جرائم أرسطو في عالَم الفكر!

منذ 2014-03-13

أحد كتب أرسطو القديمة؛ دار حديث ذات مرة بيني وبين عدد من أصدقاء الشباب/زملاء الدراسة، وتطرَّقتُ في كلامي إلى أخطاء المنطق الصوري وعثرات أرسطو، فثارت ثائرة أحدهم وهو مضيّفنا وسبق له أن تخرج في الفلسفة، فهاج وهو يخلِط الجد بالهزل فقال: "أَيُهان أرسطو في منزلي؟!".

وقد اضطرني جهله وتعصبه إلى عرض قوي وشامل لعورات أرسطو بحسب المنطق الرياضي الحديث، الذي سدَّد طعنات نجلاء لمنطق أرسطو الصوري المليء بالثقوب والعيوب، وبُهِتَ صاحبنا وفوجئتُ أنا بمدى التعصب الرهيب الذي تعيشه بعض جامعات العرب والمسلمين، حتى إنها تمنح الطالب درجة علمية من دون أن يدري بالانتقادات الضخمة والمحورية التي أطلقتها الفلسفة الغربية ذاتها لفلسفة أرسطو، الذي يُصِرُّ العبيد على تسميته بـ"المعلِّم الأول"! فالغربيون يُعلِّمون تلامذتهم في مراحل التعليم العام بأهم ما لأرسطو وما عليه!

المهم؛ أنني تذكرتُ هذه الواقعة المعبّرة، وأنا أتصفح كتابًا متميزًا، عنوانه الرئيسي: "جنايات أرسطو في حق العقل والعلم"، وله عنوانان فرعيان شارحان، هما: "مظاهرها، آثارها، أسبابها" قراءة نقدية لكشف جرائم أرسطو في حق العقل والعلم، وهو من تأليف الدكتور خالد كبير علال، صاحب المؤلفات التاريخية الطيبة. وصِرت أتخيل صاحبي إذا قرأ بحثًا ينسب الجناية إلى الفيلسوف الذي لا يقبل توجيه همسة نقدية تجاهه!

يُوضِّح المؤلف الكريم أن إعادة اعتبار بعض المعاصرين لأرسطو بعد خمول ونقد شديد؛ قد شجعته على خوض غمار هذه القضية الفكرية العميقة، بالرغم من بعدها عن تخصصه في التاريخ وميدان اهتمامه المباشر. وبخاصةٍ أن نفرًا من المثقفين المنتسبين إلى الإسلام في عصرنا ألحُّوا على تجديد فلسفة ابن رشد، الذي لم يكن أكثر من شارح ومُقلِّد لأرسطو.

وقد أجاد الباحث في بحثه الذي جاء على امتداد (384 صفحة)، وقد وزَّعه على خمسة فصول، أولها: مظاهر جنايات أرسطو على العقل والعلم في الإلهيات، حيث نقف أمام ضلالاته الكبرى بسبب أوهامه عن عالم الغيب، في تفسيراته المتخبطة لنشأة الكون ومكوناته وحركته، فيتجلى لنا تيه الرجل في تصوراته المتناقضة للخالق عز وجل.

وفي الفصل الثاني: نطالع جنايات أرسطو على العقل والعلم في علم وظائف الأعضاء، ليأتي الدكتور علال في الفصل الثالث على جناية "المعلم الأول" في علم الفلك والجغرافيا ومواقفه من الأعراق البشرية ومن المرأة.

وقد خصَّص المؤلف رابع فصول كتابه: لمظاهر جناية أرسطو على العقل والعلم في مجال المنطق -وهو أحد أبرز الإنتاج المنسوب إليه وهي نسبة ينسفها علال بالدليل الدامغ!-، وقد قسّمه إلى قسمين: أحدهما لأخطائه في الجانب النظري (الاستقراء، الجدل، القياس الصوري)، والثاني: لعَرض كليات تطبيقية خاطئة، ثم تبيان انحرافات وخصائص منطق البحث والاستدلال في منطق أرسطو الأعرج.

وقبل الخاتمة -التي يلخص فيها المؤلف أبرز ما خلص إليه من بحثه- نقرأ في الفصل الخامس أهم خصائص فكر أرسطو وظاهرة الغلو فيه والإسراف في تعظيمه.

ولأهمية خاتمة الكتاب ودقتها في بيان ما ورد فيه من نتائج فكرية وعلمية، نثبت هنا أبرز ما جاء فيها:

يقول الباحث الهُمام جزاه الله خيرًا: "...... فمن ذلك أنه تبيَّن بما لا يدع مجالًا للشك أن أرسطو كان كثير الأخطاء والانحرافات المنهجية في كل العلوم التي خاض فيها. وقد أحصيتُ منها أكثر من (337 خطأً وانحرافًا منهجيًا)، ذكرتها من باب التمثيل لا الحصر، وقد أغفلتُ أخطاء وانحرافات أخرى تزيد عما ذكرته.

مما يعني بالضرورة أن الرجل لم يكن مُتمكِنًا ولا مُتقِنًا للعلوم التي كتب فيها، منهجًا ولا تطبيقًا من جهة؛ وأن كثرتها تُشير إلى أنها ليست أخطاء عادية، وإنما هي أخطاء غير عادية سببها عميق يعود إلى الانحراف في منطق البحث والاستدلال من جهة أخرى.

وتبيّن أيضًا؛ أن معظم أصول فِكر أرسطو وأساسيات فروعه غير صحيحة، وهذا يعني -بالضرورة- أن فلسفته غير صحيحة في معظمها من جهة؛ وأن الفلسفات التي جاءت من بعده وتبنت أفكاره هي أيضًا غير صحيحة في معظمها من جهة أخرى. منها فلسفة المشائين من النصارى والمسلمين، وفلسفة الرشديين والأرسطيين المُحدثين.

واتضح أيضًا؛ أن معظم إلهيات أرسطو غير صحيحة، مخالِفة للوحي الصحيح، والعقل الصريح والعلم الصحيح. أقامها أساسًا على ظنونه ورغباته، وتحكماته وخرافاته، أكثر مما أقامها على دليل الفطرة والعلم والبديهة. فأوصله ذلك إلى مواقف ونتائج باطلة دلت على أنه كان جاهلًا بالله جهلًا كبيرًا من جهة؛ وأن إلهياته تقوم على عقيدة دهرية شركية صابئية عبثية من جهةٍ أخرى.

وتبيَّن أن أرسطو خاض في علوم الطبيعة مُهملًا لمناهجها الطبيعية، مُقدِّمًا عليها منهجه التأمُّلي التجريدي الصوري في كثير من المواقف. فأوقعه ذلك في أخطاء وانحرافات فاحشة فادحة، كثير منها لا يقبل الاعتذار ولا التبرير أبدًا. كقوله بوجود عَظْم في قلب الحصان والبقر، وأن الدماغ بارد لا دم فيه، وأن عدد أسنان المرأة أقل من عدد أسنان الرجل، وغيرها كثير جدًا.

ومنها؛ أنه تبيَّن أن أرسطو لم يكن مُفكِرًا إنسانيًا حرًا، ولا مُصلحًا اجتماعيًا داعيًا إلى العدل والمساواة في كثير من المواقف التي اتخذها من قضايا عصره الاجتماعية والإنسانية؛ وإنما كان فيها مُفكِرًا طبقيًا ذاتيًا، ونفعيًا مُتعصِبًا، وعنصريًا مُشجِعًا على الظلم. فزعم أن الرق طبيعي حتمي، وأن الجنس اليوناني أفضل الأجناس، وأن من حقه أن يحتل الشعوب الأخرى.

واتضح أيضًا؛ أنه ليس أرسطو هو الذي اكتشف المنطق عامة، ولا الصوري خاصة؛ وإنما هو واصل الاهتمام به شرحًا وتوسيعًا وتدوينًا من جهة. وأنه لم يكن مُتمكنًا ولا مُتمهِرًا فيه تنظيرًا ولا مُمارسةً من جهة ثانية. ولا كان مُلتزمًا بمنطق البحث والاستدلال تطبيقًا، ولا موضوعية، ولا أمانة من جهة ثالثة.

فأوقعه ذلك في السطو والاستحواذ على أفكار ليست له، فتبناها ونسبها إلى نفسه بطرق شتى.

وتبيَّن أن ما ينطبق على عمل أرسطو في المنطق ينطبق على عمله أيضًا في العلوم الأخرى. فقد أقمنا الأدلة الدامغة على أن أرسطو لم يُتقِن عِلمًا واحدًا من العلوم إتقانًا كبيرًا مُبدِعًا، ولا أنشأ ولا أسَّس واحدًا منها -أي العلوم-؛ وإنما كانت له مشاركات في تأسيس طائفة منها، مع اختلاف نسبة مساهمته فيها من علم إلى آخر.

وأخيرًا:

فقد اتضح جليًا أن أرسطو ارتكب جرائم كبيرة وكثيرة، وخطيرة في حق نفسه وأتباعه، وفي حق الإنسانية جمعاء، وفي حق العقل والعلم؛ فأفسد بها العقول ومنطقها، والعلوم ومناهجها، والعقائد وسلوكياتها.

والذين يدافعون عنه باستخدام الانتقاء والتغليط والتدليس، ونفخ وتجعيد صوابه القليل، وإغفال أخطائه وانحرافاته المنهجية الكثيرة جدًا؛ فهم غلاة مُتعصبون بالباطل مُشارِكون لشيخهم في جرائمه التي ارتكبها حق العقل والعلم معًا".

ـــــــــــــــ

الكاتب: مهند الخليل

  • 1
  • -1
  • 6,007
  • Joulia Atek

      منذ
    واحد حيوان مابيطلعلك تحكي كلمه ع المعلم الاول شقفه واحد همو بس يفوت ع التواليت باجرو المين تفوه مقرف
  • Joulia Atek

      منذ
    طريق الارهاب والقتل

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً