خطبة الجمعة بين الواقع والمأمول
على الرغم من كون صلاة الجمعة فريضة تعبدية، إلا أن لها في الإسلام حكمة وغاية، شأنها في ذلك شأن سائر الفروض التعبدية الأخرى، ولعل أولى حكم صلاة الجمعة الألفة والمحبة واجتماع المسلمين، إضافة إلى التذكير بحقوق الله والالتزام بأوامره ونواهيه.
على الرغم من كون صلاة الجمعة فريضة تعبدية، إلا أن لها في الإسلام حكمة وغاية، شأنها في ذلك شأن سائر الفروض التعبدية الأخرى، ولعل أولى حكم صلاة الجمعة الألفة والمحبة واجتماع المسلمين، إضافة إلى التذكير بحقوق الله والالتزام بأوامره ونواهيه.
وعلى الرغم من أهمية صلاة الجمعة في الإسلام، وعظيم أثرها في تعليم المسلمين أمور دينهم، وتذكيرهم بربهم وآخرتهم، وتصحيح مفاهيمهم وأفكارهم المغلوطة عن الإسلام، وتقويم اعوجاجهم في سلوكهم وأخلاقهم، إضافة لفوائدها الاجتماعية الكبيرة والخطيرة، إلا أن أداءها على الوجه الأكمل كما طلب الإسلام ما زال دون المأمول، فهناك فجوة وبون شاسع بين الثمرة المرجوة من أداء هذه الفريضة على الفرد والمجتمع المسلم، وبين الواقع الذي يوحي بضعف تأثير صلاة الجمعة على المسلمين.
إن فضل الله تعالى ونعمته على أمة محمد صلى الله عليه وسلم باختصاصهم بهذه الفريضة عظيمة وجليلة، فإن أعداء هذه الأمة طالما تمنوا اختصاصهم بهذه الفريضة عوضا عن المسلمين، وطالما صرحوا بعظيم ما كانوا سيفعلون لو كانت هذه الفريضة موجودة في دينهم، بعد أن اختلفوا بشأن يوم الجمعة فحرمهم الله منه واختصه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، فقد ورد في الحديث عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ « » (صحيح البخاري برقم 876).
ورغم أن الله اختص هذه الأمة وحدها بهذه العبادة، إلا إن واقع خطبة الجمعة في عصرنا الحالي يضج بالملاحظات والهفوات التي كان لها كبير الأثر في عدم تحقيقها المأمول من تشريع الله لها، ولعل أهم هذه الملاحظات تتعلق بالخطيب وموضوع خطبة الجمعة والوقت.
- أهم الملاحظات على الخطيب
أما بالنسبة للخطيب فأولى الملاحظات السلبية وأكثرها وضوحا وظهورا في كثير من الخطباء –إلا ما رحم ربك– هي اللغة العربية، حيث يشيع الخطأ واللحن فيها بشكل كبير وخطير، حتى يصل الأمر في اللحن والخطأ عند البعض إلى الخطأ في تلاوة الآية القرآنية أو ذكر الحديث النبوي أثناء الخطبة، وهو ما يعتبر خطأ فادحا وسلبية لا تغتفر، ناهيك عن الأخطاء الكثيرة أثناء الخطبة من خلال رفع المنصوب ونصب المرفوع وجر ما يلزم تسكينه.
ويمكن تجاوز هذه الملاحظة بالعودة إلى أصول اللغة العربية تعلما وممارسة، من خلال التدرب على عدم اللحن أثناء الكلام، وهذا يحتاج بلا شك إلى جهود شخصية من الخطيب، إضافة إلى جهود من المؤسسات الدينية بإقامة دورات تنمية مهارة سلامة التحدث باللغة العربية لغويا ونحويا.
وتأتي الملاحظة الثانية المختصة بالخطيب فيما يتعلق بالتأثير على الحضور المستمعين، فمع الاعتراف بدور خطبة الجمعة في تعليم الناس أمور دينهم، وإزالة الشبهات التي تحوم حول عقيدتهم، إلا أن ذلك لا يعني أن تتحول إلى محاضرة علمية بحتة، تخلو من الحالة الإيمانية الخشوعية المطلوبة.
والحقيقة أنه لا يمكن للخطيب أن يؤثر في الناس إيمانيا وعاطفيا إلا إذا كان حاضر القلب فيما يقول ويعظ، متأثرا ومتفاعلا مع الكلام الذي يلقيه على الناس، منفذا ومطبقا لما يقول قدر المستطاع،فلسان الحال أبلغ من لسان المقال كما هو معروف، والكلام الذي يخرج من القلب يصل إلى القلوب بلا استئذان، والكلام الذي يخرج من اللسان لا يتجاوز الآذان.
- ملاحظات حول موضوع الخطبة
وفيما يتعلق بموضوع الخطبة فهناك الكثير من البعد عن واقع الناس وهمومهم والقضايا الساخنة التي تشغل بالهم، فبينما يتساءل الكثير من المسلمين في هذه الأيام عن مدى علاقة ما يحدث في العالم الإسلامي من أحداث جسام وحروب عظام بقرب ظهور علامات قيام الساعة الكبرى، كظهور المهدي والدجال، لا نرى كثيرا من الخطباء يتكلمون عن هذا الموضوع الحساس، وبيانه كما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، حتى لا يختلط الأمر على المسلمين، ويكون بابا لدخول بعض الأساطير والخرافات إلى هذا الدين.
وبينما تتوالى أخبار اضطهاد المسلمين في معظم أرجاء العالم، قد نرى الكثير من المسلمين لا يعلمون شيئا عن ذلك، لأن خطيب مسجدهم لم يتناول هذا الأمر لا من قريب ولا من بعيد في اللقاء الأسبوعي الإسلامي.
وعلى الرغم من أن الساحة العالمية تعج بالأفكار الملحدة والمذاهب والتيارات المنحرفة، والتي تمثل شبهات خطيرة قد تودي بإيمان بعض المسلمين، لا نرى اهتماما ملحوظا بتناول هذه الأفكار والمذاهب والتيارات بالنقد والتمحيص في خطب الجمعة بالمستوى المطلوب والمأمول.
وفي حين تتزايد الشكاوى من ظاهرة فصل الدين عن حياة المسلمين اليومية، من خلال تناقض ظاهر وفاضح بين ممارسة بعض المسلمين لعباداتهم الشعائرية بانتظام - كأداة الصلاة والصيام والحج – بينما عباداتهم التعاملية والأخلاقية – كأداء الأمانة وإتقان العمل والبعد عن المال الحرام – فيها الكثير من الخلل والعوار، ومع هذا لا نلمس وجود تركيز على هذا الأمر في خطبة الجمعة، من خلال برنامج موضوعي لمعالجة هذه السلبيات بتناولها عبر سلسلة من الخطب المتتالية أو المتفرقة.
إن اختيار وانتقاء موضوع خطبة الجمعة يحتاج إلى كثير من العناية والاهتمام من الخطباء، حيث يقدم الموضوع الأهم حسب الزمان والمكان وحاجة المسلمين، ولعله ليس من المبالغة في شيء القول: بأن حسن أو سوء اختيار وانتقاء موضوع خطبة الجمعة من أهم أسباب نجاح الخطبة أو فشلها، خاصة إذا استوحى الخطيب المسؤولية أمام الله عن هذا المقام الكبير والخطير الذي أقامه الله فيه واختصه له.
- وقت الخطبة بين التطويل والتقصير
على الرغم من أنه ورد في السيرة النبوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطيل خطبته أحيانا ويقصرها أحيانا، بحسب حاجة الناس وتغير الأحوال، إلا أن المشهور من سنته صلى الله عليه وسلم أنه يتوسط ويقصر الخطبة، ويؤكد ذلك حديث جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: « » (صحيح مسلم برقم 2040).
وإذا أردنا أن نلتمس العذر لطول خطبة بعض الخطباء الذين يجيدون انتقاء الموضوع ويتقنونه، ويجذبون انتباه واهتمام المصلين من شدة تفاعلهم وحرصهم على نفع المسلمين والتأثير فيهم، فإن طول خطبة الكثير دون اتقان للموضوع ولا تفاعل أو شد لانتباه المصلين، مع تكرار بعض العبارات والأفكار، إضافة لكثرة الأخطاء اللغوية وربما الشرعية، يثير الكثير من تذمر المصلين واستيائهم.
إن الالتزام بسنة النبي صلى الله عليه وسلم في التوسط بوقت خطبة الجمعة يساعد في معالجة ظاهرة تأخر كثير من المصلين عن أول وقت صلاة الجمعة بحجة أن الخطيب يطيل الخطبة – رغم عدم شرعية ذلك - كما أنه أدعى لاستيعاب مضمون الخطبة وفهمها ومن ثم تطبيقها، فإن كثرة الكلام ينسي بعضه بعضا، وما قل وكفى خير مما كثر وأهلى.
ملاحظات يمكن تداركها، وهفوات يسهل اجتنابها، لنعيد لخطبة الجمعة رونقها ونحقق حكمة الله في فرضها، فهل إلى ذلك من سبيل.
- التصنيف:
- المصدر: