وصايا سريعة لأبنائنا وبناتنا ولأولياء الأمور
يربط الكاتب بين امتحاني الدنيا والآخرة في عدة أمور، ثم يعطي بعض النصائح للوالدين والأبناء بخصوص الامتحانات الدراسية...
كثيرًا ما يقرن العلماء والموجهون وغيرهم بين امتحان الدنيا والآخرة، وهذه بلا شك مقارنة وربط صحيح، خاصةً عند المؤمن الموقن بالحياة بعد الموت، وبالحساب والجزاء، كما وصف الله في كتابه، ووصف رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن بين الامتحانين بونًا شاسعًا بل لا مقارنة.
والدعاة والمربون حينما يُركَّزون على هذه المقارنة، فواضح أن هذا ليس من باب التهوين من شأن هذه الامتحانات المدرسية. وطلب عدم الاستعداد لها، لأنهم مثل غيرهم يهتمون بها، وخاصة بالنسبة لأولادهم وأقاربهم، وإنما جاءت المقارنة لأمور:
- الاهتمام الذي لا حدَّ له في الامتحانات الدنيوية، يقابله عند البعض إهمال لا حدَّ له، فيما يتعلق بالاستعداد لامتحان الآخرة.
- أن من مظاهر الاهتمام في الامتحانات الدنيوية: حبس الأولاد عن التمتع باللهو واللعب، ومتابعة ما يهوونه من الكرة والمسلسلات، وبالمقابل قصرهم على ما يكرهون -وهي المذاكرة وكفى بها مشفقة.
- وفي مقابل هذا فيما يتعلق في امتحان الآخرة نجد العكس تمامًا، تركهم يلهُون ويعبثون حتى ولو أدَّى ذلك إلى ضياع دينهم وأخلاقهم.
وإذا جاءت المشقة للعبادة من صلاة ونحوها، رحمناهم بسبب البرد، رحمناهم لأنهم ناموا متأخرين، وهذه مفارقات عجيبة.
بل أننا نمارس هذا طوال العام الدراسي: ففي صلاة الفجر لا نوقظهم لكونهم ناموا متأخرين، أو من أجل البرد، ولكن بعد ذلك بنصف ساعة أو تزيد قليلًا نوقظهم للمدارس ولو كان بردًا شديدًا.
- وفي الامتحان نفسه يمارس المربون ما هو واجب عليهم من نظام الامتحانات، ألا وهو مسؤولية كل طالب على نفسه، فالغش ممنوع، ولا أحد يعين، وبالمقابل في الاستعداد لامتحان الآخرة، نترك أولادنا ولا نراقب أحوالهم مهما خالفوا الأوامر أو وقعوا في المحرمات.
وبسبب هذا التناقض العجيب، كم من شابٍ تحول إلى تارك صلاة، زنديق لا يؤمن بيوم الحساب، مستهزئ بدين الله تعالى وشريعته، وهو من أسرة فاضلة، معروفة بالصلاح والاستقامة.
- وفي النتائج نفرح بنجاح أولادنا، (ذكورًا وإناثًا)، وحق لنا أن فرح ونكافئهم بالجوائز الثمينة، وبالمقابل لا تجد الفرح ذاته إذا استقاموا وصاروا من رواد المساجد، أو المقبلين على حفظ كتاب الله، أو طلب العلم الشرعي.
والخلاصة: أننا صرنا فيما يتعلق بهذين الامتحانين: امتحان الدنيا وامتحان الآخرة نكيل بمكيالين: أي أن عندنا ازدواجية في المعايير كما يقولون: ففي امتحان الدنيا أو الدنيوي نصدر القرارات وننفذها، ونتابع تنفيذها، بل ونعاقب كل من يتعرض أو يتساهل في تنفيذها، وفي سبيل ذلك نحشد كافة القوى الممكنة.
- أما في الاستعداد لامتحان الآخرة (على خطره وأهميته)، فأحيانًا لا نصدر القرارات، وإذا أصدرناها لا ننفذها. وإذا تابع بعضنا تنفيذها، فكل من يعرقل ذلك يلقى منا صمتًا مطبقًا، أو عتابًا كلاميًا لا يقدمُ ولا يؤخر.
إننا بهذه الطريقة نغرسُ في نفوس أولادنا، أن الدنيا هي الحياة، وأن الآخرة لا قيمة لها، فكأننا نربي فيهم نوعًا من العلمنة، ونحن لا نشعر.
وصايا سريعة لأبنائنا وبناتنا ولأولياء أمورهم فيما يتعلق بالامتحانات:
- اجعل نصب عينيك قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّـهُ} [البقرة من الآية:282].
و اعلم أن أهم ما في هذا أن يتحول علمك سواء كان علمًا شرعيًا أو معينًا على ذلك ممَّا يسمى بالعلوم المادية، حيث لا انفصال بينهما في منهج الإسلام المتكامل إلى علمٍ نافع لك ولأمتك.
والخوف هنا حاصل: فكم من علمٍ شرعي تعلمهُ صاحبه فصار حجةً عليه، ولم يعمل به فصار وبالًا عليه، قال الله تعالى:
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ . وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ . سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ} [الأعراف:175-177].
وسواءً نزلت هذه الآيات في أحد علماءِ بني إسرائيل كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما من طرق، أو في أمية بن أبي الصلت الذي يُقال: "إنه قد وصل إليه علم كثيرٍ من علم الشرائع المتقدمة، ولكنهُ لم ينتفع بعلمه كما ورد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما".
فالآيات فيها التحذير الشديد من هذا النموذج الذي تحدثت عنه.
فهذا إنسان يؤتيهِ الله آياته، ويخلع عليه من فضله، ويكسوهُ من علمه، هو ينسلخ من آيات الله، ويتجردُ من الغطاء الواقي، والدرع الحامي، وينحرف عن الهدى ليتبع الهوى، فيصبح غرضًا للشيطان، فيتبعه ويلزمه ويستحوذ عليه، فإذا بهذا المخلوق قد تحول لاصقًا بالأرض ملوثًا بالطين، ثم إذا هو مُسخَ في هيئة كلب، يلهثُ إن طُورد، ويلهث إن لم يطارد، {ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} [الأعراف من الآية:176].
وكم من علم دنيوي تحول إلى وبالٍ على أصحابه، وها هي حضارة الكفر في غربها وشرقها أصابها الغرور فألحدت وأفسدت، وحاربت دين الله الإسلام.
- لا بدّ عند المذاكرة من تفريغِ النفس وإبعاد ما يهمها عنها -وهذا ما يُسمى بالتهيئة النفسية للمذاكرة، فالطالب الذي يعايشُ مشكلاتٍ معينة، أو يقع تحت إرهاب أبويٍّ يستخدم معه العصا لأجل المذاكرة، لا يكون مهيئًا ذهنيًا لتقبل المعلومات. لا مانع من التأديب، لكن بشرط أن لا يتحول إلى تأديب مستمر.
- الاعتماد على الفهم فيما سبيله الفهم، والحفظ فيما سبيله الحفظ. والحذر من تلك النظرية التي تقول الفهم الفهم، وتلغي الحفظ من مناهج التربية ووسائلها.
- استخدم في المذاكرة كل ما يعينك عليها سواءً كان من حركة الجسم ورفع الصوت مثلًا -لأنَّ المهم أن تكون بكليتك متجهًا إلى ما تذاكره حتى تهضمه أولًا، وحتى تستفيد من وقتك الثمين ثانيًا.
- ما الحل إذا ضاق الوقت وبقي في المنهج بقية: الأولى أن تستكمل فقرات المنهج الأساسية وتكمله، بدل أن تسير ببطء وأنت تتابع جزئياته.
وهذه المسألة مهمة في المذاكرة، فمن الأولى: تصور أصول المنهج وقضاياه الكبار أولًا، ثم يأخذ الطالب بالتفاصيل.
- استخدام الملخصات المساعدة سواءً كتبتها في ورقةٍ مستقلة أو على حواشي الكتاب أو استعمل الخطوط حول أبرز القضايا، فإن هذه تجمع في ذهنك أبرز القضايا المهمّة، والتي يبنى عليها غيرها.
- يجبُ أن يكون مكان المذاكرة هادئًا، بعيدًا عن الصخب أو حتى الحديث العادي.
- واحذر كل الحذر أن تصدق من يقول إنَّ المذاكرة أمام التلفاز غير الناطق، والموسيقى الهادئة من المسجل أو غيره مفيدة.
وهذه وصايا أخيرة أثناء الامتحان:
1- لا تتأخر في الوصول إلى قاعة الامتحان، بل ائت إليها قبل الامتحان بوقتٍ كافٍ حتى تستريح أعصابك، والمذاكرة السريعة المشوشة في الدقائق الأخيرة قد يكون ضررها أكثر من نفعها.
2- ابتدئ خروجك من البيت، ودخولك القاعة بالأوراد والأذكار الواردة، فهي خير معين لك إن شاء الله تعالى.
3- اقرأ الأسئلة جيدًا، فمعرفة السؤال طريق إلى معرفة نصف الجواب.
4- لا يكن همّك الخروج من قاعة الامتحان، ولا تستحي من الأساتذة المراقبين وهم ينتظرون الباقين، فما دُمتَ في الوقت المخصص للامتحان، فهو حق لك، ويجب أن تستفيد منه في سبيل ضبط ومراجعة إجاباتك.
5- إن لم تستحضر الجواب عن سؤال، فانتقل منه إلى غيره، فإنك ستجد الجواب إذا هدأت أعصابك، وقطعت شوطًا في الإجابة، على أن لا تنسى السؤال الذي أخرّته.
6- استخدام المسودة في آخر ورقة الإجابة، فهي تعينك على استكمال فقرات الإجابة وترتيبها.
7- استوضح من المراقب عن السؤال الذي لم تفهمه.
8- احذر كل الحذر أن تدخل صالة الامتحان وفي نفسك أن ستستفيد من غيرك، بل توكّل على الله وحده، واعتمد على نفسك.
9- إذا استعصى عليك سؤال فاسأل الله أن يفتح على قلبك وقل: اللهم يا معلم إبراهيم علمني، ويا مفهم سليمان فهمني.
10- احذر السهر خاصة ليالي الامتحان، فإنه العدو اللدود للامتحان.
وينبغي أن تعلم أن مجيئك إلى الامتحان بجسم وعقل مرتاح، بعد أخذ القسط الكافي من النوم، ضروري جدًا.
وكم من طالب جيد ملم بالمادة حوّل السهر إجابته إن استطاع أن يجيب، إلى أنواع من الخلط والأخطاء الفادحة.
11- احذر في المذاكرة التجمعات التي تجمع الطلاب وهو يذاكرون، إذا كان فيهم العابث المستهتر، أو لم يكن هُناك من يضبط الأمور ويمنع العبث.
ثم هل تكون في المذاكرة لوحدك أو مع غيرك؟! هذه مسألة ترجع إلى طبيعتك وارتياحك، والطلاب يتفاوتون في هذا.
عبد الرحمن بن صالح المحمود
أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقا.
- التصنيف:
- المصدر: