباه على نعمة الصلاة ! ودخوله المسجد لأول مرة منذ سنوات طويلة .

* * *

قال الشيخ ! : والله لقد رأيت الرجل تعلو وجهه نضرة جميلة ؛ بعد أن كانت تعلوه كآبة وقترة وغبرة .. رأيته تكسو وجهه لحية جميلة ! وكان يحدثني عن هذا الطفل أنه كان يزعجهم حتى يوم الجمعة من الصباح الباكر ؛ نوقظه ليغتسل وتطيبه أمه ليذهب إلى صلاة الجمعة ..

فال الشيخ : كنت أرى ذلك الطفل يلعب مع الصغار في الشارع فأستغرب وأقول في نفسي أمعقول أن يكون هذا داعية ناجحاً على صغره ولعبه .. ويفشل كثير منا على كبرنا وجِدِّنا ! ....

* * *

وبعد .. فإن الله عز وجل إذا أراد أمراً هيأ له أسبابه ؛ وهل أجمل من طفلٍ ينشئه الله تعالى في طاعته ويحوطه بحفظه ؛ وهل ينتظر (بعض) الآباء أن يقودهم أبناؤهم إلى المساجد .. بدلاً من أن يكونوا هم عوناً لأبنائهم على الخير ؛ وهل انقلبت مفاهيم التربية حتى يكون الابن هو الذي يربي أباه.
وكم بيننا من عبر ولكن لا نعتبر !..

كتبه :
موسى محمد هجاد الزهراني
الظهران - المنطقة الشرقية
نائب مدير الشؤون الدينية
مجمع الملك فهد الطبي العسكري

المصدر: خاص بإذاعة طريق الإسلام
  • 23
  • 1
  • 44,866
  • السيد بن ابراهيم بن عبد الحليم

      منذ
    [[أعجبني:]] سبحان الله الملك انها فطرة الله التى فطرالناس عليها
  • خلف الغيثي

      منذ
    [[أعجبني:]] لا يوجد شيء في هذا العالم .. مثل فتى يفعل هذه الأشياء .. أحب هذا الفتى .. لأنه من رحمة الله علينا .
  • بشرى

      منذ
    [[أعجبني:]] أن الطفل لم يياس من أبيه بل استمر فى دعوته له رغم صغر سنه .. كما أنه لم يخجل من تنبيه أبيه .. و ذلك حبا له .. و خوفا عليه.
  • محمد إسماعيل

      منذ
    [[أعجبني:]] سبحان الله الذي منح هذا الداعية الجرأة على مواجهة أبيه بالكلمات الإيمانية. ونأمل من جميع من قرأ هذه القصة أن يرى في نفسه أن يكون داعية وبطانة صالحة لرعاة أمور المسلمين. والله ولي التوفيق
  • علي أبو حسن

      منذ
    [[أعجبني:]] اعجبني التزام هذا الطفل بالصلاة في المسجد والعلم والتصرف كالكبار بنصح والده واسال الله العظيم ان يحفظ هذا الطفل ويرعاه ليصبح ذخرا للاسلام والمسلمين وان يرزقنا ذرية صالحة لتقود هذه الامه وهذا الدين الى ما يرضي الله سبحانه وتعالى والى ما يرفع الظلم والعدوان عن الأمة الاسلامية وأراضي الاسلام.
  • نايف السالمي

      منذ
    [[أعجبني:]] فرحة الطفل بدخول أبيه المسجد وبشارته للناس وتعريف المصلين عليه .. ممايدل على حبه المبكر للخير والدعوة إلى الله ..
  • محمد الزهراني

      منذ
    [[أعجبني:]] قصة رائعة يجب أن ناخذ منها العبرة لا شلت يمينك
  • موسى الزهراني

      منذ
    [[أعجبني:]] شكرا على حسن التعليق والمشاعر الطيبة ؛ وأود أن أعلمكم بارك الله فيكم أنني لا أكتب إلا وقائع حقيقية لأن الكذب وإن كان تحت مسمى الأدب وإن تجوّز فيه بعض الأدباء إلا أن محرّم كما هو معلوم في الإسلام والغاية عندنا لا تبرر الوسيلة وأشكر كل من أحسن بي الظن من الإخوة والأخوات .. غفر الله لهم وأنار لهم طريقهم ونور لهم قلوبهم
  • محمد هرماس .

      منذ
    [[أعجبني:]] أذن الأب .. التي لا ترفض الخير .
  • nada

      منذ
    [[أعجبني:]] بسم الله والصلاة على رسول الله أمابعد فلمتعارف عليه أن الابن ينشأ على بيئة أبيه ولكن نرى في هذه القصه عددمن العبر منها أن الطفل قلب حياة أبيه رأسًُا على عقب والكثير ولكن لا نستطيع أن نقول إلا سبحان ربي العظيم وبحمده

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً