مغول القبيلة الذهبية

منذ 2014-04-02

هذا الجزء أقطعه جنكيز خان لابنه الأكبر جوجي، وشمل بلاد الروس وبلغار والقوقاز، وما يمكن ضمه من غرب المعمورة -شرقي أوروبا وغربي سيبيريا- وأطلق على أسرة جوجي التي حكمت الجزء السابق ذكره أسرة مغول الشمال أو القبيلة الذهبية، وقد وصى جنكيز خان لجوجي بوراثة منصب الخان الأعظم للمغول بعد وفاته.

هذا الجزء أقطعه جنكيز خان لابنه الأكبر جوجي، وشمل بلاد الروس وبلغار والقوقاز، وما يمكن ضمه من غرب المعمورة -شرقي أوروبا وغربي سيبيريا- وأطلق على أسرة جوجي التي حكمت الجزء السابق ذكره أسرة مغول الشمال أو القبيلة الذهبية، وقد وصى جنكيز خان لجوجي بوراثة منصب الخان الأعظم للمغول بعد وفاته.

ولكن وافت جوجي المنية قبل أبيه فاختير أخوه أوغطاي لهذا المنصب، وخرج المنصب من عائلة جوجي، ولكن برغم ذلك كانت لأسرة جوجي مكانة خاصة عند المغول فكانت لهم ثلث الغنائم التي يحصل عليها المغول في حروبهم وهي نسبه توافق النسبة التي تصل إلى الخان الأعظم.

باتو:

ورث باتو الحكم بعد وفاة أبيه جوجي وفي قرارة نفسه حقد شديد على عمِّه أوغطاي، الذي اعتبره قد انتزع منصب الخانية العظمى من أسرة جوجي.

توسعات باتو:

جهَّز الخان الأعظم أوغطاى جيشًا بلغ 30.000 جندي تحت قيادة باتو، ويتضمن الجيش ثلاثة قادة هم كيوك بن أوغطاي ومانغو بن طولوي وبايدار بن جغطاي وكلهم تحت إمرة باتو، واستطاع هذا الجيش أن ينتصر على أمير بلغار -وهي التي تمثل الآن مدينة قازان في روسيا والأجزاء المحيطة بها وهاجر سكان هذه المنطقة إلى البلقان، واستوطنوا المنطقة التي يطلق عليها بلغاريا الآن-، وكانت قد استعصت على المغول من قبل، وعندما احتلوها واصلوا تقدمهم في شرق أوروبا، فقضوا على دولة الخزر وواصلوا تقدمهم إلى بلاد الروس ودخلوا مدينة كييف -عاصمة أوكرانيا الآن- أعظم مدن الروس في ذلك الوقت، ودمروها تدميرًا.

وتمكنوا أيضًا من دخول موسكو وأحرقوها، ثم انقسموا قسمين قسم بقيادة باتو سار إلى بلاد المجر وانتصر على جيشها وذبحه بالكامل، أما القسم الآخر فكان بقيادة بايدار واتجه إلى ألمانيا ولكنه انهزم ومات بايدار غمًّا، وبهذه الهزيمة توقف تقدم المغول في أوروبا.

في ذلك الوقت توفي أوغطاي الخان الأعظم للمغول عام 644هـ وانتخب كيوك بن أوغطاي خانًا أعظم للمغول، وتوقفت الحروب في أوروبا وهاجرت الكثير من قبائل المغول إلى منطقة حوض نهر الفولغا، واستقرت بها وبنيت مدينة سراي على نهر الفولغا لتكون عاصمة لمغول الشمال.

تأثر مغول الشمال بالإسلام:

كان للإسلام بالغ الأثر في نفوس أبناء جوجي، ويرجع ذلك لأن أباهم جوجي تزوج الأميرة رسالة بنت علاء الدين خوارزم شاه، التي وقعت في الأسر وهي أخت السلطان جلال الدين منكبرتي، فعاشت مع أسرة جوجي، وكان لها تأثير كبير في نفوس أبنائه باتو وبركة وغيرهما؛ لذلك كان باتو عطوفًا على المسلمين بالرغم من أنه لم يعتنق الإسلام.

زاد حقد باتو بعد تولي كيوك منصب الخان الأعظم، وقد كان كيوك من قبل تحت إمرته في الحروب مع أوروبا، وقد تربى كيوك على يد نصراني عهد أوغطاي له بتربيته، وعندما تولى منصب الخان الأعظم أعلن اعتناق النصرانية وانتشر الكثير من الرهبان والقساوسة في بلاد المغول، وأخذوا يحرضون كيوك على باتو؛ لأنه يعطف على المسلمين فاشتعلت الخلافات بين باتو وكيوك حتى جهز كيوك جيشًا لمحاربة باتو، إلا أن كيوك توفي عام 646هـ قبل وصول الجيش لمنازلة باتو، فعمل باتو جاهدًا على نزع منصب الخان الأعظم من عائلة أوغطاي، وبمساعدة أخيه بركه نصب مانغو ابن تولوي خانًا أعظم؛ لينتقل منصب الخان الأعظم من أسرة أوغطاي إلى أسرة تولوي عام 648هـ.

صرتق:

عندما مات باتو عام 650هـ تولى ابنه صرتق رئاسة مغول الشمال، ولم يستمر كثيرًا فقد توفي وكان أبناؤه صغارًا، فتولى عمّه بركه خان المنصب.

بركة خان:

يعد أبو المعالي ناصر الدين بركة خان أول من أسلم من حكام المغول؛ ولذلك كان مغول الشمال سبَّاقين في دخول الإسلام عن بقية الأسر المغولية، وقد أسلم عام 650هـ وهو عائد من قرة قورم، عاصمة دولة المغول الكبرى، فمرّ على بخاري والتقى بأحد العلماء فيها فأشهر إسلامه، وتولى حكم دولة مغول الشمال عام 653هـ.

 

وبإسلامه دخل الكثير من مغول الشمال في الإسلام، وكان شديد الحب والحماسة للإسلام، فبايع الخليفة المستعصم في بغداد وأتم بناء مدينة سراي -مدينة سراتوف في روسيا الآن-، عاصمة مغول الشمال وبنى بها المساجد وجعلها أكبر مدن العالم في ذلك الوقت.

العِداء بين بركة وهولاكو وغيرته على المسلمين:

زين هولاكو لأخيه الخان الأعظم مانغو الهجوم على بغداد والسيطرة على ما بقي من بلاد المسلمين فرحَّب مانغو بالفكرة، وجهز جيشًا لتنفيذها وما

إن وصل الخبر إلى بركة خان وكان ذلك في عهد باتو إلا والتهبت مشاعره، وألح على أخيه باتو في منع الهجوم على المسلمين، وقال له: "إننا نحن الذين أقمنا مانغو خانًا أعظم وما جازانا على ذلك، إلا أنه أراد أن يكافينا بالسوء في أصحابنا ويخفر ذمتنا ويتعرض إلى ممالك الخليفة، وهو صاحبي وبيني وبينه مكاتبات وعقود ومودة، وفي هذا ما لا يخفى من القبح والشناعة".

واقتنع باتو تمامًا بكلام أخيه فبعث باتو إلى هولاكو يكفّه عما ينويه، فامتثل هولاكو لباتو، وأجل تنفيذ ما ينوي حتى مات باتو فسار هولاكو، واحتل قلاع فرقة الإسماعيلية الحشاشين الضالة، وأكمل طريقه إلى بغداد، في الوقت الذي تسلَّم بركة خان الحكم، فأراد بركة أن يوقف تقدم هولاكو إلا أن جنوده رفضوا معاونته؛ لأنهم بذلك يخالفون ما وافق عليه الخان الأعظم، ولأن أكثر الجنود ما زالوا على وثنيتهم.

وما زالوا متأثرين بجانكيزخان فلم يجد بركة خان من طريقة لمحاربة هولاكو إلا باختلاق الذرائع للحرب فطالب بأعمال تبريز ومراغة، اللذين يدخلان ضمن حدوده، واعتبر تعدي جنود هولاكو عليها تعديًا عليه، ومن جهة أخرى طالب هولاكو بثلث الغنائم كما جرت العادة في عهد باتو وبعث رسله بذلك إلى هولاكو، فاغتاظ هولاكو وقتل الرسل بل وسير جيشًا لمحاربة بركة خان فانهزم جيش هولاكو شرّ هزيمة في عام 660هـ.

ثم عاود الهجوم على بركة خان في نفس العام بقيادة قائده تاباي نويان، فانهزم جيش بركة بقيادة نوغاي، وأراد هولاكو أن يُجهِز على بركة خان فأرسل جيشًا كبيرًا يؤازر جيشه المنتصر بقيادة ابنه أباقا، فسار الجيش لملاقاة بركة خان فخرج لهم بركة خان بنفسه على رأس الجيش، واستطاع أن يلحق بجيش هولاكو هزيمة منكرة عام 661هـ في القوقاز، وفرَّ ما بقي من جيش هولاكو مع ابنه أباقا.

التعاون مع المماليك:

كثرت المراسلات والاتصالات بين بيبرس وبركة خان؛ حيث حث بيبرس بركة خان على قتال هولاكو، ولفت نظره إلى أن الإسلام يُوجِب عليه قتال أعداء الدين حتى لو كانوا أهله وعشيرته، وبالفعل ساعد بركة خان بيبرس في قتال هولاكو، وفي نفس الوقت كان يحارب هولاكو مباشرة؛ ليخفف من وطأته على المماليك.

محاولات بركة خان لزعزعة وحدة المغول الوثنيين:

لم يكتفِ بركة خان بمناصرة المسلمين ومحاربة أبناء جلدته في سبيل الله، بل عمل على إضعاف دولة المغول الوثنية وتفتيت كلمتها؛ لتتوفر له فرصة السيطرة عليها وإدخالها في الإسلام.

فاستغل خروج الخان الأعظم مانغو لقتال بعض الخارجين عليه ومعه أخوه قبلاي، وكان قد ترك أخاه أرتق بوكا مكانه لحين عودته، فاستغل بركة خان موت مانغو في الطريق لإثارة الفتنة بين أرتق بوكا وقبلاي، حيث اتفق الجند والأمراء على تولية قبلاي بينما بعث بركة خان إلى أرتق بوكا قوة لمنازعة أخيه قبلاي على الخانية العظمى.

وحرض أيضًا أسرة أوغطاي على مساعدة أرتق بوكا، ووقعت الحرب بينهما عام 658هـ، واستمرت عدة سنوات واضطر هولاكو لترك الحروب في الشام، وعاد إلى قرة قورم وتدخل لإنهاء الحرب فأنهاها ونصَّب أخاه قبلاي خانًا أعظم بعد أن أخضع أسرة أوغطاي.

وفي ذلك الوقت؛ حث بركة خان الكثير من جنود هولاكو في الشام على الانضمام إلى جيش بيبرس والدخول في الإسلام، وأطاعه الكثيرون وتحوَّلوا لحرب هولاكو، فاشتد الغيظ والحقد في قلب هولاكو مما سبَّبه بركة من متاعب حتى أصيب بالصرع ومات عام 663هـ، وورث أباقا ابن هولاكو الحقد على بركة خان، فسار لمحاربته إلا أن نوغاي قائد جيش بركة قد صد الهجوم، فعاود أباقا الكرة واستطاع أن ينتصر على جيش بركة وأصيب نوغاي في هذه المعركة بسهمٍ في عينه وكان له مكانه خاصة عند بركة لإسلامه معه، فسار بركة خان بنفسه لقتال أباقا ولكنه توفى في الطريق عام 665هـ.

مانكو تيمر:

تولى مانكوتيمر بن طغان بن باتو الحكم بعد موت بركة خان؛ حيث لم يكن لبركة أبناء، واستمرت الحروب بينه وبين أباقا كان النصر فيها حليفًا لأباقا وحدثت حروب بين مانكوتيمر وإمبراطور القسطنطينية خرب فيها مانكوتيمر بلاد الإمبراطور.

تدان مانكو:

خلَّف أخاه مانكوتيمر بعد موته عام 679هـ، وحدث قتال بينه وبين براق خان من أسرة جغطاي فانتصر تدان مانكو، ثم حدث الصلح بينهما، فحرض براق خان على قتال أباقا ووقعت بينهما الحروب.

وأعلن تدان مانكو إسلامه بعد مراسلاته مع السلطان المنصور قلاوون، فعمل على تطبيق الشريعة، ثم انصرف عن الحكم لمجالسة العلماء، وخلفه ابن أخيه تلابغا عام 686هـ لحكم مغول الشمال.

تلابغا:

وقع خلاف بين تلابغا والقائد نوغاي عندما سارا لحرب بعض أمم الشمال؛ حيث هلك كل من كان مع تلابغا في الطريق الذي سلكه، بينما لم يهلك أحد مع نوغاي في الطريق الآخر، فظن تلابغا أن نوغاي أراد هلاكه، فتنبه نوغاي لما ينوى تلابغا فبادر بالتخلُّص منه، وولى أخاه طقطاي حكم مغول الشمال عام 690هـ.

طقطاي:

نشب خلاف بين طقطاي ونوغاي، واستطاع طقطاي أن يقتل نوغاي، ثم ذهب لقتال ملك الدولة الإيلخانية غازان لمنازعته على أذربيجان ومراغة، ولكن غازان توفي قبل أن يلتقي بجيوشه مع طقطاي، ودخل في حرب مع سلطان ما وراء النهر (اسبنغا) عام 709هـ، وهزمه وتوفي طقطاي عام 712هـ.

غياث الدين محمد أوزبك:

وهو ابن طغرلجا أخي طقطاي، الذي قتله طقطاي، واتفق مع كبك ملك بلاد ما وراء النهر من أسرة جغطاي على حرب أبي سعيد ملك الدولة الإيلخانية، ولكن هزيمة ييسور قائد جيوش كبك جعلت غياث الدين يتجنب مواجهة أبي سعيد، ومات محمد أوزبك عام 722هـ.

محمود جاني بك:

وهو ابن محمد أوزبك، ومما يذكر في عهده أنه تمكن من ضم أذربيجان، وتوفي عام 758هـ.

محمد بردي بك:

هو ابن محمود جاني اشتهر بالظلم، وقتل أكثر أقربائه؛ لكي لا ينازعه أحد في الحكم، وفرض الضرائب الباهظة والجزية على الروس، وتوفي عام 762هـ.

انتشار الفوضى وانقسام دولة مغول الشمال:

بالرغم من اتساع دولة مغول الشمال التي امتدت من أواسط بولندا في الغرب، إلى أواسط سيبيريا في الشرق، ومن المحيط المتجمد الشمالي في الشمال إلى أذربيجان في الجنوب، وكانت تتضمن عدة شعوب منهم التتر المسلمين في شرق أوروبا  وغرب سيبيريا، وحوض نهر الفولغا والروس النصارى في أجزائها الغربية، والترك في خوارزم والأذربيين في أذربيجان، وشعوب القوقاز وغيرهم...

إلا أنه بموت محمود بردي بدأت الفوضى تعمّ البلاد؛ حيث كان ابنه توقتاميش صغيرًا وبدأت الانقسامات في الظهور فاستقل الحاج محمد خان بمنطقة سيبير، واستقل ماماي خان بالقرم بعد أن نصب عبد الله خان في مدينة سراي، واستقل الحاج شركس بمنطقة الحاج طرخان -استراخان-، وفر توقتاميش إلى سمرقند عند الجغطائيين، وكان تيمورلنك قد قوى أمره في ذلك الوقت، فرحب بتوقتاميش، وأعاد له ملكه، ولكن ما لبث أن اندلع الخلاف بينهما ونشب القتال عام 788هـ، وانتهت الحروب بانتصار تيمورلنك وسيطرته على بلاد مغول الشمال، واختفى توقتاميش، وكثرت الروايات عن مصيره.

وبعد أن سيطر تيمورلنك على بلاد مغول الشمال عين من قبله خانا عليها، واتجه لمواصلة حروبه في مناطق أخرى فأخذت البلاد في التدهور والانقسام، وتوالى على بلاد مغول الشمال العديد من الخانات ووقعت الحروب بين التتار والليتوانيين، فانتصر التتار وكذلك وقعت الحروب بين التتار والروس عام 811هـ.

ثم اتفقا على حرب الليتوانيين، وظهرت عدة خانات في بلاد مغول الشمال، وهي قازان والقرم واستراخان وسيبير وخوارزم، وكلها انفصلت عن مدينة سراي، وأخذت تقاتل بعضها البعض، وانحاز فريق منها للروس وانحاز فريق آخر لليتوانيين وتكررت مأساة الأندلس في بلاد مغول الشمال، واستغل الروس التمزُّق الذي أصابها في ابتلاع الجزء تلو الأخر، حتى استولوا عليها بالكامل، وسنتناول هذه الخانات إلى ما آلت إليه الآن باستثناء خانية خوارزم فستدرج في الفصل الخاص بتركستان الغربية.

 

 

  • 154
  • 0
  • 11,249

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً