أُمٌّ أَمْ أمومة؟
غريزة الأمومة عطاء رباني لكل النساء، سواء من رزقن الولد أم من لم يرزقن، وشتان مابين امرأة وهبت عاطفة الأمومة بكل ما فيها من روح البذل والتفاني حتى وإن لم تنجب، وبين امرأة وهبت الإنجاب ولكنها حرمت روح التضحية والعطاء.
الأمومة هي أقوى الغرائز التي أودعها الله سبحانه المرأة، وذلك لحكمة عظيمة، وهي القدرة على تحمل مشاق هذه المسؤولية الجسيمة بكل أعبائها ومتطلباتها، بدءًا من متاعب الحمل ومعاناته، ثم آلام الولادة التي وصفها بعض العلماء بأنها أشد الآلام الطبيعية التي يتعرض لها الجسم البشري قسوةً وضراوةً.ثم يأتي بعد ذلك دور الرعاية والتربية، وما يصاحبه ذلك من سهر الليالي والمكابدة مع الطفل في عملية الرضاعة، والحرص على سلامته البدنية، وتوفير الحماية والوقاية والجو الملائم لينشأ نشأة صحيحة نفسيًا واجتماعيًا وأخلاقيًا، بما يتطلبه كل ذلك من صبر وسعة صدر ومجاهدة مع النفس لتؤتي هذه الرحلة ثمارها في النهاية، فتفوز بابن سوي. وحتى إن كتبت عليها المقادير- بعد كل هذا العناء- ألا يكون سويًا، فإنها على الأقل لن تحرم الشعور براحة الضمير لأداء الأمانة على الوجه المطلوب.
وهذه المكرمة من الله والمتمثلة في منح المرأة هذه الطاقة الهائلة - لم يجعلها حكرا على نساء دون نساء، وإنما جعلها جزءا من تكوينها الطبيعي.
فالأمومة عطاء رباني للنساء عامة، سواء من رزقن القدرة على الإنجاب أم لا.
والمرأة الفطنة حقا هي التي لا تجعل من حرمانها من الإنجاب عائقا يحول بينها وبين السعادة، بل على العكس، يجب أن يكون دافعا لتوجيه هذه الطاقة لما يحقق لها مكانة تفوق مكانة المرأة المنجبة. ولنا في أم المؤمنين وزهرة نساء النبي صلى الله عليه وسلم بل وأحب نسائه إليه(الصديقة بنت الصديق) رضي الله عنها - خير مثال على ذلك، فإن كان الخلاق العليم قد عم معظم نساء الأرض بنعمة الولد، فقد اختصها بأمومة أعلى وأشرف، كما اختصها بمهمة عظيمة الشأن ألا وهي نقل السيرة النبوية العطرة ورواية الحديث عنه صلى الله عليه وسلم، فقد روت عنه ما يزيد عن الألفين ومائتي حديث، وكانت مرجعا أساسيا لكثير من الصحابة في كثيرمن الأمور بعد وفاته، وحوى عقلها من العلم والفقه ما لم يحمله كثير من الصحابة، حتى أن النبي عليه الصلاة والسلام قد شهد لها بذلك في حياته، فكان حرمانها من الإنجاب تكريما لها وتشريفاَ فخلق المرأة بهذه العاطفة وهذه الطاقة هو من فيض عطاءاته سبحانه وتعالى.
فكثيرا ما يكون المجتمع في أمس الحاجة إلى هؤلاء النساء الفضليات المتفرغات، ليكون لهن شرف حمل إحدى الرسالات السامية، وكلما كانت المرأة أكثر إيمانًا بالله، واكثر رضًا بما قسم الله لها، وأكثر يقينًا بأن الخير فيما قدر لها، لا فيما تمنت هي، يسر الله لها ماهو أفضل منه كما هو في قوله تعالى: {فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [سورة النساء من الآية:19]
فلا تكون مجرد أم لعدة أبناء محصور معظم دورها بل كل جهدها في خدمتهم، وإنما تكون أم لكل محتاج لعطاء الأمومة بمفهومها الشامل العميق الذي لا نستطيع حصره بعمل محدد أو نشاط معين.
والأمثلة على هذه النماذج الرائعة ليست قاصرة على الماضي فحسب، بل أنها موجودة في كل زمان ومكان، ونحن نلمس وجودها من حولنا باستمرار، وننعم بإسهاماتها، ونتعلم منها أفضل القيم، بدءا من حسن الظن بالله والتسليم لمشيئته وشكره الدائم على ما أعطى وما أخذ، والذي تترجمه روح البذل والمشاركة في كل عمل مثمر بناء.
فالأمومة الحقيقية ليست حملا وإنجابا كما يتوهم الكثيرون، بدليل أن هناك كثيرا من الأمهات خاصة في أيامنا هذه لا تدري عن واجبات الأمومة شيئا، وتتخلى عن هذه المهمة المقدسة دون أدنى شعور بالذنب، متجاهلة عظم هذا الإثم، متناسية قوله صلى الله عليه وسلم: « » (صحيح الجامع؛ رقم: [4569]).
وهنا تكون قد قلبت نعمة الله نقمة عليها لأنها إن لم تجن ثمارها عقوقا في الدنيا فستجني سوء الجزاء يوم الحساب.
فغريزة الأمومة عطاء من الله، والقدرة على الإنجاب عطاء من الله، لكن أى العطاءين أفضل؛ أم بلا أمومة، أم أمومة بلا إنجاب؟
سؤال ليس بحاجة إلى جواب.
سهام علي
- التصنيف:
- المصدر: