وقفة مع الطب البديل
رغب الناس في الاستشفاء بعيدًا عن ويلات الكيماويات فاتسع باب الطب البديل كثيرًا، وتنوعت ضروبه لابسة زِي العلم والحكمة بعد أن كان طابعها الشعبية والبساطة، بل ربما الجهل والدجل والشعوذة مما كان يحصر مشجعيه في دائرة البسطاء من العامة...
"الطب البديل" ليس أمرًا بدعيًا مستحدثًا، أتى ليَحل مَحل الطب الدوائي التقليدي الحديث، فما زال الناس منذ القِدم يتداوون بأنواع من الأدوية غير تلك المصنعة كيميائيًا في الطب الحديث، إلا أن ثقة الناس بالعلم وتطلعهم للحضارة والمدنية جعلت البون شاسعًا جدًا بين:
● سوء استخدام الطب الدوائي سواء من قبل بعض الأطباء أو من قبل المرضى.
● تفشي الوهم بالمرض بين الناس؛ بسبب المعلومات الكثيرة عن تلوث كوكبنا بالكيماويات ومخلفات المدنية المتنوعة، وآثار الحروب.
● الآثار الجانبية لكثير من الأدوية الكيميائية لا سيما مع خطأ التشخيص أو سوء الاستعمال.
● انتشار الأمراض المستعصية التي وقف الطب الحديث إزاءها عاجزًا.
وهكذا رغب الناس في الاستشفاء بعيدًا عن ويلات الكيماويات فاتسع باب الطب البديل كثيرًا، وتنوعت ضروبه لابسة زِي العلم والحكمة بعد أن كان طابعها الشعبية والبساطة، بل ربما الجهل والدجل والشعوذة مما كان يحصر مشجعيه في دائرة البسطاء من العامة.
أما اليوم فقد اختلفت الصورة، وتغيرت النظرة وسميت مجموعات كثيرة من الوصفات الشعبية، ووصفات الأعشاب، والوصفات الدينية -من مختلف الأديان- باسم "الطب البديل"، وساد العالم توجه عام ينادي بالطب البديل، وفتحت من أجله معاهد وكليات تدرس نظرياته وأسسه في كثير من الجامعات والمراكز البحثية التابعة للمستشفيات، وأصبح يرتاد عياداته علية القوم وأساتذة الجامعات.
وفتح هذا التغيير في النظرة إليه المجال واسعًا أمام المعالجين به -منهم من يمارسه عن علم ودراية، ومنهم من يدعيه عن خبرة وتجارب شخصية، ومنهم من يعالج بوصفات متنوعة عن دجل واستغلال- إذ كثر عدد الفارين إليه من ويلات الآثار الجانبية لأدوية الطب الدوائي المصنعة كيميائيًا، والخائفين من أخطاء بعض الأطباء وتجارب بعض العلماء.
ولما كان خطفه للأضواء قد يكون سببًا في حدوث جفوة ونوع تنافس بين الأطباء والمعالجين به فقد حرص كثير من المعالجين مؤخرًا على تسميته بـ"الطب التكاملي" أو "الاستشفاء" بيانًا لحقيقة صحيحة وهي أن باب الأدوية واسع كما قال صلى الله عليه وسلم: « » (رواه الإمام أحمد).
ومن وجه آخر لكسب جانب الأطباء نفسيًا وعمليًا بتوجيههم لتكميل علومهم في الطب الحديث بعلوم الطب البديل. إلا أن هناك من الأطباء -وللأسف- من اتجه إليه ممارسة ومعالجة بدافع مادي لكثرة إقبال الناس عليه، ولم يوظف عقليته العلمية ومنهجيته التجريبية الصحيحة لتمحيصه وتنقيته، كما أن المسلمين منهم غفلوا عن أساسيات شرعية في دينهم ينبغي أن تشكل ميزانًا مهمًا للأخذ أو الرفض.
وبنظرة علمية موضوعية شرعية للطب البديل أو الاستشفاء البديل نجد أنه باب واسع يشمل كل ما يستشفى به غير الأدوية المركبة كيميائيًا المعروفة بالطب الدوائي أو التقليدي، ويمكن تصنيف أنواعه كالتالي:
● ما كان مصدره الخبرة والتجربة، وهذا منه ما ثبت بمنهج تجريبي صحيح، ومنه ما لم يتجاوز كونه وصفة جربها قليل أو كثير من الناس، ولم تخضع لدراسة علمية معتمدة. ويختلط في هذا الصنف ماهو جائز في ديننا وما هو غير ذلك، ومن أمثلة هذا النوع:
(الاستشفاء بالأعشاب، والاستشفاء المثلي، الاستشفاء بالروائح، والاستشفاء بالإبر الصينية والاستشفاء بالتغذية وأنواع من الحميات الغذائية. ينبغي التنبه أن في هذه الأنواع وغيرها ما هو جائز في ديننا ومنها ما هو غير جائز في ديننا كالحميات ذات الأصول الدينية التي تعتمد فيما تُحرُِّمه وتُحلِّله ديانات أصحابها ووصايا الكتب المقدسة عندهم، مثل حمية "الآيروفيدا" المستقاة من تعاليم الفيدا الهندوسية التي تُحرِّم أكل الحيوان، ومثل "الماكروبيوتيك" الحمية البوذية التي تُحرِّم العسل والألبان والتي تتعدى مفهوم الحمية لتشكل منهج حياة كامل قائم على فلسفة الطاقة الملحدة، ثم جدواها لم تثبت بدراسات معتمدة صحيحة بل قد سجلت كثير من حالات الوفيات ومرض الخرف المبكر وغيره لبعض من اعتمد عليها، ومن هذه الأنواع أيضًا ما بُني على فلسفة الطاقة الكونية الملحدة وجهاز الطاقة المزعوم في الديانات الشرقية كالإبر الصينية).
● ما كان مصدره النقل، وهذا الصنف فيه ما ثبت بنقل صحيح من الكتاب والسنة، وفيه المدعى من بعض أهل البدع، وفيه ما مصدره تعاليم ديانات أخرى اختلط فيها الحق بكثير من الباطل ومن أمثلته:
1- الاستشفاء بما ثبت بالشرع كالاستشفاء بالقرآن والرقية الشرعية والعسل والحبة السوداء والحجامة ونحوها شرط أن يكون على الهدي النبوي لا بطريقة بدعية كما تطالعنا حلقات الطب البديل التلفزيونية: العلاج بالوجبة القرآنية المكتشفة بشفرة خاصة! أو العلاج المُسمَّى بالاستشفاء بأشعة لا إله إلا الله! والعلاج بطاقة الأسماء الحسنى! أو الحجامة على مسارات الطاقة المزعومة!
2- الاستشفاء الشركي الوثني الذي مصدره نقولات وفلسفات القدماء الذين يُسمُّونهم بالحكماء، كالاستشفاء بخواص مدعاة للأحجار الكريمة والألوان، وخواص مدعاة للأفلاك، والاستشفاء بالريكي، والتشي كونغ، واليوجا، والتنفس العميق، والتأمل الارتقائي، أو الاستشفاء بالحميات الغذائية البوذية أو الهندوسية المعتمدة على عقائدهم وفلسفاتهم، وغير ذلك كثير مما يندرج تحت عنوان الاستشفاء بالطاقة الكونية أو استمداد طاقة قوة الحياة ويعتمد فلسفة الطاقة الكونية، التي هي فلسفة ملحدة مبنية على تصور مشوّه للكون والحياة يتصادم مع ثوابت ديننا ومصادر المعرفة الصادقة عندنا.
تنبيه:
تحت باب الطب البديل والاستشفاء البديل اختلط الحابل بالنابل كثيرًا، وبالذات من الوافد من ثقافات الشرق وأبرزه الطب الصيني الذي هو مبني على فكر الشرق القديم، الذي يختلط فيه علم صحيح، وعلوم خاطئة مبنية على مشاهدات قاصرة ومعارف سطحية، مع كثير من العقائد الوثنية والتصورات لما وراء الطبيعة -الغيب-، بالإضافة إلى تغييب ظاهر للمنهج العلمي في كل من الحقائق والنتائج المدعاة.
ومن هنا فالأمر يتطلب نظرًا فاحِصًا لكثير من الأنواع المدرجة تحت اسم "الطب البديل" حتى لا يختلط الأمر على العامة فيقعون في الشرك بدعوى الاستشفاء. فإن الله لم يجعل شفاءنا فيما حُرِّم علينا، وقد حرَّم علينا الشرك، والتشبه بالمشركين.
ومن هنا فلا بد من تقنين "الطب البديل" من قبل المسؤولين، وقد وعد بهذا المسؤولون في وزارة الصحة جزاهم الله خيرًا.
في الختام:
أوجه للمسلمين في كل مكان دعوة لأخذ نظام شامل للصحة والحيوية والسعادة والشفاء من كل داء من كنوز النقل الصادق الذي لم ولن يتعارض أبدًا مع العقل الصريح، فقد اصطفى لنا إلهنا الرحمن -الذي هو أرحم بنا من الوالدة بولدها- أكمل دين، وأنزل علينا أعظم كتاب، وسنّ لنا أعظم شرائع الدين.
كما أن نبينا صلى الله عليه وسلم أعظم نبي، وسنته أعظم حكمة وهديه في الاستشفاء والتداوي لا ينحصر في جانب واحد بل يشمل الجسد والروح والعقل، ولا يقف عند حدود الدنيا بل يتخطاها لهموم الدنيا والآخرة، إنه النظام الذي لا يجعل سعادتك وصحتك في يد بشر، ولا يتطلب خبراء وفلاسفة للمعالجة بل هو في متناول العالِم والمتعلِّم والفقير والغني الكل فيه سواء. وهذا بحق من أفضل أنواع الطب البديل بل إن شئت فقل "الطب الأصيل".
نماذج من الأدوية الشرعية -وقاية ومعالجة-:
- (القرآن كله، المعوذات، الفاتحة، آية الكرسي، أواخر البقرة، أذكار الصباح والمساء).
- الدعاء اللحوح: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل من الآية:62].
- «
» (رواه الترمذي).- «البخاري ومسلم).
» (رواه- «
- -» (متفقٌ عليه) سبع حبات أو خمس كل يوم.- «
[1] » (رواه البخاري).- «
» (رواه البخاري).- العسل: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل من الآية:69].
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]- (حساء شعير ولبن).
فوز بنت عبد اللطيف كردي
دكتوراه فلسفة التربية والدراسات الإسلامية، تخصص العقيدة والمذاهب المعاصرة. جامعة الملك عبد العزيز بجدة
- التصنيف:
Châ Imâ Bch
منذ