وداعاً هلال إلى الملتقى
منذ 2014-02-11
لم يكن يثنيه شيء عن القراءة والتعلم، وكان متواضعاً لأهل العلم والقرآن حسن الخلق معهم وموقرا لهم، أصبح يؤم الناس في المسجد القريب من بيته لتفوقه على الجميع قراءة وحفظًأ وترتيلا وصوتًا ومواظبة على الجماعة. حتى أصبح أتقن من شيخه الذي علمه كيف ينطق الكلمات أول عهده بالمسجد.
هذا صاحبي وصديقي محمد هلال، رجل أعمال إماراتي مصري، تعرفته في مسجد المشاري قبل سنوات "6 سنوات تقريباً بل تزيد"، كان حديث عهد بالمساجد "كما حكى لي بنفسه" وحديث عهد بقراءة القرآن فضلا عن تعلمه وترتيله، عرفته ذا همة وعزيمة وبأس وإرادة، تعلم القرآن حتى أتقن تلاوته وأتم حفظه في سنوات معدودات "ثلاث سنوات تقريباً".
لم يكن يثنيه شيء عن القراءة والتعلم، وكان متواضعاً لأهل العلم والقرآن حسن الخلق معهم وموقرا لهم، أصبح يؤم الناس في المسجد القريب من بيته لتفوقه على الجميع قراءة وحفظًأ وترتيلا وصوتًا ومواظبة على الجماعة. حتى أصبح أتقن من شيخه الذي علمه كيف ينطق الكلمات أول عهده بالمسجد.
عرفت الليلة بعد صلاة العشاء أنه صلى الفجر إمامًا ثم مات وصلوا عليه الجنازة عشاء بمسجد المشاري
وكأن الله قد قدر له أن يكون مولده الجديد بعد توبته في مسجد المشاري ثم تكون خاتمته فيه أيضاً.
يحكي لي قصة توبته وملخصها: أنه عاش طيلة عمره كيف شاء وابتغى غير منضبط بقواعد ولا أعراف ولا قيود غير ما يريد، حتى كان في طريقه من أو إلى مصر في الطائرة ومع أحد رفقائه وكان رفيقه في حالة سكر لا ينفك ييشرب الخمر، وفجأة تغير حال صاحبه وهو في الطائرة وجعل يتحشرج صوته, فنظر صاحبي إلى أحد الركاب في الطائرة وكان شيخًا صاحب لحية وكان صاحبي ورفيقه ينظران إليه شزرا، فاستغاث به صاحبي لينظر في حال صاحبه؛ فأخبره الشيخ أنه يحتضر وأنها سكرات الموت، ومات رفيقه في الطائرة على سكره وعصيانه مجاهراً. وكانت تلك لحظة التحول في حياة صاحبي منذ أن وطئت قدماه الأرض فلقد بدأ يعتاد المساجد وكان أول مسجد يدخله هو المشاري فجرًا، ونظر في الناس فرأى حلقة القرآن قد انعقدت فتهيب الجلوس إذ لا يحسن القراءة ولا يدري شيئا عن القرآن، لكنه أقدم على مقصده وجعل يتعلم حرفا حرفا ويسجل ما يتعلمه وما يسمعه من قراءة المجيدين والمخطئين ويردد الصواب في طريقه من وإلى العمل وهو يقود سيارته، ولا يزال يتصل على القراء المتقنين ويسألهم ويتعلم منهم حتى أتم القرآن تلاوة وأداءً وكان حسن الصوت رقيق الأداء، ولم يكتف بهذا وإنما عمد إلى حفظه حتى أتمه عن آخره وصار يؤم الموظفين عنده في عمله ويؤم الناس في المسجد القريب من بيته حتى عرف بحسن تلاوته وجودة أدائه وعذوبة صوته، كان يعد العدة ليسافر وأهله إلى الخارج ليكمل مسيرة حياته هناك ويسعى على رزقه ورزق عياله، لكن الله عز وجل أبى إلا أن يدفن في مصر.
عاش ما عاش، وعمل ما عمل، ثم تاب الله عليه فتاب ثم مات، مات حافظًا لكتاب الله مرتلاً مجوّداً يأتم به الناس في الصلوات، فعسى أن تكون تلك حسن الخاتمة.
عاش ما عاش، وعمل ما عمل، ثم تاب الله عليه فتاب ثم مات، مات حافظًا لكتاب الله مرتلاً مجوّداً يأتم به الناس في الصلوات، فعسى أن تكون تلك حسن الخاتمة.
أتاني خبره فاتصلت عليه فرد ولده وأكد لي الخبر، ولم يسعفني القدر أن أشهد جنازته، ويكأن الله قد حرمني من شهود جنازتك لئلا تتسخ ثياب الأطهار بعصياني!! رحمك الله يا صاحبي وصديقي على حداثة عهد الصداقة بيننا، وها هو رقم جديد يبقى على هاتفي وقد ودعني صاحبه وسبق إلى جنات الخلد، نحسبه كذلك ولا نزكيه على الله والله حسبيبه وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وداعاً هلال إلى الملتقى *** بجنات عدن هي المرتقى
صديق صدوق أخ صاحبٌ *** حبيب قريبٌ كذا ذو تقى
أتته المنية بعد الصلاة *** على طهره بعد فجر النقا
محمد اسم الفقيد امرؤٌ *** كريم أريبٌ يُرى واثقا
يرتل آي الكتاب العزيز *** ويحفظه عاملا صادقا
يقيم الصلاة على وقتها *** إماماً بمن حوله رائقا
إلى الله تاب وقد هاله *** صديق له مات مستغرقا
قضى نحبه حال سكرٍ فما *** أشق على الروح أن تُزهقا!
فأقبل من فوره صاحبي *** على الله ذا همةٍ مشفقا
تعلم كيف الصلاة *** وحسن الأداء فما أخفقا
قوي الإرادة لم يثنيه *** عن الجد زخرفها بارقا
فأدرك ما فات من عمره *** وسار مع الركب كي يسبقَا
وكل له شاهدٌ بالهدى *** وفي حسن أخلاقه أشرقا
ومهما أرادوا فلم يلحقوا *** وكم أعجز القوم من لاحقا
أراد الظعين عسى يبتغي *** حلال المطاعم أو يُرزقا
يهاجر عن مصر مع أهله *** وكانت منيته أسبقا
قضى قبل خمسين من عمره *** وربك إذ يجتبيه انتقى
فيا صاح مرحى انتظر مقدمي *** على كوثرٍ فاز من أُلحِقَا
إذا المرء يشرب من كفهِ *** فيا سعد من نال حيث استقى
وخلد الجنان وحور العيان *** ورؤية رب الورى ذا تقى
وأختم كالبدء في نعيه *** وداعاً هلال إلى الملتقى
أبو أسماء الأزهري
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
- التصنيف: