فساد الأبناء وتفرق الأسرة
بالعصا يذهب الطفل إلى النوم, وبالعصا يذهب الابن إلى الصلاة, وبالصرخات ينفذ الأوامر, فمتى نتأسى بنبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم؟
في اللحظة الطائشة, وعندما يذهب الآباء أو الأمهات تاركين بيوتهم غضبًا أو حنقًا أو غيظًا، هاربين من مواجهة مشاكل أبنائهم، من يظنون أنه سيحمل تبعاتهم من خلفهم؟ ومن ذا الذي يحسبون أنه سيعدل سلوك هؤلاء الأبناء غيرهما؟
وعندما يلقي كل من الأبوين اللوم على الآخر، ويحمله السبب في فساد سلوك الابن، فمتى ينظر كل منهما في مرآته محدثًا نفسه مواجهاً لها بأسباب التقصير؟!
وعندما تتغير ألوان جدران البيت بلون العتمة بدلاً من لونها الذهبي المضيء بسبب كثرة المشاجرات، وصرخات الآباء اليومية التي أصبحت من كثرة صدى صوتها تصم الآذان فكانت بلا جدوى، هل تساءلوا متى يتغير الأسلوب، ومتى يتفهم الآباء أن هذه ليست الطريقة الصحيحة المجدية؟!
وعندما يصل الأبناء لبعض درجات التهاون والتقصير، فينظر إليهم الآباء وكأنهم من عنصر منبوذ، هل سألوا أنفسهم متى يتم الصلح بين الطرفين؟ وكيف سيحدث ذلك دون رفق، وصحبة، وألفة؟!
وإذا تعامل الآباء مع أبنائهم بمعاملة الأجيال السابقة، معاملة الآباء والأجداد، جاهلين بأن الأمور كلها تغيرت، وبأن الزمان ليس هو الزمان، وليس جيل اليوم كجيل الأمس، فمتى إذن سيستيقظ الآباء لربط الماضي بالحاضر، وتوجيه الأبناء بهدوء، وحكمة للصعود بهم، و الارتقاء، في ظل أوضاع وفتن يعاني منها الكبير قبل الصغير.
وإذا قسونا على أبنائنا, واستخدمنا معهم أسلوب العنف، فبالعصا يذهب الطفل إلى النوم، وبالعصا يذهب الابن إلى الصلاة، وبالصرخات ينفذ الأوامر، فمتى نتأسى بنبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم الذي وصفه الله تعالى باللين والرفق؟ وقال له سبحانه: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران من الآية:159]، فمتى نترك الفظاظة، حتى لا ينفض أبناؤنا من حولنا؟
هل سألنا أنفسنا عندما يذهب الأب إلى أعماله، فيقضي اليوم كله أو غالبه منهمكًا في شغله تاركًا الأبناء في فترات الصغر، وفترات المراهقة دون سؤال أو رعاية أو مجالسة، أو حوار، أو حكاية أو توجيه أو نصيحة رفيقة، غير عابئ بشيء سوى طعامهم وشرابهم وثيابهم، فلماذا يشتكي ذلك الأب عند شرودهم وعصيانهم في شبابهم، ومتى يسعى إلى تصحيح ما فات، بدلاً من الخروج والهروب من المشكلة محملاً الأم نتيجة فساد أبنائها؟!.. أو محملاً المجتمع أو غيره؟!
إنها قضية مشتركة بين الأبناء والأمهات والآباء، وللأسف فإن الجميع يشير بأصابع الاتهام إلى الآخرين، فالابن يتهم الأبوين بالغفلة عنه، والأب يتهم الأم بعدم أداء دورها، والأم تتهم الأب بالانشغال بعمله عنهم!
فمتى نترك الاتهام ونجلس ونجتمع ونتصارح مع أنفسنا بصدق، وأن نتداول قضيتنا مع علماء متخصصين باهتمام لدراسة أحوال أبنائنا، ثم نجلس مع أبنائنا لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لماذا لا نترك الاتهام والصراخ ونبحث عن حلول عاجلة؟!
إن قضية فساد الأبناء لم يقتصر مذاق مرارتها على الأبناء فقط، بل أثرت سلباً على كل أفراد الأسرة، فأصبح الولد الشارد في الأسرة عائقًا أمام كل تقدم يحصل لأسرته، فهو عائق أمام زواج أخته، وعائق أمام السكون والهدوء في البيت، وبسببه يتهدم الانسجام الأسري، ولا يكون البيت إلا قوقعة أحزان ومشاجرات بين الأبوين تارة، وبينهم وبين الابن تارة أخرى، تاركا آثاره النفسية على باقي الأبناء الآخرين.
بل بسببه يهرب الأب باحثًا عن بيت آخر، غير ذلك البيت التي تهدمت فيه آماله وأحلامه، وبذلك تتفرق الأسرة... تتفرق حتى وهي في بيت واحد، الكل يلفه الصمت معظم الأوقات، والكل يعيش في عالم منفصل عن الآخرين!
إنها معاناة الكثير من الأسر، معاناة يجب أن نأخذها على محمل الجد والاهتمام وأن نتصدى لها على المستويين العلمي والعملي، وأن نُعمل فيها الفهم التربوي ونبحث جاهدين عن طرائق للحلول.
إن نظام الأسرة الذي سنة الإسلام يقوم على أساس من الوعي والعمق لما تسعد به الأسرة ويؤدي إلى تماسكها وترابطها من الناحية الفسيولوجية، والنفسية، والاجتماعية، بحيث ينعم كل فرد منها، ويجد من ظلالها الرأفة والحنان والدعة والاستقرار.
لقد أمرنا الإسلام ببناء أسرة صالحة، وأمرنا برعاية الأبناء فيها، وجعل هذه الرعاية أساسًا مهمًا من أدوار الأسرة، و أقام الإسلام نظام الأسرة على أسس سليمة تتفق مع ضرورة الحياة وتتفق مع حاجات الناس، قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم من الآية:21].
الإسلام العظيم سعى لجعل الأسرة المسلمة قدوة حسنه طيبة تتوفر بها عناصر القيادة الرشيدة قال تعالى عن عباده الصالحين {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:74]، واهم قاعدة من قواعد التربية أن توجد عملياتها التربوية القدوة الحسنة، والمثل الأعلى للخير والصلاح.
وأنا هنا أضع مشاركتي في حلها عبر عدة وقفات أحسبها هامة إلى حد كبير:
1- كل بداية صحيحة تعتمد على اللجوء إلى الله وحده, بالدعاء الصادق للأبناء، والتقرب له سبحانه بالأعمال الصالحة، وطلب العون منه سبحانه في تربية الأبناء، فالله قريب يجيب المضطر إذا دعاه.
2- يجب على الوالدين الاهتمام بالطفل صغيرًا كي يسعدا به كبيرًا، فعندما تتعهد الشجرة من بداية نبتها بالري والسماد والرعاية، وإبعاد الضار مما يحيطها، فلسوف تجد منها ثمارًا حسنة عند نضجها.
3- متابعة صحبة الابن منذ صغره، فالمرء على دين خليله، فعلم ابنك كيف يختار صديقه، ولا تتوان في ذلك، ولا تنتظر لتفرض عليه ترك صديق غير صالح بعدما يكبر، كيف وقد تركته معه وهو صغير! وللأسف فإن هناك بعض الأسر تدفع بأبنائها إلى سوق العمل لساعات طويلة خلال اليوم، فيغيبون عن البيت أو المدرسة بعيداً عن الرعاية والمتابعة، مما يفتح أمام الأطفال أبواباً واسعة للانحراف والقيام بالأعمال والسلوكيات الطائشة والمتهورة والانغماس في الانحراف الأخلاقي والاجتماعي، فالطفل يتأثر بسهولة بالبيئة المحيطة به، وينجرّ وراء رفاق السوء إذا لم يلق الرعاية والمتابعة المستمرة.
وقد بينت البحوث و الدراسات العلمية أن السلوك ألانحرافي في معظمه سلوك جمعي، فالأبناء يقومون بذلك مجتمعين ويعينون بعضاً على الخطأ.
4- التغذية الروحية والإيمانية للأبناء منذ الصغر ضرورة تطبيقية، والحث على إقامة الطاعات والفرائض يجب أن يكون بترسيخ حب الطاعة لا بمجرد فرضها عليه وإكراهه عليها.
5- كن صديقاً وصاحبًا لابنك، وحاول نسيان أنك والده وقت غضبك منه، فكثير من الأبناء يطيعون آباءهم خوفًا لا حبًا.
6- عندما تجد ابنك غضبان... فلا تقابل الغضب بالغضب، ولا تقابل العناد بالعناد، فعقل الأب الحكيم يحثه للتريث، ولابد بعد هدوء الابن الوقوف ومعاتبته على أي خطأ قد حدث منه أثناء ثورته، حتى لا يتجرأ الأبناء يوماً بعد يوم على آبائهم في الأحاديث والخلافات... احتفظ بوقارك دائمًا.
7- الاعتدال والوسطية في إنفاق المال، فلا ترب ابنًا مدللاً، وأنت مستجيباً لكل طلباته، ولا ترب ابنًا على التقشف الزائد وأنت تقدر على التوسعة عليه فتشعره بالحرمان وسط أصدقائه وأقاربه، ولكن كن وسطاً حكيمًا في ذلك، علمه المسئولية، وعلمه معنى الصوابية في الإنفاق، وأعطه بعضًا مما يريد في الصواب، وامنعه مما قد يضره، وإياك والبخل عليه، كما وإياك والإسراف في إرضائه.
8- في حالة غياب الابن عن البيت بسبب الدراسة والتعلم والنشاطات الاجتماعية والفنية المختلفة وهو أمر مرغوب فيه إذا تم توجيهه صوابيًا؛ إذ يبقى تحت رعاية مؤسسات تربوية صالحة، تحلّ محل الأسرة خلال فترة الغياب عن البيت، أما غيابه لساعات طويلة، بعيدًا عن رقابة ورعاية أو ربما في بعض الأحيان بسبب الحاجة المادية وانخراطه في العمل بعمر مبكر، فهو أمر سيء له نتائجه الخطيرة.
9- من العوامل الأساسية التي تؤدي غالبًا إلى انحراف الولد عدم استفادة الأبوين من الفراغ الذي يتحكم في حياة أبنائهم و الولد منذ نشأته مهتم باللعب ميال إلى التحرر والتمتع بالمناظر الطبيعية، فنراه في حركة دائمة، والولد الذي يعيش في جو ملؤه الفراغ السلبي، دون اهتمام من أب أو أم في مراعاة وضعه النفسي والعمل على شغل فراغه، فإنه بلا شك يكون تحت أسر الأفكار السلبية.
والواقع أن مشاكل الفراغ لدى كثير من أبناء اليوم تعود في حقيقتها إلى الفراغ الروحي وضعف القلب تجاه الإيمان الذي يشعر بالأنس والاطمئنان، ولعل سبب نشوء هذه المشكلة يرجع إلى انعدام الهدف من الحياة، وانعدام التصور الصحيح لهذه الحياة، فكلما قلت القيم الصحيحة المتصلة بالوقت ونقصت الاهتمامات، وضعفت المهارات اللازمة لاستغلال أوقات الفراغ ازدادت فرص اليأس والملل والاغترار والأنانية والعنف والجريمة والإدمان بين الأبناء وقل اثر التوجيه والنصح.
10- تذكر نفسك وأنت في سن ولدك، واعلم أن الدائرة قد تدور عليك، فإذا كنت قد عققت أبويك فلربما ترى عقوقاً من ولدك، إذا كنت قد أحسنت وبررت أبويك فانتظر إحساناً وبرًا من أبنائك، فالجزاء من جنس العمل.
11- احرص على الإنفاق على أبنائك من حلال و واجتنب الحرام، فإن الإنفاق من حرام مهلكة وسبب في انحرف الأبناء، وإنفاق الحلال مهما كان قليلا سبب لعودة أبنائك إليك، واستقامة طريقهم مهما بعدوا وغابوا.
12- مهما ضاقت بك السبل وزاد الهم والألم فاعلم أن اليسر قريب، والفرج قادم، ولا ملجأ من الله إلا إليه، مادمت به تؤمن وعليه تتوكل، فالعاقبة للتقوى.
أميمة الجابر
- التصنيف:
- المصدر: