رمضان وسياسة تفريغ الإسلام

منذ 2007-09-24

فلُبْسُ الحق بالباطل مسلك شيطاني خبيث يهدف إلى إظهار الباطل وترويجه في صورة الحق، والشر في صورة الخير، حتى يُوهم أنه يريد الرشاد والهداية وهو لا يريد إلا الإفساد والضلالة،

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق وأشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

رمضان وسياسة تفريغ الإسلام

دأب أعداء الإسلام منذ ظهوره على محاربته والعمل على تحجيمه بالقوة إن تمكنوا، وإلاَّ بالمكر والخديعة، ومن جملة أساليبهم الماكرة ووسائلهم الخادعة في صراعهم مع أمة الإسلام لُبْسُ الحق بالباطل، بهدف تفريغ الإسلام من محتواه، كما أخبر تعالى مبينا عن أسلوب يهود في محاربة الإسلام وأهله {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 42]، اللَّبْس في اللغة: الْخَلْط، والمعنى كما أوردته كتب التفسير: لا تخلطوا الحق المُنزل من عند الله تعالى بالباطل الذي تخترعونه من عند أنفسكم، فتظهروا شعار الصالحين وتبطنوا أخلاق الفاسقين، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لا تخلطوا الحق بالباطل والصدق بالكذب.

فلُبْسُ الحق بالباطل مسلك شيطاني خبيث يهدف إلى إظهار الباطل وترويجه في صورة الحق، والشر في صورة الخير، حتى يُوهم أنه يريد الرشاد والهداية وهو لا يريد إلا الإفساد والضلالة، ذلك أن أهل الباطل يعلمون جليًّا أن صورة باطلهم قبيحة ورائحته منتنة تشمئز منه النفوس السليمة وتنكره العقول القويمة، فكان لا بد من خلطه وستره بغلاف خدَّاع من الحق بحيث يختلط الحق بالباطل، فيُقبل الناس على الباطل ظنا منهم أنه خير وحق يؤجرون عليه، وهو في حقيقته شر وباطل يؤثمون عليه، كل ذلك بهدف رَدِّ الناس عن الدين الحق، دين التوحيد، الإسلام الحنيف، كما قال عَزَّ وجَلَّ: {لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ} [الأنعام: 137]، وهذا ما يسميه أعداء الإسلام: سياسة تفريغ الإسلام من محتواه.

وسياسة تفريغ الإسلام تعني الإبقاء على الإسم مع تحريف المحتوى وتشويه المضمون، وهذا ما نلمسه جلياً واضحاً في الخطاب الإعلامي للقنوات الفضائية ووسائل الإعلام عند استقبال وحلول شهر رمضان، حيث نشأت مصطلحات إعلامية رسخت في أذهان الناس لا علاقة لها بشهر رمضان، شهر الصيام والقرآن، شهر العبادة والتهجد والقيام.

بل لا أبالغ إذ أقول أن بعض غير المسلمين أشد فرحاً بقدوم شهر رمضان من المسلمين أنفسهم، فرمضان بالنسبة لهم شهر المأكولات الرمضانية والبرامج التلفزيونية الرمضانية (الخاصة ) وشهر الفوازير الرمضانية وشهر السهرات الرمضانية فيما يُعرف بالخيمة الرمضانية، رمضان بالنسبة لهم شهر التجديد وكسر الحياة الرتيبة ( الروتين ) سهر الليل ونوم النهار و... غير ذلك من الأمور التي لا تمت لشهر رمضان بصلة.

فما أن تبدأ الأيام تقترب من رمضان حتى تبدأ سياسة تفريغ رمضان من محتواه، فتنطلق الحملات الإعلانية تتبارى وتتسابق في رمي سهامها المسمومة إلى عقول وقلوب المسلمين، لتوجهم وتدعوهم إلى سلوكيات وأعمال يُعصى فيها الرحمن ويُطاع فيها الشيطان، فيتحول شهر رمضان من شهر طاعة وفضيلة إلى شهر معصية ورذيلة، وما يدمي القلب أن تُنسب تلك المعاصي إلى الشهر الفضيل، فنسمع بالخيمة الرمضانية، التي تستمر فيها المعاصي من رقص وطرب و... حتى الفجر، بل إن بعض المقاهي يُصدر إعلاناً عمَّا يسميه بالشيشة الرمضانية، الشيشة ( التبغ ) الذي أجمع العلماء على تحريمها لما فيها من ضرر على صحة الإنسان نسبوها بهتاناً وزوراً إلى رمضان، ولازم الخطاب الإعلامي لشهر رمضان مصطلح فوازير ( مسابقات ) رمضان، وحتماً القارئ يعلم جلياً أن شهر رمضان برئ منها براءة الذئب من دم يوسف لما يخالطها من معاصي وآثام وإلهاء عن موسم الطاعة والرحمة.

ومن المصطلحات التي ركزت في عقول الناس مصطلح الأكلات الرمضانية، وكأنما شهر رمضان شهر الطعام والشراب، بل الأصل أن المسلم يتخفف من الطعام في شهر رمضان حتى يؤدي العبادات من صيام وصلاة وصلاة التراويح بخفة ونشاط، كما أنه ليس من العدل والإنصاف أن تقضي النساء وربات البيوت معظم أوقات هذا الشهر الفضيل في إعداد الطعام، فهو جهد ومشقة ينتج عنه ضياع النهار في المطبخ والليل في النوم وطلب الراحة، فلا ذكر وقراءة قرآن ولا قيام وصلاة ليل.

وغير ذلك من الأسماء والمصطلحات التي نسبوها زوراً وبهتاناً ومكراً وخبثاً إلى شهر رمضان، شهر رمضان الذي سماه الله تعالى في القرآن الكريم شهر التقوى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} [البقرة:183]، وفي الحديث ‏عن ‏أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏قال : «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه» [رواه البخاري].

رمضان شهر القرآن، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:185]، وفي الحديث ‏عن ‏ابن عباس ‏رضي الله عنهما ‏قال : " كان النبي ‏‏صلى الله عليه وسلم ‏أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، ‏‏وكان‏ ‏جبريل ‏عليه السلام ‏‏يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فرسول الله ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أجود بالخير من الريح المرسلة " [رواه البخاري].

رمضان شهر الدعاء، فقد ورد في القرآن الكريم ضمن آيات الصيام قوله تعالى: {وَإِذَا سَألَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَليُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ‏قال رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم:‏ «‏ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة وتفتح لها أبواب السماء ويقول بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين» [رواه ابن ماجه].

ورمضان محرقة الذنوب، فكلمة رمضان مشتقة من الرَمض، وهو شدة الحَرِّ، وسُمِيَّ شهر الصيام بـهذا الإسم لأنه يحرق الذنوب بالصيام والقيام وتلاوة القرآن وسائر الأعمال الصالحة، وفي الحديث الشريف ‏عن‏ ‏أبي هريرة‏ رضي الله عنه ‏قال: قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏: «رَغِمَ أنف رجل دخل عليه رمضان ثم ‏ ‏انسلخ‏ ‏قبل أن يـُغْـفَرَ له» [رواه الترمذي]، ولقد استوعب الحسن البصري التابعي العظيم هذا المعنى فقال: " جُعِلَ رمضان مضماراً لخلقه يتسابقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا، فالعجب من الضاحك اللاهي في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر المبطلون ".

قال الشاعر:

أتَى رَمَضَـانُ مَزْرَعَـَة العِبَادِ *** لِتَطْهِيرَ القُلُـوبِ مِنِ الفَسَادِ

فـأدِّ حُقُـوقَــهُ قَــوْلاً وفِعْــلاً *** وزَادَكَ فَاتَّـخِذْهُ إلى المَعَـادِ

فمَنْ زَرَعَ الحُبُوِبَ وماَ سَقَاهَا*** تَأوَّهَ نَـادِمـاً يـَـوْمَ الحَصَــادِ


فانتبه أيها المسلم، وانتبهي أيتها المسلمة حتى لا تكونوا من المحرومين، الذين أنعم الله عليهم بشهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، فلم يحسن استقباله فكان من الغافلين اللاهين وهو يركض وراء الأكلات الرمضانية وفوازير رمضان والسهرات التلفزيونية الرمضانية والخيمة الرمضانية و…، فحتماً من هذه حاله فهو من الخاسرين المحرومين، وختاماً جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان : صُفِّدت الشياطين ومردة الجن، وغُلِّقت أبواب النيران فلم يُفتح منها باب، وفُتحت أبواب الجنة فلم بُغلق منها باب، ويُنادي مُناد يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقْصر، ولله عُتقاء من النار وذلك كل ليلة» [رواه الترمذي]، و «صفدت» : تعني قُيدت، اللّهم اجعلنا من عتقاء شهرك الكريم، والحمد لله رب العالمين.


هيثم حيدر
المصدر: خاص بطريق الإسلام
  • 2
  • 0
  • 6,960
  • المستعين بالله

      منذ
    [[أعجبني:]] اللهم ارنا الحق حقا و أرزقنا اتباعه و ارنا الباطل باطلا و ارزقنا اجتنابه
  • محمد عبدالله عسيري

      منذ
    [[أعجبني:]] هذا هو حال الخطاب الاعلامي الفضائي محاولة تفريغ الأسلام من محتواه ومانراه من تسابق على شراء المأكولات وكأن شهر رمضان شهر المسلسلات والمأكولات والتسليه والسهر والبعد عن العباده وحرق الذنوب [[لم يعجبني:]] جزاك الله كل خير مقالك وافي وكافي

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً