إلى التائبين أتحدّث
حديثي اليوم إلى كل من أذنب ذنبا يراهُ ثقيلا ويستحيي أن يلقى الله به، ويخشى عذابه، وإلى كل من ظلم نفسه بالتقصير في طاعة الله سبحانه وارتكاب الآثام ثم أراد أن يعوض مافاته ويرجو المغفرة، وإلى كل من سقط سقطة ذنب آلمه أثرها فيبحث عن الإنابة له سبحانه والعودة والأوبة، إلى كل من أحرق الندم قلبه أتحدّث..
حديثي اليوم إلى كل من أذنب ذنبا يراهُ ثقيلا ويستحيي أن يلقى الله به، ويخشى عذابه، وإلى كل من ظلم نفسه بالتقصير في طاعة الله سبحانه وارتكاب الآثام ثم أراد أن يعوض مافاته ويرجو المغفرة، وإلى كل من سقط سقطة ذنب آلمه أثرها فيبحث عن الإنابة له سبحانه والعودة والأوبة، إلى كل من أحرق الندم قلبه أتحدّث..
قال الله سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزّمر:53].
فلا تقنط أخي التائب من رحمة الله، ولا تُحسّ بأن ذنوبك أكثر من أن يغفرها الله؛ لأن إحساسك هذا ناشئ عن عدم اليقين بسعة رحمة الله، واعلم أن ربك العظيم الرحيم قادر على مغفرة جميع الذنوب، ففي الحديث القدسي الصحيح: «من عَلِمَ أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرتُ له ولا أُبالي ما لم يُشرك بي شيئًا» (رواه الطبراني في صحيح الجامع).
وانظر إلى جميل عفوه سبحانه وواسع مغفرته سبحانه كما في الحديث القدسي العظيم: «يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أُبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أُبالي، يا ابن آدم لو أنك أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة» (أخرجه الترمذي).
وانظر إلى فعل التوبة الصادقة في الذنوب، كما يقوله صلى الله عليه وسلم: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» (أخرجه ابن ماجة وحسّنه الألباني).
وعن أبي بكر رضي الله عنه قال: "سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول": «ما من رجل يذنب ذنبًا ثم يقوم فيتطهّر ثم يُصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر الله له» (أخرجه أصحاب السنن).
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن مثل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل رجل كانت عليه درع ضيقة قد خنقته ثم عمل حسنة فانفكت حلقة، ثم عمل أخرى فانفكت الأخرى حتى يخرج إلى الأرض» (صحيح الجامع).
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن للتوبة بابًا عرض ما بين مصراعيه ما بين المشرق والمغرب لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها» (صحيح الجامع).
وفي الحديث القدسي: «يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعًا فاستغفروني أغفر لكم» (رواه مسلم).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة» (متفق عليه).
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى يبسط يده في الليل ليتوب مُسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مُسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها» (أخرجه مسلم).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه» (أخرجه مسلم).
لكن احذر يا أيها النادم التائب، فإنه لا بطالة مع التوبة، ولا قعود ولا كسل مع التوبة، فلابد للتوبة كي تكتمل من عمل صالح، فكما أنها ترك لما يكره سبحانه فإنها فعل لما يُحب سبحانه، وكما أنها تخلٍ عن معصية فإنها تحلٍ بطاعة؛ لذا قرن الله سبحانه في آيات كثيرة بين التوبة والعمل الصالح.
كذلك فإن الأحوال تصدِق الأقوال أو تكذِبُها، ولكل قول شاهد من صدق أو كذب من حال قائله، قال الحسن: "ابن آدم، لك قول وعمل، وعملك أولى بك من قولك، ولك سريرة وعلانية، وسريرتك أملك بك من علانيتك...".
وكان يحيى بن معاذ يقول: "زَلّة واحدة بعد التوبة أقبح من سبعين زَلّة قبلها".
و سُئِل سفيان بن عيينة: ما علامة التوبة النصوح؟ فقال: "أربعة أشياء: قلة الدنيا، وذلة النفس، وكثرة التقرّب إلى الله بالطاعات، ورؤية القلة والنقص في ذلك".
وكان الفضيل بن عياض يقول للمجاهدين إذا أرادوا أن يخرجوا للجهاد: "عليكم بالتوبة، فإنها تردُّ عنكم ما لا تردُّه السيوف".
وكان عمر بن الخطاب يقول: "جالسوا التوابين فإنهم أرق أفئدة".
قال الإمام ابن القيم: "أن أحد الصالحين كان يسير في بعض الطرقات، فرأى بابًا قد فتح وخرج منه صبي يستغيث ويبكي، وأمه خلفه تطرده حتى خرج، فأغلقت الباب في وجهه، ودخلت فذهب الصبي غير بعيد، ثم وقف مفكرًا، فلم يجد له مأوى غير البيت الذي أخرج منه ولا من يؤويه غير والدته، فرجع مكسور القلب حزينًا، فوجد الباب مغلقًا فتوسّده، ووضع خدّه على عتبة الباب ونام ودموعه على خديه، فخرجت أمه بعد حين، فلما رأته على تلك الحال لم تملك إلا أن رمت نفسها عليه والتزمته تُقبِّله وتبكي وتقول: يا ولدي أين ذهبت عني؟ ومن يؤويك سواي؟ ألم أقل لك: لا تخالفني؟ ولا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جُبلتُ عليه من الرحمة بك والشفقة عليك وإرادتي الخير لك؟ ثم أخذته ودخلت"، فتأمّل قول الأم... وتأمّل قوله صلى الله عليه وسلم: «لله أرحم بعباده من الوالدة بولدها» (رواه مسلم)، وأين تقع رحمة الوالدة من رحمة الله التي وسعت كل شيء؟!
فإذا أغضبه العبد بمعصيته فقد استدعى منه صرف تلك الرحمة، فإذا تاب عليه فقد استدعى منه ما هو أهله وأولى به.
نصيحة واستدراك:
إذا هداك الله إلى توبة قلبية مخلصة، فاحذر الذنوب، واحذر أن تحترق بنارها مرةً أخرى، واذا ما زلّت بك قدمك فسارع بالاستغفار فوراً، وبالعمل الصالح، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: «واتبع السيئة الحسنة تمحها» (من حديثٍ رواه أحمد والترمذي، وحسّنه الألباني)..
ولا تحقر ذنبًا أو تستصغره، فعن أنس رضي الله عنه قال: "إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، كنا نَعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات" (رواه البخاري).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه فقال به هكذا -أي بيده- فذبه عنه" (رواه البخاري)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه» (أخرجه أحمد – صحيح الجامع).
خالد روشه
- التصنيف:
- المصدر: