إن إبراهيم كان أمة - (10) زيارة إبراهيم لولده إسماعيل في مكة

منذ 2014-04-04

كما سبق وذكرنا أن إبراهيم عليه السلام قد ترك ولده وأم ولده هاجر في بلاد فاران؛ وهي بلاد الحجاز ويُقصد بها مكة المكرمة.. وذكرنا قصة هاجر وولدها إسماعيل وماء زمزم الذي نبع له..

وقد سكنت قبيلة من قبائل العرب تسمى (جرهم) بجوار السيدة هاجر وولدها.. فتربى إسماعيل عليه السلام معهم وتعلم منهم العربية ثم إن والده إبراهيم عليه السلام كان يزوره بين الفينة والأخرى ليطمئن عليه وعلى أحواله.

وذكرنا قبل ذلك قصة الذبح والفداء بالكبش ثم إن إسماعيل عليه السلام لما شبَّ تزوج بامرأة من هذه القبيلة العربية وبعدها ماتت أمه السيدة هاجر، وفي يوم من الأيام خرج إسماعيل عليه السلام لطلب الرزق وفي أثناء ذلك جاء والده إبراهيم عليه السلام ليزوره ويطمئن عليه فلما طرق باب بيته فتحت امرأة إسماعيل عليه السلام فسألها عن إسماعيل فأجابت بأنه غير موجود بالمنزل.

فأراد الأب أن يطمئن على أحوال ولده وأن يختبر خلق زوجته فسألها عن أحوالهم المعيشية وكيف هو طعامهم وشرابهم.. فشكت له هذه الزوجة الحال وأخبرته بأنهم في ضيقِ من العيش.. فلما سمع منها إبراهيم عليه السلام قال لها أن تُسلم على إسماعيل عليه السلام عندما يأتي وتخبره بأن يغير عتبة بابه.. وبالفعل لما جاء إسماعيل أحس بأن أحدًا ما قد زارهم فسأل امرأته فبلغته ما قال إبراهيم عليه السلام ولم تكن تعرف أنه والده، وإبراهيم لم يخبرها أنه والد زوجها.. فلما أخبرته بما قال الرجل الذي زارهم فهم إسماعيل عليه السلام أن هذا الرجل هو والده إبراهيم وفطن إلى ما قصده والده بعبارة: يغير عتبة بابه.. فقال لها أن الذي جاء هو والده وأنه أمره أن يُطلق زوجته هذه، وقد استجاب إسماعيل لما أمره به والده وطلق زوجته وتزوج بأخرى.

ولعل البعض يحتج بمثل هذا الأمر ويقول إن الأب إذا أمر ولده أن يُطلق زوجته فعليه أن يُطلقها فورًا ويطيع أمر والده.. وهنا نقول إن الأمر ليس على هذا الوجه بعمومه لأن إبراهيم عليه السلام ليس ككل أب يطلب من ولده تطليق امرأته؛ لأنه عليه السلام لما أمره أن يطلقها أمره بذلك لأنه وجد من حال الزوجة الشكوى التي لا يصح أن تكون من زوجة نبي ابن نبي.. هذا حتى لا يتحجج البعض بأن الولد يجب عليه الطاعة المطلقة لوالده في هذه المسألة.

نعود لقصة إبراهيم عليه السلام مع ولده.. فقد طلق إسماعيل زوجته هذه وتزوج بامرأة أخرى.. وفي يوم من الأيام جاء إبراهيم عليه السلام مرة أخرى ليزور ولده ويطمئن عليه فلم يجده ووجد امرأته الجديدة فسألها عن إسماعيل فأخبرته بأنه خرج ليطلب الرزق.. فكرر إبراهيم عليه السلام نفس السؤال الذي سأله لزوجة ولده الأولى فسألها عن أحوالهم المعيشية.. فأجابت هذه الزوجة الصالحة بأنهم في رغدٍ من العيش وأنهم بخير حال وحمدت الله تعالى وأخبرته بأن طعامهم اللحم وشرابهم الماء، فسُرَّ إبراهيم عليه السلام بما قالت ودعا لهم بالبركة في طعامهم وشرابهم وحمَّلها رسالة تُبلغها لإسماعيل عليه السلام أن تُسلم عليه وتبلغه أن يُثبت عتبة بابه.

فلما عاد إسماعيل عليه السلام آنس أمرًا فسألها فأخبرته بما جرى مع الرجل الذي زارها.. ففهم إسماعيل عليه السلام أنه والده وأخبرها بأنه أمره أن يمسكها وذلك لما لمس فيها من حسن الخلق والرضا بما قسم الله لهم.

وهذه القصة ذُكرت بتمامها في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه وفيه:

«وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَمَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ فَلَمْ يَجِدْ إِسْمَاعِيلَ فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْهُ فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ: نَحْنُ بِشَرٍّ نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ فَشَكَتْ إِلَيْهِ. قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ وَقُولِي لَهُ يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ. فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا فَقَالَ: هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا فَسَأَلَنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ وَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ قَالَ: فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ. قَالَ: ذَاكِ أَبِي وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَطَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدُ فَلَمْ يَجِدْهُ فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا عَنْهُ فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا قَالَ: كَيْفَ أَنْتُمْ؟ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ: نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ وَأَثْنَتْ عَلَى اللَّهِ فَقَالَ: مَا طَعَامُكُمْ؟ قَالَتْ: اللَّحْمُ قَالَ: فَمَا شَرَابُكُمْ؟ قَالَتْ: الْمَاءُ. قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالْمَاءِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ وَلَوْ كَانَ لَهُمْ دَعَا لَهُمْ فِيهِ. قَالَ: فَهُمَا لَا يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إِلَّا لَمْ يُوَافِقَاهُ قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ وَمُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ قَالَ: هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ أَتَانَا شَيْخٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ فَسَأَلَنِي عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ فَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا بِخَيْرٍ. قَالَ: فَأَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ هُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَأْمُرُكَ أَنْ تُثْبِتَ عَتَبَةَ بَابِكَ. قَالَ: ذَاكِ أَبِي وَأَنْتِ الْعَتَبَةُ أَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَكِ» (البخاري: [3364]).

سدرة المُنتهى

  • 103
  • 23
  • 277,798
المقال السابق
(9) ضيف إبراهيم، والبشرى بإسحاق
المقال التالي
(11) إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وبناء البيت العتيق

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً