فرصة ثانية

منذ 2014-03-05

إصراري ثم استسلامي ليلة الامتحان. فشلي في الامتحان. سواد وجهي أمام معلم المادة، ماذا أقول له؟ وعدي له... يجب أن أوفي به!

انتهى اليوم، ولكن الدراسة لم تنتهي.. هذا -على الأقل- ما ظننت.

رغم أنها كانت ليلة الامتحان، إلا أنني لم أتعرَّف على المادة إلا وقتها، كيف لا وقد تغيّبت معظم الحصص؟ كيف لا وفي الحصص التي حضرتها.. كنت أنام؟

وكان الأستاذ أحيانًا، يقترب من طاولتي، يدق عليها ليوقظني قائلًا: "فقط أريد أن أُلقِ عليكِ السلام"، وعليكَ السلام يا أستاذي الفاضل، وعليكَ السلام يا من تظنني أهلًا للثقة التي زرعتَها فيها منذ بداية العام... وعليكَ السلام ورحمة الله وبركاته!

"لن أترك الدراسة حتى أضمن المائة بإذن الله"، جلست لأكمل دراستي... قررت أن أحاول حل بضعة أسئلة عن المادة، لعلّ أحدهم يأتي في امتحان الغد... ولكن قراراتي دائمًا لا تتعدى مرحلة.. القرار!

هذه المادة لم أدرسها بعد، هذه درستها ولم أفهمها.. هذه سأراجعها.. طيب، فلنحاول حل سؤال إذًا!

يا إلهي! لم أتوقع أن الأسئلة بهذه الصعوبة أبدًا! ظننت أنه يكفيني أن أقرأ المادة مرة لأتمكن من اجتياز الامتحان، ولكن ما حصل هو أني لم أستطع حتى أن أفهم سؤالًا محلولًا، ألهذه الدرجة الفيزياء معقَّد؟

يا ليتني ركّزتُ في الحصص.. يا ليتني استيقظت.

ماذا ستنفع الدراسة في هذا الوقت المتأخر على أي حال.. سأنام.

----

خرجت من الامتحان، فشلت طبعًا، كيف لا أفشل؟ هذه المرة الأولى التي أصادف بها أسئلة تتعلق بالمادة التي تعلمتها البارحة! لم أدرس عشرات الأسئلة -مثل الباقي- حتى أتمكن من المادة وأنجح في الامتحان!

ولكن هذه لم تكن مشكلتي... مشكلتي كانت: بأي وجه سألقى أستاذي؟ أستاذي الذي كان دائمًا يحثني على الاجتهاد والدراسة، دائمًا يحاول أن يمد إليَّ يد العون في ملاحقة ما فوّتُّ من المواد الدراسية... أستاذي الذي ما كان ليُقصِّر معي رغم كل تقصيري غير المبرّر في دروسه!

لقد تكلمنا قبل بضعة أيام؛ وقال لي بأنه يجب أن أبدأ باستدراك ما فات، لأنه سيعلّمنا موضوعًا جديدًا يوم الثلاثاء، فقلت له بأني سأفعل.. ولكني لم أفعل، وتغيّبت عن حصة يوم الثلاثاء...

"حاولت أن أساعدكِ، أنا لا أدري ماذا أقول لكِ أكثر من هذا.. أنتِ لا تأتين حتى!"، هذا كان قوله لي... وأما جوابي؛ فلم يكن سوى تأنيب لضمير يكاد يموت ويستصرخني... يا ربّ.. أحييه!

عدت إلى المنزل بكاهلٍ مُثقل بالأفكار... يجب أن أضع حدًّا لهذا الإهمال، دوري هو أن أنهض بالأمة، بعلمي، بدراستي، بعملي، بديني وأخلاقي! ولكني أقوم بالعكس! ما هذه تصرفات مسلمين يا آية! ما هكذا الهِمم التي يُفترض بها أن تلاصقنا! ما هكذا!

أرسلت رسالة اعتذار هاتفية لأستاذي، قلت له فيها بأني لم أنجح بالامتحان، ليس لأني لم أدرس، بلى درست، ولكني لم أدرس سوى المادة النظرية.

ذكرت أيضًا أني أنا وحدي من تلقى اللوم، وهو لم يُقصِّر معنا بتاتًا... وأنهيتها بـ: "أسأل الله أن يُقدِّرَني على أن أريك التغيّر في اجتهادي ومواظبتي في الدروس بالمستقبل".

أما ردّه... ردّه كان بأنه سيتجاهل علامة هذا الامتحان لو نجحت في الاختبارات القادمة، ووعدت نفسي بالالتزام وأريته أني فعلًا سأتغيّر.

"نعم أستاذ.. ولا يهمك أستاذ.. إن شاء الله.. سنرفع رأسك بإذن الله.. لن أُخيّبك هذه المرة.."، هذه الأفكار التي كانت تتردد في رأسي... سوف أوفي بعهدي هذه المرة.. لن أُخيّب أستاذي لأنه يستحق كل الخير، لأنه أعطانا الكثير ولكنه لم يلقَ -منّي أنا على الأقل- سوى الخيبات! هذه المرة سأريه أنني على قدر الأمانة والثقة التي حملّني إياها.

انتهى اليوم.

انتهى بهمّةٍ عالية، برغبةٍ جامحة للدراسة... بحافزٍ... بسببٍ... من أجل أن أُريه أن آية لن تُخيّبه هذه المرة كباقي المرات!

---

وفي وسط هذا الزحام... وكل الكلام... تصادمت مع فكرة.. عبرة...

الله.

كيف يا آية... لا تستشعرين وجودكِ باختبار، والله هو الممتحِن لكِ، وعلامتكِ تتعلق باجتهادكِ بالطاعات؟

كيف يا آية... تصممين على الإقبال على الدراسة لامتحان دنيوي بهمّةٍ تناطح السحاب... وهمّتكِ للدراسة للامتحان الآخروي تكاد تُعدم؟

كيف يا آية... كيف؟

لو أننا استشعرنا نظر الله ومراقبته لنا..

لو أننا استشعرنا حاجتنا الملحَّة لأن نُرِي الله أننا نريد الاجتهاد... لكان سبحانه -وهو الكريم الودود- تجاوز عن فشلنا في الاختبارات السابقة.. وأعاننا على النجاح في الاختبارات القادمة وسهّلها علينا!

لو أننا أيقنّا بأن عثراتنا ووقعاتنا على الطريق إلى الله ليست إلا بسبب إهمالنا وتكاسلنا... ليست إلا من أنفسنا.. لكُنّا صدقنا الله في الاستغفار على ما بدا مِنَّا!

لو أننا شعرنا بعظمة نعم الله علينا، إذ نفشل فيمنحنا فرصة أخرى -رغم أن فشلنا ليس إلا نتيجة لسوء أعمالنا- فنفشل فيمنحنا فرصة أخرى... ولا يقبض أرواحنا على ما هي عليه.. بل يُنعِم علينا بيومٍ آخر، لعلّنا نتوب فيه... فلا نتوب.. فيُنعم بآخر... لو أننا شعرنا بعظمة هذه النعمة، لذابت قلوبنا حبًا لله سبحانه وتعالى... لذابت قلوبنا شوقًا للقياه... لتأججت هِممنا من أجل السعي إلى رضاه..

لو أننا...

يا الله تُب علينا.. واغفر لنا إسرافنا في أمرنا.. يا رحمن يا ودود...

سبحان الله، هذا أستاذ عاديّ يمنح أكثر طلابه كسلًا وإهمالًا وتقصيرًا (أنا) فرصة لإصلاح ما فات منها، فكيف لا يغفر لنا الله الرحمن الرحيم الذنوب التي اقترفتها أيدينا؟

كيف لا يرأف بنا وهو الرؤوف الودود؟

كيف لا يرحمنا وهو الرحمن؟ كيف لا يتوب علينا وهو التوّاب؟ كيف لا وهو القائل {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].

يا الله! يا من رحمته وسعت كل شيء.. وأنا شيء.. ارحمني.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

آية سليم

كاتبة إسلامية

  • 4
  • 1
  • 4,936

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً