معنى سلامة الصَّدر

منذ 2014-02-11

السلامة مصدر: سلم يسلَم بسلامة، يقال: سلم المسافر أي خلص ونجا من الآفات فهو سالم. ومعظم باب هذه المادة من الصِّحة والعافية؛ فالسلامة: أن يَسْلَم الإنسان من العاهة والأذى. قال أهل العلم: الله جلَّ ثناؤه هو السَّلام؛ لسلامته مما يَلْحق المخلوقين من العيب والنقص والفناء، والسَّلام والسَلَامة: البَرَاءة


معنى سلامة الصَّدر لغةً واصطلاحًا

معنى السلامة لغةً:
السلامة مصدر: سلم يسلَم بسلامة، يقال: سلم المسافر أي خلص ونجا من الآفات فهو سالم. ومعظم باب هذه المادة من الصِّحة والعافية؛ فالسلامة: أن يَسْلَم الإنسان من العاهة والأذى. قال أهل العلم: الله جلَّ ثناؤه هو السَّلام؛ لسلامته مما يَلْحق المخلوقين من العيب والنقص والفناء، والسَّلام والسَلَامة: البَرَاءة (مقاييس اللغة لابن فارس (3/90)، و(لسان العرب) لابن منظور (12/289)، (المصباح المنير) للفيومي (1/286).

معنى الصَّدر لغةً:
الصَّدر: أعلى مُقَدَّمِ كُلِّ شيءٍ، وكلُّ ما واجَهَكَ صَدْرٌ، وصَدْرُ القَناةِ أعلاها، وصَدْرُ الأمر أوَّلُه، كصَدْرُ النَّهارِ واللَّيْلِ، وصَدْرُ الشِّتاءِ والصَّيفِ، وما أشْبَه ذلك. وصَدْرُ الإِنسانِ: الجزء الممتدُّ من أسفل العنق إلى فضاء الجوف، وجمعُه: صُدورٌ، وسمِّي القلب صَدْرًا لحلوله به، وفي التَّنزيل العزيز: {قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ} [آل عمران: 29] (المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده (8/282)، (العين) للخليل بن أحمد (7/94)، (المعجم الوسيط) (1/509).

معنى سلامة الصَّدر اصطلاحًا:
قال الشَّوكاني: "وأما سَلَامة الصَّدر، فالمراد به: عدم الحقد والغل والبغضاء" (في السلوك الإسلامي القويم لابن الشوكاني ص 121). فسليم القلب والصَّدر هو من سَلِم وعُوِفي فؤاده من جميع أمراض القلوب وأَدْوَائها، ومن كلِّ آفة تبعده عن الله تبارك وتعالى.

الفرق بين سلامة الصَّدر والبَلَه والتَّغَفُّل:
يقول ابن القيِّم: "والفرق بين سَلَامة القلب والـبَلَه والتَّغَفُّل: أنَّ سَلَامة القلب تكون من عدم إرادة الشرِّ بعد معرفته، فيَسْلَم قلبه من إرادته وقصده، لا من معرفته والعلم به، وهذا بخلاف الـبَلَه والغَفْلة، فإنَّها جهل وقلَّة معرفة، وهذا لا يُحْمد؛ إذ هو نقص، وإنَّما يَحْمد النَّاس من هو كذلك؛ لسَلَامتهم منه، والكمال أن يكون القلب عارفًا بتفاصيل الشَّرِّ، سليمًا من إرادته، قال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: "لست بِخِبٍّ ولا يخدعني الخِبُّ" (الروحلابن القيِّم 243- 244).. وكان عمر أعقل من أن يُخْدع، وأورع من أن يَخْدع، وقال تعالى: {يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشُّعراء: 88-89] فهذا هو السَّليم من الآفات التي تعتري القلوب المريضة، من مرض الشُّبهة التي توجب اتِّباع الظَّنِّ، ومرض الشَّهوة التي توجب اتِّباع ما تهوى الأنفس، فالقلب السَّليم الذي سَلِم من هذا وهذا" (الروح لابن القيِّم (243- 244).

أولًا: في القرآن الكريم
- قال الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر: 10]. قال ابن رجب: "أفضل الأعمال سَلَامة الصَّدر من أنواع الشَّحْناء كلِّها، وأفضلها السَّلَامة من شحناء أهل الأهواء والبدع، التي تقتضي الطَّعن على سلف الأمَّة، وبغضهم والحقد عليهم، واعتقاد تكفيرهم أو تبديعهم وتضليلهم، ثمَّ يلي ذلك سَلَامة القلب من الشَّحْناء لعموم المسلمين، وإرادة الخير لهم، ونصيحتهم، وأن يحبَّ لهم ما يحبُّ لنفسه، وقد وصف الله تعالى المؤمنين عمومًا بأنَّهم يقولون: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر: 10] (لطائف المعارف ص 139).

- وقال تبارك وتعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 43]. ففي هذه الآية الكريمة، يبيِّن الله تبارك وتعالى أنَّ سَلَامة الصَّدر، ونقاء القلب من أمراضه -والتي منها الغِلُّ- صفة من صفات أهل الجنَّة، وميزة من ميزاتهم، ونعيم يتنعمون به يوم القيامة. وقال تبارك وتعالى في موضع آخر من كتابه الكريم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} [الحجر: 47]. قال ابن عطية: "هذا إخبار من الله عزَّ وجلَّ أنَّه ينقِّي قلوب ساكني الجنَّة من الغلِّ والحقد، وذلك أنَّ صاحب الغلِّ متعذِّب به، ولا عذاب في الجنَّة" (المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: 2/401). وقال القشيري: "طهَّرنا قلوبهم من كلِّ غش، واستخلصنا أسرارهم عن كلِّ آفة. وطهَّر قلوب العارفين من كلِّ حظٍّ وعلاقة، كما طهَّر قلوب الزَّاهدين عن كلِّ رغبة ومُنية، وطهَّر قلوب العابدين عن كلِّ تهمة وشهوة، وطهَّر قلوب المحبِّين عن محبَّة كلِّ مخلوق، وعن غلِّ الصَّدر- كلُّ واحد على قدر رتبته" (لطائف الإشارات: 1/535).

ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويِّة
- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يُبَلِّغُنِي أحدٌ من أصحابي عن أحدٍ شيئًا، فإنِّي أحبُّ أن أخرج إليكم وأنا سَلِيم الصَّدر» (رواه أبو داود (4860)، والتِّرمذي (3896)، وأحمد (1/395) (3759)، والبزار (5/406) (2038)، وأبو يعلى (9/266، رقم 5388)، والبيهقي (8/166) (17119)، قال التِّرمذي: غريب من هذا الوجه، وقال أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (5/286): إسناده حسن على الأقل. وضعَّفه الألباني في (ضعيف سنن أبي داود 4860). 

هذا الحديث يكشف عن مدى اهتمام المصطفى صلى الله عليه وسلم بسَلَامة صدره، فهو ينهى ويحذِّر من أن يُنْقَل إليه ما يُوغِر صَدْره، ويغيِّر قلبه تجاه أصحابه الكرام، رضوان الله عليهم أجمعين. قال المباركفوري شارحًا لهذا الحديث: "قوله: «لا يُبَلِّغُنِي» أي: لا يوصلني. «من أحد» أي: من قبل أحد. «شيئًا» أي: مما أكرهه وأغضب عليه، وهو عامٌّ في الأفعال والأقوال، بأن شتم أحدًا وآذاه، قال فيه خصلة سوء. «فإنِّي أحبُّ أن أخرج إليهم» أي: من البيت وأُلَاقيهم. «وأنا سليم الصَّدر» أي: من مساويهم. قال ابن الملَك: والمعنى: أنَّه صلى الله عليه وسلم يتمنَّى أن يخرج من الدُّنيا وقلبه راض عن أصحابه، من غير سخط على أحد منهم" (تحفة الأحوذي: 10/270).

- وعن محمَّد بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أوَّل من يدخل من هذا الباب، رجل من أهل الجنَّة، فدخل عبد الله بن سَلاَمِ، فقام إليه ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بذلك، وقالوا: أخْبِرْنا بأوثق عملٍ في نفسك ترجو به. فقال: إنِّي لضعيف، وإنَّ أوثق ما أرجو به الله سَلَامة الصَّدر، وترك ما لا يعنيني» (رواه ابن أبي الدنيا في (الصمت) ص 94، قال العراقي في (تخريج الإحياء) (3/139): أخرجه ابن أبي الدنيا هكذا مرسلًا، وفيه أبو نجيح اختلف فيه). وهنا يذكر عبد الله بن سَلَام رضي الله عنه أنَّه لم يكن له كثير عمل استحق علية شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنَّة، إلَّا أنَّ أرجى عمل وأوثقه لديه هو: أنَّه كان سليم الصَّدر مشتغل عما لا يعنيه.

- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن غِرٌّ كريم، والفاجر خبٌّ لئيم» (رواه أبو داود (4790)، والتِّرمذي (1964)، وأحمد (2/394) (9107)، والبخاري في (الأدب المفرد) 418، وأبو يعلى (10/401) (6007)، والحاكم (1/103)، والبيهقي (10/195) (21330). قال التِّرمذي: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وقال البغوي في (شرح السُّنَّة) (6/481): غريب. وقال المنذري في (التَّرغيب والتَّرهيب) (3/340): رواته ثقات، سوى بشر بن رافع، وقد وُثِّق. وقال الذهبي في (المهذب) (8/4202): فيه حجَّاج، تُكُلِّم فيه. وقال الشَّوكاني كما في (الفتح الرباني) (11/5507): رجاله إسناده ثقات. وحسَّنه الألباني في (صحيح سنن أبي داود) (4790).

قال المناوي: "... «المؤمن غِرٌّ» أي: يغُرُّه كلُّ أحد، و يغُرُّه كلُّ شيء، ولا يعرف الشَّرَّ، وليس بذي مَكْر ولا فطنة للشَّرِّ، فهو يَنْخَدع لسَلَامة صَدْره، وحسن ظنِّه، وينخَدع لانقياده ولينه. «كريم» أي: شريف الأخلاق. «والفاجر» أي: الفاسق. «خبٌّ لئيم» أي: جريء، فيسعى في الأرض بالفساد، فالمؤمن المحمود: من كان طبعه الغَرَارة، وقلَّة الفِطْنة للشَّرِّ، وترك البحث عنه، وليس ذلك منه جهلًا، والفاجر من عادته الخُبث والدَّهاء والتَّوغل في معرفة الشَّرِّ، وليس ذا منه عقلًا" (فيض القدير: 6/254).

- وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: «قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي النَّاس أفضل؟ قال: كلُّ مَخْموم القلب، صدوق اللِّسان. قالوا: صدوق اللِّسان نعرفه، فما مَخْموم القلب؟ قال: هو النَّقيُّ التَّقيُّ، لا إثم عليه، ولا بَغْي ولا غلٌّ ولا حسد» (رواه ابن ماجه (3416)، وأبو نعيم في (حلية الأولياء) (1/183)، والبيهقي في (شعب الإيمان) (5/264) (6604). وصحَّح إسناده المنذري في (التَّرغيب والتَّرهيب) (4/33)، والبوصيري في (زوائد ابن ماجه) (2/325)، والعراقي في (تخريج الإحياء) (3/18)، وصحَّحه الألباني في (صحيح سنن ابن ماجه) (3416).

قال علي القاري: "أي: سليم القلب، لقوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشُّعراء: 89]، من خَمَمْت البيت، إذا كنسته، على ما في (القاموس) وغيره، فالمعنى: أن يكون قلبه مكنوسًا من غبار الأغيار، ومُنَظَّفًا من أخلاق الأقذار" (مرقاة المفاتيح لملا علي القاري: 8/3267- 3268).
 

المصدر: الدرر السنية
  • 10
  • 1
  • 35,087

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً