(ميبي) مشروع هيمني أمريكي في الوطن العربي

منذ 2014-04-05

ميبي (MEPI) هي الأحرف الأولى ل"Middle East Partnership Initiative"، أي "مبادرة الشراكة للشرق الأوسط"، ويعنى بالشرق الأوسط: الدول العربية إضافة للكيان الصٌهيوني! وما أسماه المشروع "الأراضي الفلسطينية"....

ميبي (MEPI) هي الأحرف الأولى ل"Middle East Partnership Initiative"، أي "مبادرة الشراكة للشرق الأوسط"، ويعنى بالشرق الأوسط: الدول العربية إضافة للكيان الصٌهيوني! وما أسماه المشروع "الأراضي الفلسطينية": (أي الأراضي المحتلة عام 1967).

ميبي: هو مكتب ظهر للوجود عام 2002، صلب إدارة شئون الشرق الأوسط، بوزارة الخارجية الأمريكية، وله مكتبان إقليميان(منذ 2004)، أحدهما في تونس والثاني في أبي ظبي (الإمارات)، وله مكاتب فرعية في كل سفارة أمريكية في البلدان المستهدفة. يغطي مكتب تونس المغرب العربي ومصر ولبنان وفلسطين المحتلة، أما مكتب أبو ظبي فيغطي الخليج وبقية بلدان المشرق، وميزانية كل منهما حوالي 2 مليون دولار سنوياً، تحتسب ضمن المساعدات الاقتصادية الثنائية التي تقدمها الولايات المتحدة سنوياً لدول المنطقة، "لدعم البرامج والمشاريع التي تساعد على بناء التغيير الديمقراطي".

يعرف الموقع الرسمي لـ"ميبي"، هذا المشروع كما يلي: "هي مبادرة رئاسية، تمثل تفاعل حكومة الولايات المتحدة مع أصوات التغيير في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يمولها الكنغرس، لتوفير الموارد والخبرات، بهدف تعزيز الإصلاح في جميع أنحاء المنطقة. بشراكة مع منظمات غير حكومية، دولية ومحلية، ومؤسسات اقتصادية، وجامعات ومعاهد عليا، وأحيانا حكومات،

وورد في مكان آخر من الموقع: "هو حلقة لتطوير ودعم مشروع الشرق الأوسط الكبير، وبقية البرامج الإصلاحية، وهو جزء من السياسة الخارجية الأمريكية، للتعامل المباشر مع الإصلاحيين ونشطاء المجتمع المدني، وشركاء المبادرة، والمشاركين في برامجها، واعتماد الإرشادات والمعلومات الصادرة عنهم. يساهم (ميبي) في تنظيم المؤتمرات وتسهيل تبادل الزيارات وإعداد الندوات ودورات التكوين الداعمة للإصلاح. بواسطة مجموعة من المنظمات غير الربحية، التي تدعمها وزارة الخارجية الأمريكية".

أما الأهداف المعلنة فهي أربعة:

أولاً: دعم الديمقراطية (تدعيم الأحزاب والإصلاح البرلماني، تعليم أسس القيادة والإصلاح).

ثانياً: الإصلاح الاقتصادي وتطبيق التزامات إتفاقية التجارة الحرة (تقوية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، التسويق، التعريف بمبادئ منظمة التجارة العالمية).

ثالثاً: إصلاح التعليم (تعليم الإنكليزية، الإصلاح الرقمي، الشراكة مع الجامعات الأمريكية).

رابعاً: تمكين المرأة، وتدريبها على القيادة (خصوصًا المقاولات وربات العمل)، تكوين القيادات النسائية الشابة في الأحزاب والمنظمات، التعريف بفرص التعليم في أمريكا، وحرية المرأة.

وكل محور من هذه المحاور الأربعة يتضمن بدوره باباً خاصاً بـ "تمكين المرأة". من جملة العناوين التي تم تناولها (وتمويلها) عام 2008، نجد: تدريب باعثي المشاريع، قادة المجتمع المدني يتبادلون الخبرات، قواعد تكوين الأحزاب السياسية، التدريب على مخاطبة الجمهور.

من أهم البرامج أيضا "المركز الدولي للمشروعات الخاصة" أي: القطاع الخاص، ومهمته تمويل مشروعات لحاملي الأسهم، وتطوير وتنفيذ السياسات الاقتصادية الحرة (الليبرالية)، ودعم التجارة الحرة، حسب شروط منظمة التجارة العالمية، التي تحظى بحيز كبير في برامج تكوين النساء، وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وهناك دعاية متكررة لـ"منتدى المستقبل"، الذي يروج للليبرالية والتطبيع مع الكيان الصهيوني والإمبريالية، والذي ينعقد في البلدان العربية، بحضور أثرياء العالم، دولاً ومؤسسات.

أوردنا هذه المقتطفات الطويلة من الموقع الإلكتروني الرسمي، حتى يتجلى بكل وضوح الهدف الحقيقي، المعلن لهذا البرنامج الأمريكي الذي يدعو له عديد المعارضين الليبراليين العرب، وعدد من قادة المنظمات والجمعيات  العربية، منها الفلسطينية في غزة ونابلس ورام الله. وحتى بعض المحسوبين على اليسار العربي، الذين لا يرون حرجا في التعاطي مع البرامج الحكومية الأمريكية والأروبية، والمشاركة النشيطة بها والدعاية لها، مقابل بعض التمويل، وبعض السٌفريات.

أما المنظمات "غير الربحية" التي تدعمها وزارة الخارجية الأمريكية، لتنفيذ هذه البرامج، فنجد من ضمنها: مكتب الدراسات الإستراتيجية للشرق الأوسط وأيركس وفريدوم هاوس وجامعة نيويورك والمركز الدولي للمشروعات الخاصٌة، ومؤسٌسة ييستر ويو آس آد، وهذه الأخيرة هي مؤسٌسة رسمية، حكومية أمريكية.

كلمة حق يراد بها باطل

تنطلق الإمبريالية الأمريكية من الغياب  الفعلي للديمقراطية، ومن قمع واضطهاد المرأة، وانعدام الشفافية في الوطن العربي وغيره، لتجعل منها ثغرة تستغلها للتدخل بإسم حقوق الإنسان، وبإسم الدفاع عن الديمقراطية والمرأة الخ. لكن الأنظمة القائمة تحظى جلها (وربما جميعها) بمساندة الولايات المتحدة، فجميعها مطبع علاقاته مع الكيان الصهيوني، سرًا أو علنًا، وكلها معادية لأي نفس مقاوم للاحتلال في فلسطين أو العراق، وصفقت للاعتداء الصهيوني على لبنان عام 2006، ولم تحرك ساكنًا خلال القصف المكثف على غزة، كما لا يسمح نظام عربي واحد بالاحتجاجات الجماهيرية ضد العدوان والمجازر.

إن اهتمام أمريكا مُنصب على خَلق تيار مساند لها، في أوساط المقاولين والصحفيين والمثقفين والطلبة والشباب والنسوة، وقادة الأحزاب والمنظمات غير الحكومية. لخلق جيل من الأنتليجنسيا المشبعة بالقيم الإيديولوجية الليبرالية السائدة في الولايات المتحدة، وخلق تيار بديل للقيم الشعبية السائدة في الوطن العربي، وبديل لمعاداة الصٌهيونية والحلف الأطلسي، والإمبريالية بشكل عام والأمريكية بشكل خاص، وقلب الموازنة تدريجياً لتأسيس تيار يدافع عن القطاع الخاص، والليبرالية والسياسات الإمبريالية والاحتلال، لدى الشباب والنسوة والمثقفين والصحفيين.

وتعلم الولايات المتحدة علم اليقين أن الأنظمة العربية غير شعبية، ولذلك تظهر للرأي العام المحلي أنها غير راضية على وضعية حقوق الإنسان (من خلال التقرير السنوي لوزارة الخارجية وكذلك تقرير هيومن رايتس واتش)، ويلتقي سفراء وممثلو الحكومة الأمريكية بأطراف المعارضة، بما فيها الإخوان المسلمون وبعض قوى اليسار، للإستماع إليهم والإستفادة من نقدهم للسلطة، كي يعدلوا برامجهم، ويعدوا العدة، "لتجاوز التحديات في مجال نشر الديمقراطية والإزدهار الإقتصادي وتحسين جودة التعليم ودعم مشاركة المرأة في المجتمع".

 ويقول ستيفن فورد (السفير الأمريكي السابق في الجزائر قبل انتقاله إلى بغداد في حزيران 2008): " من واجب السفراء أن يكونوا على اتصال مع مواطني البلد المضيف، وهذا ما فعلته، نحن بحاجة للحديث مع الأحزاب السياسية، مع رجال الأعمال ورجال الثقافة، لنتفهم حاجيات الجزائريين. وهدفنا من كل هذا هو مساعدة السلطات الجزائرية على تحضير الجزائر والشباب الجزائري للاندماج في الإقتصاد العالمي والحصول على مرتبات عالية". لقد ركٌز البرنامج كثيرا على الجزائر وفلسطين، خاصٌة أثناء محاولات أمريكا تركيز قواعد عسكرية لإيواء "أفريكوم"، ورفضت الجزائر ذلك، رغم مشاركتها في بقية برامج الحلف الأطلسي، في المتوسط.

بمناسبة اليوم العالمي للمرأة عام 2008، دعم برنامج "ميبي" (وقنصلية أمريكا بالقدس)، مادياً وسياسياً منظمة "غير حكومية" في غزة اسمها: "صوت المجتمع"، لتنظيم ورشات عمل وحلقات تكوينية، لتثقيف الناس، وتكوين ناشطات شابات حول "تعزيز امكانات المرأة للمشاركة في المسار الديمقراطي. وخلق آليات عمل لتحريم العنف ضد النساء وجرائم الشرف والالتزام بالمعاهدات الدولية. رغم الجو المشحون بالعدائية والعنف الذي يسيطر على غزة". كأن الإحتلال غير موجود ولا يمنع الغذاء والدواء ودخول وخروج المرضى والعمال والطلبة، وكأن العنف ليس نتيجة للإحتلال وإنما يبدو أنه من شيم الفلسطيني. 

والمشكل الوحيد لنساء غزة (ورجالها) هو تطبيق "المعاهدات الدولية" في مجال الحريات الفردية، وكأن الحصول على الغذاء والدواء والعمل ليس من الحقوق الأساسية للبشر، وكأن الفلسطينيين تحرروا، واستعادوا أرضهم وتخلصوا من المشاكل الناجمة عن الإحتلال.

أما مدير "صوت المجتمع" فقد انبرى يكيل المدائح لقنصلية أمريكا بالقدس ولبرنامج "ميبي"، وكأن أمريكا بريئة من جرائم الإحتلال الصهيوني، وليست مسئولة عن إدامة الإحتلال، ومساندة الكيان الصهيوني ايديولوجياً ومالياً وعسكرياً ودبلوماسياً.

في نابلس خصص برنامج ميبي جائزة لمنظمة حقوقية، تأسست ب"فرمان" (مرسوم سلطاني في العهد العثماني) من ياسر عرفات، مباشرة بعد أوسلو، ولا زالت تحظى بمساندة سلطة الحكم الذاتي الإداري في رام الله، وقدمت على أنها "منظمة حقوقية غير حكومية"، وهللت مديرتها لهذا الاعتراف العظيم من قبل الأسياد الأمريكان فبالغت في المديح والدعوات الصالحة ورجت دوام النعمة والجاه، ونابلس كانت معقلاً لمقاومة الإحتلال، قبل انفلات "قوات الأمن الفلسطينية" الممولة والمسلحة والمدربة أمريكياً، للاعتقال والتنكيل بكل من يشتبه بمقاومته للإحتلال.

 كما حصل شاب فلسطيني آخر على جائزة الصحفي الشاب، مما يمكنه من منحة دراسية في الولايات المتحدة، نتمنى أن تثير فيه الرغبة لمقارنة ما فعله الأروبيون البيض بالسكان الأصليين في أمريكا، بما فعله الصهاينة في فلسطين.

تحت عنوان "قادة المجتمع المدني يتبادلون الخبرات"، نظم برنامج ميبي، من 9 إلى 11 يونيو/حزيران 2008، لقاء في الأردن جمع 250 من رجال ونساء الأعمال ومحامين وقادة "المجتمع المدني"، بهدف "توسيع شبكة علاقاتهم الشخصية والمهنية، واكتساب خبرات أكبر"، بإشراف خبراء، استدعتهم وزارة الخارجية الأمريكية، كما شاركت نساء شابات، تعملن في مجال الأعمال، والقانون، في برنامج تدريبي بأمريكا، على قيادة قطاع الأعمال والمجتمع المدني. وشارك في البرنامجين شبان وشابات من الجزائر والمغرب وتونس والبحرين ومصر والعراق المحتل والأردن والكويت ولبنان وعمان وقطر والسعودية والإمارات واليمن و(الأراضي الفلسطينية)، إلى جانب صهاينة جاؤوا من فلسطين المحتلة.

في إطار تمكين النساء والتدريب على الديمقراطية، خصص البرنامج منحة ل44 قائدة سياسية من مختلف البلدان العربية، لمتابعة الحملة الإنتخابية الرئاسية، لمدة أسبوعين، في النصف الثاني من أكتوبر 2008، وناقش مع الرئيس بوش "أهمٌية دعم الديمقراطية والإصلاحات لمجابهة التحديات تجاه الشرق الأوسط" (أما الإحتلال والهيمنة الإمبريالية والحكومات الكمبرادورية، فليست من التحديات الجديرة بالإهتمام). 

وقال لهن جيمس غلاسمان (وكيل وزارة الخارجية ): "ستشهدن التاريخ أثناء صياغته، وستتاح لكن فرصة مراقبة الديمقراطية، وهي في عنفوان نشاطها، عندما يمارس الأمريكيون حقوقهم". ولم تشارك نساء الكيان الصٌهيوني في هذه التظاهرة، لأنهن لسن بحاجة "للتدريب على الديمقراطية"، فالصهيونية حسب المفهوم الإستعماري: هي مشروع حضاري في قلب المشرق العربي المتعجرف!

خاتمة، معركة على الجبهة الإيديولوجية؟

دأبت الإدارات الأمريكية المختلفة على تكوين لجان للبحث والتفكير، في مواضيع ذات أهمية استراتيجية (أو تكتيكية)، بالنسبة لعلاقات أمريكا بمختلف مناطق العالم، ومصالحها الإستراتيجية. وقد تبقى نتائج أعمال تلك اللجان في الرفوف، أو لا تستغلها مصالح الدولة أو الإحتكارات، في الحين، بل تلجأ  إلى تلك البحوث والدراسات عندما تنضج الظروف وتقتضي مصالحها أو مخططاتها ذلك، مع تعديلها عند الضرورة، حسب مقتضيات المرحلة، أو ميزان القوى، أو المتغيرات على الساحة الخ.

 برنامج ميبي: "هو عبارة عن فرع من مشروع الشرق الأوسط الكبير"، يعنى بالجانب الإيديولوجي، وتخريب المجتمعات العربية من الداخل، وتكوين نخب (خصوصا من الشباب)، تتدرب على قيادة المؤسسات والأحزاب والمنظمات (غير الحكومية)، ووسائل الإعلام، متسلحة بأفكار تتنكر للتراث التقدٌمي للإنسانية، وللجوانب النيرة من حضارتنا وثقافتنا وتاريخنا،

 فتجعل من التطبيع قيمة حضارية، وتحول  السلام إلى رضوخ لإرادة الاستعمار، وتتشبه بالمحتل والمستعمر والمهيمن، وتجعله مثلها الأعلى، وتساند تدخلاته، حتى العسكرية منها، أي الإيمان بعدم قدرة الشعوب على تقرير مصيرها، والقناعة بأن الإمبريالية هي الوحيدة القادرة على تقرير مصيرنا، وأن مثلها وقيمها الإستعمارية هي أرقى ما وصلت له الإنسانية، أي الإقرار بالعجز وبالهزيمة، دون محاولة النهوض لمقاومة الإحتلال والإستغلال والإضطهاد.

إن من أهم الإنجازات التي حققتها الإمبريالية، نجاحها في إنتاج خطاب يفصل بينها وبين الأنظمة العربية القائمة، ويقدم الإمبريالية كمدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وحليف للشعوب المضطهَدَة.

وبعد احتلال العراق،  ظهرت في مصر وسوريا وتونس وفلسطين وغيرها، أشكال من التحالفات السياسية للمعارضة، تهلل للتدخل الإمبريالي في البلاد العربية، بدعوى استحالة التغيير، بالاعتماد على قدرات الفئات الشعبية والكادحة، واستنجدت بسفراء أمريكا وأوربا، ووزراء خارجيتها لمحاولة الوصول إلى الحكم، وامتدح العديد من معارضينا، حتى بعض من كانوا محسوبين على اليسار، ما حصل في أوكرانيا وجورجيا، من "ثورات" برتقالية ملونة، من إعداد المخابرات الأمريكية.

فالخلفية الإيديولوجية لمشروع الشرق الأوسط الكبير، وبالتالي "ميبي"، هي تلك النظرية التي بناها "فرنسيس فوكوياما" قبل حوالي 20 سنة، ومفادها أن الديمقراطية البرجوازية (الليبرالية)، هي قمة ما يمكن أن يبلغه العقل الإنساني، في المجالات السياسية والإقتصادية والثقافية، ولذا وجب فرضها على باقي الشعوب، بدهاء ولين، إن أمكن، وبقوة السلاح إن وجدت مقاومة وممانعة. وها هي أمريكا تجرب الحلين معا، في مختلف المناطق.   

* كل الاستشهادات الواردة بين معقفين " " مأخوذة من الموقع الرسمي ل ميبي: mepi.state.gov
أو من النشرة الإلكترونية لوزارة الخارجية الأمريكية: Usinfo.state.gov

 

الشيخ الطاهر المعز

20شوال1431هـ

 

  • 1
  • 0
  • 7,714

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً