مصانع الإرهاب العربية

منذ 2014-02-23

مازلت أؤمن أن الإرهاب صفة دخيلة وفعلٌ غريب على العرب المسلمين، وأنه لم يكن فينا سابقًا، كما أنه ليس فينا اليوم، بل هو فعلٌ عنيف يحرص البعض على إلصاقه بالعرب والمسلمين، وتعميمه على السكان والمواطنين، رغم أن الغالب الأعم من العرب لا يؤمن بالعنف، ولا يفكر فيه، ولا يلجأ إليه، وقديمًا قالت العرب أن القاتل هارب والمقتول آمن، فالذي يقتل في عرفنا العربي يهرب ويهجر، ويلزم بالدية أو القصاص، بينما المقتول يدفن، ويؤخذ به العزاء، ويعود ذووه إلى بيوتهم، فليس القاتل في عرفنا بطل، ولا هو مقدم فينا ولا ينال الشرف، بل إن المقاوم هو البطل، وكذا الشهم والكريم والسخي والطيب والمفضال، وكل صاحب يدٍ ندية، وقلب رؤوف فينا مقدم ومحمود.

 

مازلت أؤمن أن الإرهاب صفة دخيلة وفعلٌ غريب على العرب المسلمين، وأنه لم يكن فينا سابقًا، كما أنه ليس فينا اليوم، بل هو فعلٌ عنيف يحرص البعض على إلصاقه بالعرب والمسلمين، وتعميمه على السكان والمواطنين، رغم أن الغالب الأعم من العرب لا يؤمن بالعنف، ولا يفكر فيه، ولا يلجأ إليه، وقديمًا قالت العرب أن القاتل هارب والمقتول آمن، فالذي يقتل في عرفنا العربي يهرب ويهجر، ويلزم بالدية أو القصاص، بينما المقتول يدفن، ويؤخذ به العزاء، ويعود ذووه إلى بيوتهم، فليس القاتل في عرفنا بطل، ولا هو مقدم فينا ولا ينال الشرف، بل إن المقاوم هو البطل، وكذا الشهم والكريم والسخي والطيب والمفضال، وكل صاحب يدٍ ندية، وقلب رؤوف فينا مقدم ومحمود.

 

فما نراه اليوم وما نسمع به عبر مختلف وسائل الإعلام، من ممارسات غريبة وعجيبة، كالذبح والرجم، والسحل والجلد، وأحكام القتل السلطانية، وعمليات التنفيذ السريعة وبالجملة، أمام الناس وفي حضرة الصغار والكبار، والعمليات الانتحارية في صفوف المدنيين الآمنين، في المساجد والأسواق، وفي الشوارع والمحطات، وفي السيارات والحافلات، وفي الشوارع والطرقات، فإنها أعمال إجرامية، وأفعال عدوانية، لا يقوم بها عاقل، ولا ينفذها عربي، ولا يبيحها مسلم، ولا يتنافس على القيام بها مؤمن، أيًا كانت المبررات والأسباب، فالجميع في بلادنا يجب أن يكون آمنًا، وأن يعيش مطمئنًا، وألا يقلق على حياته، وألا يخاف من غيره، وألا يهدد في بيته ولا عمله، وألا تضطرب حياته مخافة انفجارٍ، أو قلقًا على حياة.

 

روى لي أكثر من سجينٍ سابق، وفي أكثر من بلد عربي، أن ما يواجهه السجين في السجون العربية، يجعله يكفر بكل القيم الإنسانية، ويتنكر للمعاني الأخلاقية، ويتحول إلى مخلوق آخر، قد لا يشبه الإنسان إلا في شكله، وعندما سألته عن أسباب الإرهاب في بلادنا أجاب واثقًا: إنها السجون والمعتقلات، ومسالخ التعذيب وأقبية الزنازين، وأجهزة المخابرات ورجال التحقيق، والممارسات البوليسية، والأجهزة القمعية، والأنظمة الشمولية، وغيرها من أدوات القمع والتعذيب والترويع، فهي التي تصنع الإرهاب وتخلقه، والتي تتسبب به وتعمله، وبدونها لا يكون إرهابًا، ولا نرى شبابًا متطرفًا يميل إلى العنف ويؤمن به، وبدأ يعدد لي أشكال التعذيب التي مورست عليه، أو سمع بها، فهالني ما سمعت، وأرعبني جدًا ما عرفت، ثم خفتُ.

 

الفقر لا يولد العنف، والحاجة لا تصنع الإرهاب، والحرمان من فرص العمل والبطالة، وتردي الأحوال المعيشية، وتدني الخدمات الاجتماعية، والتفاوت الطبقي وعدم المساواة، والثورة على الأوضاع، وعدم الرضى عن الظروف والأحوال، وانتقاد الشأن العام، وإبداء الرأي في الأداء الحكومي، والتظاهر والاحتجاج والاعتصام والمسيرات، ونهب خيرات الوطن، وبيع مرافق البلاد، واستئثار فريقٍ من المواطنين بكل شيء، وحرمان السواد الأعظم من الشعب من كثير من حقوقهم، ومصادرة الرأي وحرية التعبير، والانقلاب على الخيارات الديمقراطية، ورفض القرارات الشعبية، كلها مظاهر سيئة لكنها لا تصنع العنف، ولا تدفع بالمواطن ليتحول إلى قنبلة موقوتة، أو إلى قذيفة منطلقة.

 

لكنها كلها تحول السلطة إلى وحش كاسر، وعدو بغيض، تنتقم من الشعب، وتنهال عليه بالضرب والتعذيب، وتزج به في السجون والمعتقلات، وتضعه كالحيوانات في الأقفاص، وتعصب عيونه في زنازين ضيقة لأيامٍ طويلة، وتدخله في الأكياس مع الأفاعي والفئران والصراصير، لتخرج منه جيلًا رافضًا ثائرًا حاقدًا منتقمًا، متطرفًا عنيفًا ميالًا للثأر ورد الاعتبار، ثم يطلقون عليه صفة الإرهاب وهم صانعوه.

 

في السجون والمعتقلات ترتع الأفكار المتطرفة، وتنمو المفاهيم التكفيرية، وتقوى التنظيمات والقوى العنيفة، وتنتظم حلقاتها، وترتبط عراها، وتتشابك علاقاتها، ويبرز فيها قادة وموجهون، وآخرون على استعدادٍ للموت في سبيل أفكارهم، والتضحية من أجل مبادئهم، ويزيد في سرعة انتشار هذه الأفكار، الأعداد المتزايدة من السجناء والمعتقلين، الذين يحشرون بأعداد كبيرة في غرف ضيقة، ويتعرضون في سجونهم إلى أبشع أنواع التعذيب، وأشد أشكال الإذلال والإهانة.

 

هنا ينشأ سؤال كبير، وشكٌ أعظم، هل أن الذين يمارسون التعذيب ضدهم بهذا الشكل عرب؟، وهل هم مسلمون؟، وهل يستحقون العيش بسلام، والحياة بأمان؟، وأن يتركوا في الحياة دون انتقام، ودون أن يكونوا درسًا وعبرة لغيرهم!، إذ لا يعقل أن يمارس هذا القدر المهول من التعذيب ضد مواطن عربي، مسلم في عقيدته، أو عربي في انتمائه، أو إنسان سويٌ في عقله، مما يجعل أعدادًا كبيرة من السجناء، يتحولون في فكرهم، ويتطرفون في عقيدتهم، وهم في الأصل مثقفون ومتعلمون، أساتذة وأطباء ومهندسون، وكتاب وأصحاب رأي وصحفيون، وقليلٌ منهم قليل الثقافة، ومحدود التعليم، وبسيط المعرفة.

 

لستُ مدافعًا عن الإرهاب، ولا مؤيدًا للعنف، ولا مبررًا لأي سلوك خاطئ، ولكني أُحذِّر وأنبِّه حبًا وخوفًا، إنها صرخة من أجل الأمة، ونداء من الأعماق لتخليصها من شر ليس منها، ومن مرض استشرى فيها، ومن أناس يتآمرون عليها، ويسيؤون إليها، ولا يحبون لها الخير، ولا يسعون لها بالصلاح.

 

أوقفوا التعذيب والقهر، وكفوا عن الإهانة والإساءة، وحَسِّنوا سجونكم، ونظفوا معتقلاتكم، واجعلوها مدارس وجامعات يتعلم فيها السجناء، ويتخرجون منها حملة شهادات، ولا تجعلوا منها محاضن للثأر، وبيوتًا للانتقام، وأعطوا المواطن حقه، واحترموا رأيه، ولا تصادروا قراره، وامنحوه الكرامة، ووفروا له سبل العيش الكريم، والعمل النبيل، والبيت الساتر الشريف، والمستقبل الآمن الرغيد.

 

الإرهابيون هم صناع الإرهاب وليس منفذوه ومرتكبوه، وهم الدولة في أغلب الأحيان، الذين يظنون أنفسهم أنهم حراسها، وصمام الأمان فيها، وأنهم يحمون الوطن بتعذيب المواطن، ويحصنون البلاد بتكبيل السجناء، ويشرفون الأمة بتلويث شرف المعتقلين، وتدنيس طهر عائلاتهم، والذين يعتقدون أنهم يجلبون للأمة الأمن بسجن أبنائها، وتعذيب رجالها، بينما هم صناع هذا المرض، فتجب محاكمتهم وادانتهم، وينبغي عقابهم واقصاؤهم، وإلا فإن البلاد مرشحة للمزيد من العنف، والأمة مقبلة على المزيد من الإرهاب.

مصطفى يوسف اللداوي
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 2
  • 0
  • 1,403

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً