حين تُفتَقد الشجاعة

منذ 2014-03-14

سألني أحد الأخوة عن أحداث أوكرانيا التي تتصدر واجهات الإعلام في هذه الأيام، قلت له: إن روسيا تقف أمام غرب جبان، لا يتحدث إلا عن الحلول الدبلوماسية والضغوط الاقتصادية ولذلك فهو يستبعد أي حل عسكري سواء لمشكلة أوكرانيا أو غيرها في العالم.

سألني أحد الأخوة عن أحداث أوكرانيا التي تتصدر واجهات الإعلام في هذه الأيام، قلت له: إن روسيا تقف أمام غرب جبان، لا يتحدث إلا عن الحلول الدبلوماسية والضغوط الاقتصادية ولذلك فهو يستبعد أي حل عسكري سواء لمشكلة أوكرانيا أو غيرها في العالم.

رئيس روسيا يعلم هذا ولو احتل شبه جزيرة القرم، فلن يتحرك الغرب سوى بالضغوط الاقتصادية والسياسية، وهذا أمره سهل، أما مساعدته للنظام المجرم في سوريا فلا نستطيع أن نقول أنه يتحدى الغرب في هذه المنطقة، لأن الغرب وكأنه راض عما يحدث للشعب السوري المسلم السني.

لقد فقد الغرب في السنوات الأخيرة السياسيين الذين يملكون شيئًا من الشجاعة في اتخاذ القرار، وقد عبر عن هذه الحالة الكاتب الروسي الهارب من جحيم الشيوعية (سولجنتسن) في ندوة نظمتها جامعة هارفارد ووصفها بأنها (زوال البأس) في الطبقة الحاكمة وعند نخبة المفكرين في الغرب، وتابع يقول: "وإذا كان هناك أفراد فيهم شجاعة وبأس ولكنهم لا يلعبون أي دور مسؤول في الحياة السياسية".

إن كلام الكاتب الروسي يدل على فهم عميق للمجتمع الغربي، فالرفاهية وهي إحدى الأسباب سواء في الغرب أو غيره من البلدان سوف تنتج أجيالاً لا تملك الشجاعة في اتخاذ القرار.

وأما الأسباب الأخرى (عندنا في الشرق خاصة) فهي العيش في أجواء الظلم والقهر وعقم التربية في المنزل والمدرسة، فهذا مفسد للبأس وذاهب بالمنعة كما يقول العلامة الاجتماعي ابن خلدون.

هذا الصنف من القيادات الذين ألفوا الضعف والخور يسمون ما هم فيه حكمة وعقلاً، ومسالمة وربما يسمونه ذكاء ودهاء، وأن غير ذلك من الأمور هو الدخول فيما لا يعني وإلقاء النفس في التهلكة، وفي السياسة هناك أوهام ذات عربدة وضجيج، ترعب أصحاب القلوب الخاوية كهلع المنافقين عندما تحدثوا عن استعداد الرسول صلى الله عليه وسلم لغزوة تبوك، قالوا: كيف نحارب بني الأصفر (الروم).

وكهلع السياسيين في سوريا في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي من ضباط الجيش، ولذلك لم يقوموا بأي عمل يمنع من تسلط العسكر ومجيء حزب البعث ثم الحكم الطائفي الذي ركب موجة البعث.

الشجاعة فضيلة عظمى، فالشعوب لا تفرح للذكاء بقدر ما تفرح للشجاعة التي يقدرونها أكثر من غيرها، بل الشجاعة هي أم الفضائل لأنها هي التي تساعد على الصبر، وعلى النصر، وفي زمن عز فيه البطولات تتطلع الشعوب إلى شجعان يقولون الحقيقة عارية واضحة، فهذه الشجاعة الأدبية تشفي أمراض الفساد، وتبعد الخوف الذي يجعل بعض الطغاة يحكمون الناس وهم في قبورهم.

الشجاعة مطلوبة وخاصة في هذه الأيام، وفي الظروف السيئة التي تحيط بالمسلمين في كل مكان.

الشجاعة تؤدي إلى قرارات حاسمة ويمكن أن يقال فيها لا. والرفض هنا ليس سلبياً ولا هو عناداً ولكن (لا) تأتي بعد الدرس والتمحيص، ولأن وراءها (نعم) لما يُراد وما يُبتغى، ومن أعظم الأمثلة على هذه الشجاعة ما قام به الصديق رضي الله عنه حين أصر على مقاتلة المرتدين رغم معارضة بعض الصحابة، وكان موقفه هو الصواب.

بعض السياسيين عندنا لا يدركون أهمية (لا) في الوقت المناسب، وأنها رفض لواقع سيء، وقد يكون هذا رادعاً للعدو مرضياً للصديق.

بعض السياسيين في بلادنا يملكون أوراقاً كثيرة ولكنهم لا يستفيدون منها في مواجهة الآخرين، أو لا يستفيدون منها في تقوية جانبهم وتثبيت دولهم وذلك لأنهم مقيدون بسلاسل الخوف، لماذا لا يقول الائتلاف السوري (لا) لجنيف (2) وما بعده، ويقولون للغرب وللعالم، لا نقبل هذه المراوغة والمراوحة والشعب السوري يقتل كل يوم آلاف المرات.

ولماذا لا تقول المعارضة السورية للذين يسمون أنفسهم أصدقاء سورية أين أنتم، وماذا فعلتم للشعب السوري ولماذا لا يكون عندكم شجاعة لقول الحق، أليس هذا أفضل من كثرة الاجتماعات بلا طائل.

إنّ شر ما في الإنسان أن يكون بخيلاً وجباناً، كما جاء في الحديث، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «شر ما في المرء شحٌ هالع وجبنٌ خالع»، والجبن الخالع هو الذي يزلزل القلب، وعندئذ يضيع تدبير العقل وتوضع الأمور في غير مواضعها. والخوف يأتي من حب الحياة ورغد العيش وهو ما سماه الرسول صلى الله عليه وسلم ونعت به هذا الصنف من المسلمين بأنهم غُثاء كغثاء السيل.

محمد العبدة

رئيس تحرير مجلة البيان الإسلامية سابقًا وله العديد من الدراسات الشرعية والتاريخية.

  • 2
  • 0
  • 1,936

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً