بالحب نربي أجيالنا

منذ 2014-02-20

المحبة مصدر الأمن والاستقرار النفسي للولد، كما أنها القاعدة الصلبة لبناء شخصية الولد على الاستقامة، والصلاح، والتفاعل الإيجابي مع المجتمع من حوله، ولا يتصور تحقق هذه الغايات إذا كانت المحبة حبيسة صدور الآباء والأمهات، نعم هي موجودة وقوية، لكنهم لا يظهرونها للأبناء، ولا يعبرون عنها قولًا أو فعلًا، مما يضعف جسور الارتباط بين الابن وأسرته، ويفوت على الطرفين الاستمتاع بهذه العاطفة الرائعة.

 

حب الولد فطرة فطر الله الوالدين عليه، وجعله ثمرة الفؤاد وقرة العين وبهجة الروح، بل إن المولى عز وجل مدح أولياءه في كتابه العزيز بأنهم يدعون الله ويتضرعون إليه أن يقر أعينهم بالولد الصالح، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:74].

 

هذه المحبة مصدر الأمن والاستقرار النفسي للولد، كما أنها القاعدة الصلبة لبناء شخصية الولد على الاستقامة، والصلاح، والتفاعل الإيجابي مع المجتمع من حوله، ولا يتصور تحقق هذه الغايات إذا كانت المحبة حبيسة صدور الآباء والأمهات، نعم هي موجودة وقوية، لكنهم لا يظهرونها للأبناء، ولا يعبرون عنها قولًا أو فعلًا، مما يضعف جسور الارتباط بين الابن وأسرته، ويفوت على الطرفين الاستمتاع بهذه العاطفة الرائعة.

 

الحب هو الأداة السحرية في التأثير والتغيير، حيث يعتبر الحب أرقى أساليب التواصل الإنساني، الذي يحظى بالقبول العام من جميع الناس، على اختلاف أجناسهم وثقافاتهم وقيمهم، فلا يختلف على تقديره والاعتراف به اثنان، فهو من رصيد الفطرة الذي يأبى التحريف والتشويه، ففي داخل كل إنسان سويّ وهاجسه طلب الحب والتطلع إليه، فلا عجب إذا قلنا إنه الأداة السحرية في التأثير والتغيير.

 

الحب راحة للقلب من شتى المتاعب، لأن عاطفة الحب بصورة عامة هي حالة منَ الانسجام النفسي، والاطمئنان الداخلي، الذي يضفيه الإنسان على ما حوله، فيعينه على أداء عمله أيا كان نوعه بحيوية وإيجابية، ومن كان الحب هاديه وحاديه في عمله فلن يشعر بشيء من التعب مهما بذل من جهد، وواجه من عقبات.

 

الحب يجعل العمل متعة نفسية وعقلية، لا محنة وبلاء، حيث يرقى الحب بالإنسان درجة أخرى، فيستلذ التعب ويستعذب البذل والنصب، فيصبر الإنسان ويجالد، ويستعذب الصبر، ولا يحس بمعاناته، وهنا بؤرة الإبداع والتألق ومنطلقه.

 

الحب ثروة لك لا تنضب، ورصيد لا ينقص، فعندما تبذر الحب أيها المربي تفتح لنفسك رصيدًا لا يسرق ولا ينتقص، بل يزيد مع الأيام وينمو، من حيث لا تحتسب ولا تدري، فالقلوب التي أحبتك وكان لك معها مواقف، لن تنساك، ولن تنسى معروفك معها وإحسانك، وإخلاصك، وتضحيتك، ومواقفك التربوية المؤثرة.

 

الحب يختصر الطريق، ويطوي لك المراحل، ومن منا من لا يريد إنجاز عمله في أقرب وقت وأقل جهد؟! ولكن الطبيعة المتعجلة للإنسان تحسب أن الحب وما يتطلبه من الرفق والحلم عائق عن سرعة الإنجاز وتحقيق الأهداف، وتلك من خدع النفوس وتلبيساتها.

 

الحب ضمانة قطعية للنجاح بإذن الله، والناجحون هم الذين يمنحون الحب دائمًا، وما لم يتحقق نجاحه بالحب فهو مستعصٍ على النجاح في أغلب الأحوال، ولا يعني الحب الخروج عن الحكمة في معالجة المواقف، وإعطاء كل مقام ما يقتضيه.

 

بالحب نحل المشكلات، ونستغني عن تدخل الآخرين، وإني والله لأشفق من قلبي على أولئك المعلمين، الذين لا يزالون يستنجدون بإدارة المدرسة أو بأولياء الأمور لحل مشكلاتهم مع طلابهم! وكثير من هذه المشكلات تكون تافهة صغيرة، يعرضها المعلم وكأنها كبيرة من الكبائر المستعصية على الحل، والأشد من ذلك أن يكون هذا الموقف من المرشد الطلابي نفسه، فلا عتب على المعلم بعد ذلك ولا جناح، وخير لهؤلاء أن يستنجدوا بالحب، ليروا من النتائج العجب.

 

الحب هو السبيل إلى تكوين الشخصية السوية، فالأطفال الذين يفتقدون حظهم من الحب يفتقدون حظًا كبيرًا من الهدوء النفسي، ويسهم المعلمون والآباء، الذين يفتقدون للحب في توريثهم عقدًا وأزمات نفسية هم بغنى عنها، فأي تعليم هذا الذي يبني من جهة، ويخرب من جهة أخرى!

 

يقول الدكتور ميسرة طاهر: وسائل التربية بالحب، أو لغة الحب، أو أبجديات الحب، ثمانية وهي:

 

1- كلمة الحب.

 

2- نظرة الحب.

 

3- لقمة الحب.

 

4- لمسة الحب.

 

5- دثار الحب.

 

6- ضمة الحب.

 

7- قبلة الحب.

 

8- بسمة الحب.

 

ولو جعل المربون هذه الوسائل نصب أعينهم لخرج لنا جيل مستقيم السلوك، وعالي الأخلاق، ولكن الكثير لا يقدر أهمية التربية بالحب، ويا للأسف.

 

تأمل في هذه الروايات، التي تؤكد لنا اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بمسألة التربية بالحب، وكيف وصل بهذا الأسلوب في التربية، إلى أن يفديه من رباهم بأنفسهم وأموالهم.

 

- ينام علي رضي الله عنه على فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة، معرضًا نفسه للخطر، فداءًا للنبي صلى الله عليه وسلم، قَدم روحه رخيصة حبًا وذوبانًا في حبيبه الغالي، الذي رباه على الحب وعلمه كيف يحب وكيف يعبر عن هذا الحب.

 

- أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان مثالًا يحتذى في حب الصديق لصديقه ووفائه له، في طريق الهجرة يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم بالدخول قبله في الغار ليتفقده، وكان يقطع من ثوبه قطعًا يلقم بها ثقوب الغار، خوفًا من خروج حشرة تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعندما تأكد من الغار، دخل النبي صلى الله عليه وسلم، ونام من تعبه على فخذ أبي بكر رضي الله عنه، وهو مستغرق في نومه، رأى أبو بكر رضي الله عنه ثقبًا لم يسده، فوضع كعب قدمه عليه، فلدغه الثعبان، ولم يتحرك كي لا يستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن شدة الألم دمعت عين أبي بكر رضي الله عنه، فوقعت دمعته على وجه النبي صلى الله عليه وسلم، فاستيقظ وعالجه من لدغة الثعبان بريقه الطاهر، وفي طريق الهجرة يمشي مرة أمامه، ومرة خلفه، ومرة عن يمينه، ومرة عن شماله، يخاف عليه من الأعداء ومتابعتهم لهما، حب لا مثيل له في التاريخ.

 

- عمل النبي صلى الله عليه وسلم مؤاخاة بين المهاجرين والأنصار فور قدومه المدينة المنورة، ليدرب أصحابه على الحب في الله عمليًا، وكان قد آخى بين سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما، فأمسك سعد بن الربيع بيد أخيه عبد الرحمن بن عوف وسعى به إلى منزله، وطلب منه أن يقاسمه في بيته، وماله، وأن يطلِّق له إحدى زوجاته، فيتزوجها بعد انتهاء عدتها.

 

- قال ثمامة بن أثال رضي الله عنه حين أسلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد كان وجهك أبغض الوجوه إلىّ فأصبح وهو أحب الوجوه إلىّ، ولقد كان دينك أبغض الدين إلىّ فأصبح وهو أحب الأديان إلىّ، ولقد كان بلدك أبغض البلاد إلىّ فأصبح وهو أحب البلاد إلىّ، ثم قال: يا رسول الله، إن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فأذن لي يا رسول الله. فأذن له فخرج معتمرًا فلما قدم مكة قالوا: صبأت يا ثمامة، قال: لا ولكنى اتبعت خير الدين، دين محمد، ولا والله لا تصل إليكم حبة من اليمامة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خرج إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئًا، فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك تأمر بصلة الرحم، وإنك قد قطعت أرحامنا، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن خل بين قومي وبين ميرتهم.

 

أحب ثمامة النبي صلى الله عليه وسلم بسبب حسن معاملة النبي صلى الله عليه وسلم له، وحسن وفادته ورعايته له، ولذلك عب عن حبه بهذه الكلمات الوجيزات الرائعات.


 

أخيرًا الحب من أهم قواعد التربية المتوازنة، والتقصير فيه أو الخروج عنه خلل في التربية كبير يقود إلى الإخفاق، وعدم تحقيق الأهداف.

 

وأختم حديثي بتوجيهات عامة للآباء تعينهم في تربية أبنائهم، بأسلوب الحب والقرب والمودة:

 

- ابنِ داخل أبنائك الثقة في النفس، بتشجيعك لهم، وتقديرك لمجهوداتهم التي يبذلونها، وليس فقط بتقدير النتائج التي يحققونها.  

 

- علم أبناءك التفكير الإيجابي بأن تكون إيجابيًا، فمثلًا: بدلًا من أن تعاتب ابنك لأنه رجع من المدرسة وهو متسخ وغير مهندم، قل له: يبدو أنك قضيت وقتًا ممتعًا في اللعب اليوم، أليس كذلك؟، ولكن بعد ذلك، لا تجعل ملابسك تصل إٍلى هذه الدرجة من الاتساخ.

 

- اقضِ بعض وقتك مع أبنائك كل على حدة، سواء تتناول مع أحدهم وجبة الغداء خارج المنزل، أو تمارسان معا رياضة  المشي، المهم أن تشعرهم أنك تقدر كل واحد منهم.

 

- احتفل بإنجازات اليوم، فمثلًا: أقم اليوم مأدبة غداء خاصة لأن ابنك فلانًا حصل على درجة جيدة في الامتحان، أو لأن ابنك الآخر بدر منه سلوك جيد في الأمانة أو البر، حتى يشعر كل واحد منهم أنك مهتم به وبأحداث حياته، ولا تفعل ذلك مع واحد فقط، حتى لو كان الآخر لا يمر بأحداث خاصة، ابحث في حياته وبالتأكيد سوف تجد أشياء تستحق التقدير، وتذكر أن ما تفعله يجب أن يكون شيئًا رمزيًا، حتى لا تثير الغيرة بين أبنائك فيتنافسوا عليك، وتثير بينهم العداوة بدلًا من أن يتحابوا.

 

- اندمج مع أطفالك في اللعب، وشاركهم التلوين، أو تشكيل الصلصال، أو التسابق في الجري، أو تقاذف الكرة، وهكذا.

 

- اعرف جدول أبنائك الدراسي، ومدرسيهم، وأصدقاءهم، حتى لا تسألهم عندما يعودون: ماذا فعلتم اليوم؟ ولكن اسأل: ماذا فعلت مع زميلك فلان؟، وماذا أخذتم اليوم في حصة الرياضيات؟، فيشعر أنك متابع لتفاصيل حياته وأنك مهتم به.

 

- عندما يطلب منك ابنك أن يتحدث معك، لا تكلمه وأنت مشغول في شيء آخر، ولكن أعطه كل تركيزك، وانظر في عينيه، وهو يحدثك، واعلم أن انتباهك الفوري الواضح لطفلك، حين يحدثك إيداع جديد مضاف لرصيدك في بنك الحب لديه.

 

- شاركهم في وجبات الطعام، ولا تسمعهم فقط، ولكن احكِ لهم أيضًا ما حدث لك.

 

- اكتب لهم في ورقة صغيرة كلمة حب أو تشجيع، وضعها جانبهم على السرير إذا كنت ستخرج، وهم نائمون، أو ضعها في حقائبهم المدرسية، حتى يشعروا أنك تفكر فيهم، حتى وأنت غير موجود معهم.

 

- عندما يرسم أطفالك رسومات صغيرة بريئة مثلهم، علقها في مكان خاص في البيت، وأشعرهم أنك تفتخر بها.

 

- اختلق كلمة سر، أو علامة تبرز بها حبك لابنك، ولا يعلمها أحد سواكما.

 

- حاول أن تبدأ يومًا جديدًا كلما طلعت الشمس، تنسى فيه كل أخطاء الماضي، فكل يوم جديد يحمل معه فرصة جديدة، يمكن أن تدعم حبك لأبنائك أكثر من ذي قبل، وتساعدك على  اكتشاف مواهبهم.

 

- احضن أولادك، وقبّلهم، وقل لهم كل يوم إنك تحبهم، فمهما كثر ذلك، فإنهم يحتاجونه صغارًا كانوا أو بالغين، أو حتى متزوجين ولديك منهم أحفاد.

 

- ابتكر أفكارًا لتغذية المشاعر الطيبة بينك وبينهم، مثل أن تضع صندوق بريد خاصًا بتبادل رسائل المحبة والشكر، كما يمكنك أن تستغل هذا الصندوق في الاقتراب من أبنائك وتقوية علاقتك بهم.

 

- تذكر أن حب الوالدين للأبناء غير مشروط بأي شرط، ولذلك يكون علينا ألا نربط لفظيًا بين حب الأبناء وتوجيهنا لهم، فلا نقول: (أنا أحبك لأنك حصلت على  الدرجة النهائية في الامتحان)، وأيضًا لا نقول: (لن أحبك إذا فعلت كذا)، إننا بذلك نزعزع أمانهم النفسي الذي يستمدونه من خلال شعورهم بمحبتنا لهم وتقديرنا لذواتهم، ونكون قد أخطأنا الطريق إلى الثمرات الرائعة للحب غير المشروط وهي الطاعة والالتزام والتضحية.

 

- عبِّر لابنك عن حبك له بطريقة عملية، وذلك بأن تهتم برأيه، وتستشيره في بعض الأمور، وأن  تقدر مشاعره وتشعره بأنه فرد مهم في الأسرة، ومحترم فيها، وأنكم جميعًا تفهمونه، وتقدرون مزاياه، وإنجازاته، وهواياته، وميوله، ومن ذلك التعبير أيضًا أن تعفو عن هفواته وأخطائه خاصة ما أخطأ فيها بسبب نقص خبراته، وأن نعتذر منه إن أخطأنا معه أو قسونا عليه.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.


سعد العثمان

 

  • 0
  • 0
  • 2,237

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً